تحولت الخلافات المزمنة حول كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني إلى توترات جديدة بين إدارة بايدن وإسرائيل، حيث غادر مسؤولان إسرائيليان كبيران واشنطن قلقين من أن التزام الأميركيين باستعادة الاتفاق النووي لعام 2015 سوف يسفر عن اتفاق معيب يسمح لطهران بالإسراع في برنامجها لتخصيب اليورانيوم.
وكانت التوترات واضحة طيلة نحو أسبوع، حيث سعت إدارة بايدن إلى وضع التحالف مع إسرائيل في جبهة موحدة بشأن كيفية التعامل مع إيران على مدى العام المقبل. وفي محاولة لجبر الفجوة، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن المسؤولين الأميركيين نفوا ما ورد في تقرير مفاده أنه قبل شهرين طلب الرئيس الأميركي جو بايدن من مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، مراجعة خطة البنتاغون المنقحة لاتخاذ إجراء عسكري في حال انهيار الجهود الدبلوماسية. كما حدد مسؤولو الإدارة الأميركية الجهود الجديدة لتشديد العقوبات على إيران بدلاً من تخفيفها.
وكان تركيز بايدن على الخيارات العسكرية والعقوبات في محاولة لإعلام طهران بأن صبر الولايات المتحدة بدأ ينفد مع تقاعس إيران في المفاوضات النووية بفيينا. غير أن الخط الأكثر تشدداً كان يهدف أيضاً إلى تهدئة المسؤولين الإسرائيليين المحبطين على نحو متزايد. ورغم أنهم لم ينتقدوا بايدن علناً، مثلما فعل رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو أثناء إدارة أوباما، فإن المسؤولين الإسرائيليين يزعمون في مجالسهم الخاصة بأن الإيرانيين يتقدمون ببرنامجهم النووي، في حين يراهنون على أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن محادثات فيينا من أجل إجراء أكثر قوة.
- مكالمة هاتفية متوترة
وبعد اتصال هاتفي متوتر مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قبل 10 أيام، أرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت، وزير دفاعه بيني غانتس، ورئيس الموساد الجديد ديفيد بارنيا، إلى واشنطن هذا الأسبوع، متسلحين بمعلومات جديدة حول تخصيب اليورانيوم الإيراني، وأعمال ما تصفه إسرائيل بأنه مجموعة الأسلحة الإيرانية. وعلى الرغم من المحادثات الأميركية الأكثر صرامة، فقد غادر المسؤولان الإسرائيليان قلقين من استمرار التواصل الدبلوماسي مع إيران.
والخلاف بشأن إيران ليس سوى قضية واحدة من قضايا عدة تقض مضاجع العلاقة بين بايدن وبنيت. بدأ الرجلان العمل على أساس متين: إذ تحدث بايدن مع بنيت بعد ساعات من توليه منصبه في يونيو (حزيران)، في إشارة داعمة على اعتبار أن بايدن قد استغرق أسابيع بعد تنصيبه ليتحدث مباشرة مع سلف بنيت، بنيامين نتنياهو. لكن في قلب التوترات بين إسرائيل والولايات المتحدة يكمن الخلاف الجوهري حول كيفية وقف البرنامج الإيراني. وهي ليست حجة جديدة: إذ حارب الحليفان بمرارة بشأن اتفاق 2015، الذي عارضته إسرائيل ووقّع عليه الرئيس الأسبق أوباما.
- تخريب إسرائيلي للمنشآت الإيرانية
وفي الآونة الأخيرة، اختلف الطرفان حول الحكمة من التخريب الإسرائيلي للمنشآت الإيرانية، التي تعتقد حكومة بنيت أنها سببت انتكاسة للبرنامج، والتي يصفها البعض في الولايات المتحدة بأنها تشجع الإيرانيين على بناء منشآت تخصيب اليورانيوم بمعدات أكثر فاعلية وحداثة. وكان المسؤولان الإسرائيليان سعيدين بالترحيب الحار الذي قدمه البيت الأبيض لبنيت. وكانت إدارة بايدن قد أشادت بحكومته لكونها أكثر شفافية معها مما كان عليه الحال بالنسبة لنتنياهو. والواقع أن الجانب الإسرائيلي قد تشاور مع نظيره الأميركي قبل شن هجومين سريين ضد إيران؛ الأول في سبتمبر (أيلول) ضد قاعدة للصواريخ، والثاني في يونيو (حزيران) ضد مصنع لأجهزة الطرد المركزي النووية، وفقاً لشخصيات مطلعة على المجريات.
إلا أن الاتصال بين بنيت وبلينكن كان مثيراً للجدل الأسبوع الماضي، حيث تبنى كلا الجانبين آراء مختلفة حول قيمة اتفاق متجدد لوقف طموحات طهران النووية. وقد خلّف هذا الاتصال إحباطاً لدى المسؤولين في كلا البلدين. وخلال المكالمة الهاتفية، قال بنيت إن إيران تحاول ابتزاز الولايات المتحدة عبر زيادة نسبة التخصيب. وأضاف بنيت أنه لا يوجد مسؤول، أميركي أو إسرائيلي، يريد أن يكون الشخص الذي يُعلن عن وصول إيران إلى مستوى تخصيب قنبلة نووية، لكن المخاوف من أن إيران المسلحة نووياً لا ينبغي أن تؤدي إلى الرضوخ لمطالب إيران أو التوقيع على اتفاق متهور.
ويعتقد بعض المسؤولين الأميركيين أن المخاوف بشأن التنازلات في غير محلها. وكان مسؤولون إسرائيليون شكوا من سعي الولايات المتحدة لإمكانية عقد اتفاق مؤقت مع طهران من شأنه إلغاء بعض العقوبات مقابل تجميد بعض الأنشطة النووية. لكن المسؤولين الأميركيين يقولون إن هذا العرض ليس موضع دراسة فعلية، على الأقل في الوقت الراهن، بسبب عدم رغبة إيران في المشاركة.
ولم يطمئن المسؤولون الإسرائيليون. كما أعربوا عن قلقهم المتزايد من وصول الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى اتفاق مع طهران، ومن ثم الانتقال لمنع الاستخبارات الإسرائيلية من تنفيذ هجمات تخريبية سرية. ويقول القادة الإسرائيليون إنهم يريدون ضماناً من إدارة بايدن بأن واشنطن لن تطالب بوقف حملتهم التخريبية، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
- خلافات بشأن التوقيت
ولا تزال الخلافات حول تقييمات الاستخبارات للمخزون النووي الإيراني والدراية الفنية لصنع القنابل طفيفة نسبياً، وتركز في الأغلب على المدة التي قد يستغرقها الإيرانيون لإنتاج السلاح إذا حصلوا على وقود نووي صالح للقنابل. لكن الغموض المحيط بفحوى هذه التقييمات واسع النطاق. ويعتقد المسؤولون الأميركيون أنه ما دامت إيران لم تتحرك نحو تطوير قنبلة نووية، فليس لديها برنامج عسكري نووي، طالما علقت البرنامج الحالي بعد 2003. ومن ناحية أخرى، يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن إيران واصلت الجهود السرية لبناء القنبلة النووية منذ عام 2003.
ويعتقد بعض المسؤولين الإسرائيليين أن حملتهم التخريبية لها آثار استراتيجية وقد تكون أحد أسباب عودة الإيرانيين إلى فيينا، وإن بصفة مؤقتة. وقال مسؤول استخبارات إسرائيلي رفيع إن عمليات التخريب خلقت جنون العظمة لدى الحكومة الإيرانية. وأضاف أن هذه العمليات جعلت طهران تعيد النظر فيما إذا كان يتعين عليها تسريع المشروع النووي، أم لا.
- اتصالات القناة الخلفية
لكن حتى الأميركيين المؤيدين للتوجهات الإسرائيلية يقولون إن ذلك أقرب إلى «جز العشب»، الخطوة الضرورية للسيطرة على إيران، لكنها ليست خطوة من شأنها وقف الأبحاث النووية الإيرانية بشكل كامل. ويعتقد هؤلاء المسؤولون الأميركيون أن السبيل الدائمة الوحيدة لمنع إيران من إنتاج السلاح النووي تتلخص في التوصل إلى اتفاق، مثل الاتفاق الذي أبرم في عام 2015، ويُلزم إيران بشحن وقودها النووي إلى خارج البلاد. وهذا يتطلب تخفيف العقوبات بشكل كبير في المقابل.
وحاول المسؤولون الإسرائيليون، في اجتماعات هذا الأسبوع، إقناع واشنطن بعدم العمل للوصول إلى اتفاق دبلوماسي وتشديد العقوبات بدلاً من ذلك. لكن مسؤولين إسرائيليين يقولون إنهم يخشون من إجراء الولايات المتحدة اتصالات سرية عبر القنوات الخلفية مع إيران، وإن جولة جديدة من المحادثات في فيينا ستؤدي في النهاية إلى توقيع اتفاق.
البرنامج النووي الإيراني يشعل توتراً جديداً بين أميركا وإسرائيل
واشنطن حاولت تهدئة تل أبيب المحبطة
البرنامج النووي الإيراني يشعل توتراً جديداً بين أميركا وإسرائيل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة