باريس ترفع السرِّية عن أرشيف حرب الجزائر لـ«مواجهة الحقيقة»

وزيرة الثقافة الفرنسية قالت إنه «لا يمكن بناء سردية تاريخية مبنية على أكاذيب»

صورة أرشيفية لجنود فرنسيين داخل بلدة سلوم إبان حرب التحرير الجزائرية (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لجنود فرنسيين داخل بلدة سلوم إبان حرب التحرير الجزائرية (أ.ف.ب)
TT

باريس ترفع السرِّية عن أرشيف حرب الجزائر لـ«مواجهة الحقيقة»

صورة أرشيفية لجنود فرنسيين داخل بلدة سلوم إبان حرب التحرير الجزائرية (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لجنود فرنسيين داخل بلدة سلوم إبان حرب التحرير الجزائرية (أ.ف.ب)

في التاسع من مارس (آذار) الماضي، أصدر قصر الإليزيه بياناً أعلن فيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تجاوب مع دعوات الجامعيين والباحثين والمؤرخين، ووافق على فتح الأرشيف الوطني الخاص بحرب الجزائر، الممهور بطابع السرّية لفترة تتخطى الخمسين عاماً والممتدة حتى عام 1970، إلا أن ماكرون قرن موافقته بحرص أجهزة الدولة على التوفيق بين الوصول الحر إلى الأرشيف، وبين «حماية المصالح العليا للدولة الفرنسية، التي تندرج تحت باب سرّية المسائل الخاصة بالدفاع الوطني». وحسب الإليزيه، فإن قرار ماكرون يأتي من باب حرصه على «احترام الحقيقة التاريخية». وقد حدد ماكرون لأجهزة الدولة سقفاً زمنياً لتمكين الباحثين من الوصول إلى الأرشيف المعنيّ، بحلول صيف العام 2021.
وجاءت بادرة ماكرون في إطار عمله على «مُصالحة الذاكرتين» الفرنسية والجزائرية، التي أطلقها بالاتفاق مع الطرف الجزائري، لتشكيل لجنة ترأّسها من الجانب الفرنسي المؤرخ بنجامين ستورا، أحد أفضل المؤرخين الفرنسيين للحقبة الاستعمارية ولحرب الاستقلال، التي أنهت مرحلة الاستعمار الفرنسي للجزائر عام 1963، ونص التقرير المسمى «الذاكرة والحقيقة»، الذي وضعته لجنة ستورا ورفع إلى ماكرون بداية العام المنتهي على 22 توصية، ليس بينها الاعتذار، أو طلب الصفح أو التوبة لما اقترفته القوات الفرنسية من جرائم طيلة الحقبة الاستعمارية، الأمر الذي أثار حفيظة الجانب الجزائري.
كما لم يتضمن التقرير شيئاً عن تعويض ضحايا التجارب النووية، التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية. ومما اقترحته اللجنة المذكورة إحياء احتفالات تذكارية خاصة بالجزائر، وإنشاء هيئات متخصصة تعمل على جمع شهادات ضحايا الحرب من الجانبين، قصد إبراز الحقيقة التاريخية، واعتراف باريس بمسؤوليتها عن اغتيال المحامي الجزائري علي بومنجل، ورفع تمثال للأمير عبد القادر في مدينة أومبواز (وسط فرنسا) حيث قضى أربع سنوات قبل أن يغادر إلى دمشق، وإنشاء متحف فرنسي - جزائري مشترك. ومن بين التوصيات أيضاً تسهيل وصول المؤرخين إلى الأرشيف الفرنسي.
وأمس أعلنت روزلين باشلو، وزيرة الثقافة الفرنسية، التي تُشرف على الأرشيف الوطني، فتح الباب قريباً أمام الباحثين للوصول إلى أرشيف «التحقيقات القضائية» لفترة الحرب الجزائرية، الأمر الذي يندرج في إطار العمل بتوصيات لجنة ستورا وتنفيذاً لتعليمات ماكرون المشار إليها. وتأتي البادرة الفرنسية متقدمة بـ15 عاماً على المهلة المعمول بها رسمياً. وقالت باشلو للقناة الإخبارية «بي إف إم تي في»: «إنني بصدد فتح أرشيف التحقيقات القضائية التي قامت بها الشرطة، وجهاز الدرك والمتصلة بالحرب الجزائرية». مشيرة إلى أن هناك «أموراً يتعين علينا إعادة بنائها مع الجزائر، ولا يمكن أن تُبنى إلا على حقائق». في إشارة واضحة إلى الحقائق المزورة، التي تتضمنها السردية الفرنسية لما حصل في المستعمرة السابقة، سواء في فترة غزو الجزائر، أو في الفترات اللاحقة، خصوصاً في مرحلة نهاية الاستعمار.
وأضافت باشلو: «أريد ذلك بخصوص هذه المسألة المزعجة والمثيرة للغضب، وفيها مزورون للتاريخ... ويجب أن نكون قادرين على مواجهتها. ولا يمكن بناء سردية تاريخية على الكذب».
وبرأيها، فإن «التزوير هو الذي يجلب كل الأخطاء والمشكلات وكل الكراهية. وفي اللحظة التي تُطرح فيها الحقائق على الطاولة، ويتم الاعتراف بها وتحليلها يمكننا أن نبني تاريخاً آخر ومصالحة».
وليس سراً أن اليمين واليمين المتطرف في فرنسا يعارضان بقوة الاعتراف باقتراف قوات الأمن، أو الجيش الفرنسي، أي جرائم في حرب الجزائر، ويرفضان أي اعتراف أو اعتذار أو توبة. ورغم العقود التي مرت على حصول الجزائر على استقلالها، ما زالت العلاقات الفرنسية - الجزائرية بالغة الحساسية، بدليل تصريحات ماكرون، التي قال فيها إن النظام السياسي العسكري في الجزائر يعيش على «ريع حرب التحرير»، وتساؤله الغامض حول وجود «أمة جزائرية» قبل حقبة الاستعمار، وهو ما أثار أزمة حادة بين باريس والجزائر، التي عمدت إلى استدعاء سفيرها من باريس، ومنع الطيران من استخدام الأجواء الجزائرية للوصول إلى قواعد الجيش الفرنسي في مالي. إلى جانب حملة انتقادات عنيفة لفرنسا على المستويين الرسمي والشعبي. وقد سعى ماكرون لاحقاً لترطيب الأجواء مع نظيره عبد المجيد تبون بتصريحات تؤكد احترامه للشعب الجزائري ولرئيسه. كما جاءت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، للجزائر، منتصف الأسبوع الماضي، من أجل إعادة وصل خيوط الحوار معها، خصوصاً أن الجانبين يحتاجان للتعاون الوثيق فيما يخص وضع منطقة الساحل ومحاربة الحركات الإرهابية.
ثمة في فرنسا من يرفض الاعتراف بأن قوات بلاده ارتكبت سابقاً أعمالاً ترقى إلى جرائم حرب. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، وما يرافقها من خطاب شعبوي لمرشحين من اليمين أو اليمين المتطرف بخصوص المهاجرين، والإسلام والإرهاب والانفصالية الإسلاموية وما شابه، يصبح من الصعب جداً إسماع صوت الحقيقة لمن يريد سردية وطنية، خالية من أي شائبة. ولذا، فإن اليمين المتطرف وبعض اليمينيين يأخذون على ماكرون أنه لا ينفك عن تقديم الاعتذارات يميناً وشمالاً. ولذلك، فإن فائدة فتح أرشيف التحقيقات القضائية لقوى الشرطة والدرك سيضع هؤلاء أمام الحقيقة العارية، التي سيكون من الصعب عليهم نفيها أو عدم رؤيتها. لكنّ هذه البادرة تبقى مقتصرة على تنقية علاقات بالغة التعقيد كالعلاقات الفرنسية - الجزائرية، التي تحتاج لشجاعة سياسية من الجانبين من أجل التغلب على العقبات التي تَحول دون تطبيعها حقيقة.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».