مبعوث أممي يطالب بعدم تأخير المساعدات للسودان

حض على تشكيل حكومة تكنوقراط

TT

مبعوث أممي يطالب بعدم تأخير المساعدات للسودان

حض رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) الممثل الخاص للأمين العام، فولكر بيرثيس، أعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولي على عدم وقف المساعدات المخصصة للسودان لفترة طويلة، داعياً إلى عدم تحميل الشعب السوداني وطأة الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ سيطرة العسكريين على الحكم في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وكان بيرثيس يشير إلى قرار الكثير من الدول والمؤسسات المالية الدولية وقف المساعدات المقررة للسودان كردٍّ على سيطرة العسكريين على الحكم في 25 أكتوبر الماضي، واعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. غير أن هذه المساعدات لم تعاود حتى الآن رغم إعادة حمدوك إلى منصبه.
وقدم بيرثيس إحاطة أمام أعضاء مجلس الأمن في نيويورك استهلها بأن الانتقال السياسي في السودان مرّ في الأسابيع الستة الماضية بـ«أكبر أزمة حتى الآن»، معتبراً أن «هذه الأزمة لم تنتهِ بعد» رغم بدء المناقشات للتقدم إلى الأمام بعد استيلاء الجيش على السلطة واعتقال حمدوك وكبار المسؤولين والنشطاء السياسيين، وما تلا ذلك من احتجاجات وقتل ما لا يقل عن 44 شخصاً وإصابة المئات «نتيجة الاستخدام المفرط للقوة من قوات الأمن». وأوضح أن ذلك أدى إلى «تعميق الأزمة» في ظل استمرار «تنظيم المظاهرات الحاشدة بصورة منتظمة». وكرر الترحيب الحذر باجتماع 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والاتفاق بين حمدوك وقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان. وإذ قال إن «الاتفاق بعيد عن الكمال»، أقر بأنه «يساعد في تجنب مزيد من إراقة الدماء»، بل إنه يشكل «خطوة نحو حوار شامل والعودة إلى النظام الدستوري». وفي الوقت ذاته لاحظ أن الاتفاق «يواجه معارضة كبيرة من شريحة كبيرة من أصحاب المصلحة السودانيين، بما في ذلك الأحزاب والجمعيات داخل قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة والمجتمع المدني والمنظمات والجماعات النسائية» الذين «يشعر الكثيرون منهم بالخيانة من الانقلاب، والآن يرفضون أي مفاوضات أو شراكة مع الجيش»، مشيراً إلى أن «لجان المقاومة على وجه الخصوص مصممة على استمرار الاحتجاجات لاستعادة الثورة والدفع من أجل الحكم المدني». وتوقع قرارات قريبة في شأن تشكيل الحكومة والتعيينات الرفيعة المستوى وإنشاء المؤسسات الانتقالية، معتبراً ذلك بمثابة «اختبار إرادة وقدرة أصحاب المصلحة على البحث عن طريقة مشتركة للخروج من الأزمة».
ولفت بيرثيس إلى أنه طلب في لقاءاته الأخيرة مع البرهان وحمدوك اتخاذ قرارات للتراجع عن التعيين من جانب واحد لأعضاء مدنيين في مجلس السيادة. ورأى أن «تشكيل حكومة تكنوقراطية يمكن أن يكون خطوة نحو دفع عملية الانتقال»، علماً بأنها «يمكن أيضاً أن تخلق تحدياً دستورياً إذا لم تكن مبنية على المشاورات مع قوى الحرية والتغيير». وأضاف أنه سيتعين على القادة العسكريين والسياسيين في السودان إعادة بناء الثقة مع جمهورهم، ولا سيما مع جيل الشباب، مؤكداً أن إعادة البلاد إلى مسار التحول الديمقراطي «سيكون أمراً أساسياً». وقال: «ستكون هناك ثلاثة مؤشرات مهمة قصيرة المدى: قدرة رئيس الوزراء على تشكيل حكومة التكنوقراط بحرية وفق أحكام الإعلان الدستوري، ورفع حال الطوارئ، واستعادة حرية الصحافة». أما على مدى الأشهر القليلة المقبلة، فإن «المؤشر الرئيسي للعودة إلى مسار التحول الديمقراطي هو استعادة الفضاء السياسي»، مع التوجه نحو «إجراء انتخابات حرة ونزيهة». وطالب السلطات السودانية بـ«ضمان المشاركة الهادفة للمرأة في العملية السياسية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.