مها الملوح في بينالي الدرعية... عندما دخل «غذاء الفكر» في مرحلة الوباء

{العمل يحكي عن وضع العالم ووضعنا» وأشرطة الكاسيت تكتسب معاني جديدة

مها الملوح... «غذاء الفكر» خريطة العالم 2021 (غاليري كيرزنغر وسلمى فرياني لندن)
مها الملوح... «غذاء الفكر» خريطة العالم 2021 (غاليري كيرزنغر وسلمى فرياني لندن)
TT

مها الملوح في بينالي الدرعية... عندما دخل «غذاء الفكر» في مرحلة الوباء

مها الملوح... «غذاء الفكر» خريطة العالم 2021 (غاليري كيرزنغر وسلمى فرياني لندن)
مها الملوح... «غذاء الفكر» خريطة العالم 2021 (غاليري كيرزنغر وسلمى فرياني لندن)

في استديو مها الملوح هناك الكثير من الكرتونات الورقية والقدور المعدنية الضخمة وشرائط الكاسيت القديمة المختلفة الألوان، أكوام منها هنا. تستقبل الفنانة زوارها دائما بهدوئها المعتاد وبالضيافة المرحبة وتتركهم ليعاينوا مصادر إلهامها في هذا المكان.
تنعكس اهتمامات الملوح هنا وفي كل ركن من أركان منزلها أيضاً، تشير لقطع مختلفة وضعتها لتزين أرجاء المنزل، منها بعض صناديق الملابس القديمة الملونة والمزركشة، تعيدنا لحكايات المسافرين على البواخر يحملون أغراضهم ومتعلقاتهم في صناديق مماثلة. في أماكن أخرى تضع الملوح قطعا لا تشبه غيرها، بالنظر لها نجدها مكونة من قطع من الحديد المستخدم في البناء، جعلت منه عملا فنيا متميزا. إنها عين الفنانة التي تحيل كل ما يحيط بها لأعمال فنية تحمل قصصاً وتبدأ حوارات مع الناظر لها.
من عالم مها الملوح تظل أشرطة الكاسيت تحتفظ بمكانها الرئيسي في الرحلة الفنية للفنانة المتميزة دائما، جمعتها عبر سنوات طويلة وأودعتها «كراتين» ورقية في الاستديو الخاص بها. نظمتها في أشكال مختلفة داخل صوان خشبية وأسمتها «غذاء الفكر»، لتعيد للأذهان قصة جيل بأكمله عاش مع تلك الأشرطة «الوعظية». استمدت منها الملوح حوارات مختلفة، وصنعت منها لوحات مختلفة بألوانها وطريقة صفها لتكون كلمات ذات معنى.
ليس غريبا أن يكون عمل الملوح الأخير في بينالي الدرعية مستمدا من تلك السلسلة، غذاء الفكر دخل مرحلة الوباء وأصبح هناك معانٍ واستخدامات جديدة لأشرطة الكاسيت.
الوباء هو العنوان والإلهام خلف العمل الذي تصدر دعايات البينالي. ترسم بأشرطتها خارطة العالم بقاراتها ومحيطاتها، الوباء شمل الجميع، الكاسيتات هنا لا تعكس حالة مجتمعية خاصةً بل تلقي بظلالها على واقع عالمي عاشه كل فرد منا.
الحديث مع الملوح دائما مثير للفكر، تدهشنا بقدرتها على رؤية الأشياء حولها التي قالت عنها في حوار سابق «هي أشياء اعتدنا على رؤيتها دائماً إلى درجة أن أصبحنا لا نراها». تحدثنا عن الأيام والأشهر الأولى للوباء، تأثيرها النفسي هو الأهم. عاشت الأشهر الأولى بعيدا عن وطنها، في نيويورك مع زوجها، تحكي لي عن الإحساس بالاختناق الذي عاشته وعاشه العالم بأجمعه. تقول «العمل يحكي عن وضع العالم ووضعنا». تصطف أشرطة الكاسيت لتبرز من تشكيلها كلمة «البلاء». تقول «البلاء ليس فقط ماديا أو جسديا، إنما هو في كل شيء، الجائحة ممكن تكون فكرية، أو روحية... الناحية الروحية لها دخل كبير في مواجهة الأزمات حتى لو كانت أمراضا أو أوبئة لها لقاحات وأدوية، هذا ليس كافيا... من اللازم أن يكون الإنسان مهيأ نفسيا لها».
بشكل ما تكتسب أشرطة الكاسيت معاني جديدة، المواعظ داخلها كانت تتحدث دائما عن البلاء والابتلاء، أليس ما مر به العالم منذ 2020 وحتى الآن، ابتلاء؟ فكرة البلاء والابتلاء تختلف ولكن الإجابة بشكل ما واحدة. القوة الروحية لازمة للمواجهة «الاستعداد الروحي والنفسي مهم لمواجهة أي جائحة سواء كانت فكرية أو بدنية»، تعلق الملوح.
خلال الفترة الأولى سجلت الفنانة مقاطع فيديو من مكان حجرها في نيويورك حيث ظلت لشهرين، «طلب مني غاليري «كيرزنجر» أن أسجل يوميات بالفيديو لفترة الحجر. لم أعرف ماذا أسجل، أنا داخل جدران شقتي، ليس هناك الكثير لأتحدث عنه». اللقطات تمر على النافذه التي تطل على الشارع، تركز على البنايات المجاورة. لا مارة هنا ولا حياة خارج تلك البنايات. داخل الشقة نرى التلفزيون يلقي بالأخبار، وللانعتاق من سيل الأخبار حول الوباء والحجر ترتاح الكاميرا على طاولة خشبية تحمل صورا للوحات فنية، نرى فرش الرسم وأنابيب الألوان، هنا عالم الفنانة الواضح والثابت بعكس حالة عدم اليقين التي أحاطت بالعالم كله.
تقول «في البداية كنا نعتمد على إيمان داخلي وكنا نردد «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» واستمددنا القوة من ذلك ولم نخابر الهلع الذي أصاب البعض. بعض الناس خرجت من التجربة بخير وبعضهم تحطم، ليس بفعل الوباء بل بسبب الحالة النفسية». خرجت الملوح من فترة الوباء ومن فترة عدم اليقين بقناعة ثابتة «في كل الأوبئة نحتاج للمناعة سواء كانت نفسية أو بدنية أو ثقافية».
تقرر تجسيد تلك الفترة في عمل فني ضخم، وتعود لأشرطة الكاسيت، تستعين بها هذه المرة لتخرج بها رسالة حول وضع العالم، تقول إن العمل أخذ منها وقتا طويلا، انشغلت به عما يجري حولها «كنت أعود له كل يوم لأغير لونا أو ترتيبا حتى أحسست أنه اكتمل. أخذ مني وقتا طويلا بس أنا «حسيت» إن روحي فيه».
تجذبني الألوان في العمل، وأسألها عن ذلك «ذكرت أنك كنت تعدلين في الألوان، كيف تتعاملين مع الألوان؟
تقول: «عندما أبدأ أي عمل يتضمن الأشرطة أبدأ التكوين باستخدام الأشرطة البيضاء (لدي الكثير منها)».
بصراحة محببة تضيف «بالنسبة للألوان أنا محصورة بالأشرطة التي أستطيع الحصول عليها فعلى سبيل المثال لا أستطيع استخدام اللون الأحمر لأنه لا توجد شرائط بهذا اللون. وجدت أن لدي كمية كافية من الأشرطة باللون الأزرق واستخدمتها لتصوير المساحات المائية مع تطعيمها باللون الأسود لإضافة العمق». تحدها الكميات الموجودة من الأشرطة، هل من السذاجة أن أسألها إذا ما كانت تفكر بتلوين الأشرطة البيضاء لديها بحسب حاجة العمل؟ لا تستبعد الفكرة كليا «هي فكرة أتركها للمستقبل عندما لا أجد أشرطة».
تشرح بالأرقام حجم العمل «استخدمت 3840 شريطا صففتها في 48 صينية خشبية في كل صينية 80 شريطا، هو الأضخم في أعمالها. وبالنظر لرسالته ووقت عرضه يبدو ذلك الحجم مناسبا جدا ومستحقا».



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.