تركيا غارقة في استقطاب حاد حول الانتخابات المبكرة

تحالف إردوغان يحسم ترشيحه للرئاسة... والمعارضة لم تقرر بعد

تركيا غارقة في استقطاب حاد حول الانتخابات المبكرة
TT

تركيا غارقة في استقطاب حاد حول الانتخابات المبكرة

تركيا غارقة في استقطاب حاد حول الانتخابات المبكرة

تتصاعد حدة النقاش في تركيا بين الرئيس رجب طيب إردوغان وأحزاب المعارضة التي تضغط من أجل التوجه إلى الانتخابات المبكرة، ورفض انتظار موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو (حزيران) عام 2023، في ظل أزمة اقتصادية تضرب البلاد وسط انهيار الليرة التركية وارتفاع التضخم وموجة الغلاء غير المسبوقة.
الأزمة الاقتصادية التركية، تليها الإخفاقات السياسية في العديد من الملفات على صعيد السياسة الخارجية لحكومة إردوغان، هي أهم أوراق المعارضة للضغط على الرئيس من أجل دفعه إلى قرار الانتخابات المبكرة، وذلك عبر اتهامه بقلة الكفاءة والفشل في إدارة شؤون البلاد. وهو ما يعبر عنه مرارا كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، وحليفته رئيسة حزب «الخير» ميرال أكشنار. وفي المقابل، يتهم إردوغان وحليفه دولت بهشلي، رئيس حزب الحركة القومية، المعارضة بالسعي إلى زعزعة استقرار البلاد وترويج صورة مغلوطة عن الوضع الاقتصادي.
رغم أنه لا يزال يتبقى أمام تركيا حوالي سنة ونصف السنة على انتخاباتها المرتقبة، يزداد الشحن وتتسارع التحضيرات المبكرة. ولقد بدأ الرئيس رجب طيب إردوغان، مدفوعا بضغط المعارضة، وبنتائج استطلاعات الرأي المتعاقبة، إلى إطلاق حملة انتخابية مبكرة، عبر مؤتمرات شعبية وافتتاح مشاريع جديدة في عموم أنحاء البلاد. لكن أحزاب المعارضة سبقته على مدى سنوات عبر جولات في الولايات والمدن والأحياء في حملة «التحام مع الشارع» لقياس نبض الناخبين وحشدهم لهزيمة «تحالف الشعب»، المؤلف من حزبي العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية.
المعارضة أبرزت ورقة قوية عبر مؤتمر شعبي حاشد، قدر حضوره بأكثر من مليون شخص، في مدينة مرسين (جنوب البلاد) السبت الماضي، بدعوة من كليتشدار أوغلو، وكان المطلب الرئيس فيه استقالة إردوغان وحكومته والتوجه إلى الانتخابات المبكرة كحل للأزمات التي تعانيها تركيا.
وفيما يبدو تحضيرات مبكرة لانتخابات، لا يرغب إردوغان وحليفه بهشلي أن تكون «مبكرة» على الإطلاق، رد الرئيس التركي بحدة على دعوات المعارضة متسائلاً: «أي انتخابات مبكرة هذه؟ هذا شأن من عمل الدول القبلية... لا يمكنك رؤية مثل هذا الشيء في دولة متقدمة، وفي الغرب. الانتخابات ستكون في يونيو (حزيران) 2023». أما المعارضة، التي ترغب في الانتخابات المبكرة لاعتقادها بأن هذه هي الفرصة السانحة لإطاحة إردوغان وحزبه - الذي حكم تركيا لما يقرب من 20 سنة -، فتعمل على زيادة الضغط عليه. وحقاً، بدأت منذ العام الماضي الحديث عن مدى صلاحية النظام الرئاسي، الذي طبقه إردوغان عام 2018 ومنحه سلطات شبه مطلقة. ومن ثم، بدأت مساعٍ لتوحيد صفوفها وتوصلت إلى نقطة اتفاق هي العودة بالبلاد إلى النظام البرلماني بعد تقويته وتعزيزه.
ثم إن حزب «الديمقراطية والتقدم» برئاسة نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان، الذي أسسه بعد انفصاله عام 2019 عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، وضع بالفعل مشروعاً متكاملاً للنظام البرلماني. وتطور الحراك في هذا الاتجاه نحو تشكيل لجنة من أحزاب المعارضة تواصل اجتماعاتها على مدى أكثر من شهرين للاتفاق على ملامح النظام الجديد.
- تحرك منسق
من جهة ثانية، مع أن أحزاب المعارضة لم تتفق فيما بينها، بعد، على توسيع «تحالف الأمة»، المكون من حزبي الشعب الجمهوري والجيد، والانضواء جميعها تحت راية التحالف، فإنها تتحرك بشكل منسق. وهي تتشاور بشكل مستمر عبر لقاءات بين قادتها لبحث التطورات الاقتصادية والسياسية في البلاد والتأهب للانتخابات، التي ترجح أنها ستكون في خريف عام 2022 بدلاً من موعدها المحدد في يونيو 2023. أما إردوغان، فيواجه في هذه الأثناء، صعوبات كبيرة في مساعيه لتوسيع «تحالف الشعب»، بسبب تردد الأحزاب الأخرى في الانضمام إلى التحالف ما لم يغيّر من سياساته.
ومع اشتداد وطأة الأزمة الاقتصادية والتهاوي المستمر والسريع لليرة التركية، التي تشهد تراجعاً غير مسبوق في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة، طوّرت المعارضة حراكها إلى الحشد والمطالبة برحيل إردوغان والتوجّه إلى الانتخابات. وبدوره، دعا الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطية، صلاح الدين دميرطاش، من داخل محبسه المحتجز فيه منذ أكثر من 5 سنوات، عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تنظيم 7 مسيرات مشتركة في 7 مناطق لأحزاب المعارضة. أما الرئيس المشارك الحالي للحزب، مدحت سنجار، فطالب بضرورة طرح قضية الانتخابات المبكرة على البرلمان، قائلاً إنه من «غير المقبول أن تستمر الحكومة التي تسببت في مثل هذه الأزمات الكبيرة في السلطة». وأضاف: «ندعوهم إلى الاستقالة، لكننا نعلم أنهم لن يستقيلوا. لهذا السبب نعتقد أن المهمة تقع على عاتق البرلمان الآن. على البرلمان أن يأخذ زمام المبادرة في هذا الصدد... يجب تقديم مشروع الانتخابات المبكرة إلى البرلمان في أسرع وقت ممكن». وجدد سنجار، من ثم، دعوته إلى جميع أحزاب المعارضة لإعداد مشروع قانون الانتخابات المبكرة معاً دون تأخير. ولفت إلى أن عدد المتضررين من الوضع الراهن للبلاد ليس صغيراً، مشيراً إلى أن نوابا من حزب العدالة والتنمية سيصوتون لصالح الانتخابات المبكرة، بسبب تضررهم من الوضع الحالي. وما يذكر هنا أن الرئيس إردوغان وحده يمتلك صلاحية الدعوة إلى الانتخابات المبكرة.
كذلك، انتقد رئيس «حزب المستقبل» ورئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، رفض إردوغان دعوات الانتخابات المبكرة، معتبراً أنه «يرفض الديمقراطية عبر رفض المطالبة بإجراء الانتخابات المبكرة، التي هي إحدى أدوات الديمقراطية».
ولكن، في أي حال، لا يبدو في الوقت الحالي أن هناك ملامح واضحة لما ستكون عليه التحالفات الانتخابية في المرحلة المقبلة. وبينما يبرز إردوغان كمرشح للرئاسة لـ«تحالف الشعب» ليس هناك أي مؤشر حتى الآن على الاتفاق على مرشح مشترك، وإن دارت الأسماء المقترحة لـ«تحالف الأمة» بين كليتشدار أوغلو، ورئيس بلدية إسطنبول (من حزبه) أكرم إمام أوغلو، الذي يبدو أن رئيسة حزب «الجيد» ميرال أكشنار تدعمه، في حال قررت ألا تترشح.
- تراجع مستمر
في سياق متصل، تشير استطلاعات الرأي المتعاقبة منذ العام الماضي إلى تراجع شعبية الرئيس إردوغان و«تحالف الشعب». وكشف أحدث استطلاع للرأي عن أن «تحالف الأمة» المعارض، المؤلف من حزبي «الشعب الجمهوري» و«الجيد»، سيتفوق على «تحالف الشعب»، المؤلف من حزبي «العدالة والتنمية» الحاكم و«الحركة القومية». إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «أرا» للبحوث والدراسات الاجتماعية والسياسية بشأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، تراجع شعبية إردوغان، وقدرة «تحالف الأمة» المعارض على الفوز على «تحالف الشعب».
أيضاً، أوضح الاستطلاع أن حزب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، حصل على تأييد 28.2 في المائة من المشاركين في الاستطلاع، كما حصل حليفه حزب «الجيد» على 14 في المائة لتبلغ نسبة «تحالف الأمة» المعارض 42.2 في المائة. وفي المقابل، حصل حزب «العدالة والتنمية» الحاكم على 30 في المائة وحزب «الحركة القومية» على 9.1 في المائة، لتبلغ نسبة «تحالف الشعب» 39.1 في المائة. وبالنسبة لأحزاب المعارضة الأخرى، حصل حزب «الشعوب الديمقراطية» (مؤيد للأكراد) على 10 في المائة وحزب «الديمقراطية والتقدم» برئاسة نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان على 4.4 في المائة.
في هذه الأثناء، يعتقد مراقبون أن الأزمة الاقتصادية ليس لها حل إلا بالتوجه للانتخابات المبكرة، سواءً أيد الناخبون بقاء إردوغان وحزبه أو اختاروا أي حزب آخر، وإلا فإن حالة الجدل السياسي والاستقطاب ستستمر... وسط محاولات أحزاب المعارضة استثمار أي أزمة، أو كارثة، لمجابهة الحكومة، في خطوة للاستعداد للانتخابات المقبلة.
وإلى جانب الوضع الاقتصادي المتوتر، شهدت الفترة الأخيرة جدلاً حاداً بشأن ملف اللاجئين السوريين. إذ تركز بعض أحزاب المعارضة على القضية، و«تبشّر» الناخبين بإعادة السوريين إلى بلادهم بسبب حالة النفور الاجتماعي المتنامية ضدهم. يضاف إلى ذلك، جدل آخر بشأن صحة إردوغان، والشكوك التي أثارتها وسائل إعلام معارضة داخلياً، فضلا عن بعض وسائل الإعلام الغربية.
- الوضع الاقتصادي السيئ
رئيسة حزب «الجيد» المعارض، ميرال أكشينار، قالت أخيراً إن اقتصاد تركيا يمر بمرحلة هي الأسوأ على مر تاريخ البلاد، متوقعة التوجه إلى إجراء الانتخابات في العام المقبل (2022)، وليس خلال عام 2023 كما هو مقرر لها. وأضافت أكشينار، التي ينضوي حزبها ضمن «تحالف الأمة» المعارض أن «هناك توقعات بأن الانتخابات ستكون في عام 2022، فالمواطنون يريدون الانتخابات، لأنه من المستحيل إنعاش الاقتصاد مرة أخرى في ظل النظام الموجود حالياً... الحزب الحاكم (العدالة والتنمية برئاسة إردوغان) بدأ مؤخراً رشقنا بالحجارة في وسائل الإعلام الموالية له، وذلك يعني إدراكهم خسارتهم في الانتخابات القادمة». وبالفعل، يسود اعتقاد لدى المعارضة بأن إردوغان سيجبر على التوجه إلى الانتخابات المبكرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، قبل الموعد الأصلي للانتخابات في يونيو 2023. وترى أحزابها أنه يدرك تماماً أنه وحزبه سيخسران الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة سواء أجريت مبكراً أو في موعدها.
ويؤكد «تحالف الأمة» المعارض أن مرشحه القادم للرئاسة سيفوز برئاسة تركيا وأن التحالف سيطبق النموذج الذي كسب من خلاله ولايتي إسطنبول وأنقرة في الانتخابات المحلية في مارس (آذار) 2019، وهو ما فسره مراقبون على أنه تلميح إلى توسيع «تحالف الأمة» وقبول دعم حزب «الشعوب الديمقراطية» الذي يواجه دعوى قضائية لإغلاقه بدعوى تورطه في الإرهاب. وهذا، في حين يأخذ كثيرون على المعارضة أنها تعمل فقط على تسجيل نقاط ضد إردوغان، من دون أن تقدم مشروعاً للشعب التركي... وأنها تريد انتخابات، فقط من أجل أن يخسرها إردوغان. ولهذا السبب يرى مراقبون أن إردوغان قد يتوجه إلى انتخابات مبكرة إذا رأى أن له مصلحة في ذلك.
- انتقاد السياسة الخارجية
أخيراً، بعيداً عن ملف الاقتصاد، الذي يشغل بال جميع الأتراك، تلعب المعارضة على ملف آخر، وهو العجز في السياسة الخارجية لحكومة إردوغان، التي تدعي أنها أدت إلى عزلة حقيقية لتركيا. وفي هذا الإطار تهاجم المعارضة التدخلات في ليبيا وسوريا، فضلاً عن «تدمير» إردوغان علاقات تركيا مع العديد من الدول المؤثرة في المنطقة، وفي مقدمتها مصر، التي تربط تركيا بها مصالح حيوية في شرق البحر المتوسط وفي العديد من ملفات منطقة الشرق الأوسط. وتتعهد المعارضة أنه في حال رحيل إردوغان سينتهي هذا الملف خلال أيام، وستحل ملف سوريا واللاجئين خلال 6 أشهر.
وفي المقابل، بدأت حكومة إردوغان إعادة نظر في مقاربة العديد من الملفات من أجل تحسين العلاقات مع العديد من الدوائر بدءاً من أوروبا والولايات المتحدة إلى مصر ودول الخليج العربي. وبالفعل، أطلقت اتصالات مع كل من مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تشهد المباحثات معها تقدما أسرع، لا سيما على صعيد الاستثمار. ولكن، العلاقات مع الولايات المتحدة لا تزال تعيش خمولاً منذ تولي إدارة الرئيس جو بايدن رغم محاولات أنقرة تنشيطها. ولا يختلف الوضع بالنسبة لأوروبا التي وضعت تركيا تحت المراقبة في ملفات عديدة أبرزها أعمال البحث والتنقيب في شرق المتوسط التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي «غير قانونية» وتنتهك حقوق عضوية (اليونان وقبرص).
- «الانتهاكات الحقوقية» أبرز ملفات الخلاف بين تركيا والغرب
> يسود قلق أميركي وأوروبي متصاعد حيال انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا، لا سيما عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو (تموز) عام 2016 ونسبتها السلطات إلى الداعية المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، وحركة «الخدمة» التابعة له، التي صنّفتها منظمة إرهابية.
ومن أبرز الملفات التي تتسبب في ضغوط غربية على أنقرة ملف استمرار حبس كل من رجل الأعمال الناشط البارز في مجال المجتمع المدني، عثمان كافالا، والزعيم الكردي صلاح الدين دميرطاش، الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطية (المؤيد للأكراد)، (ثاني أكبر حزب معارض بالبرلمان التركي). ورغم إنذار «مجلس أوروبا» باتخاذ إجراء تأديبي نادر التكرار ضد تركيا، أعلن الرئيس رجب طيب إردوغان أن بلاده لا تعترف بقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بخصوص كافالا ودميرطاش. وقال إن «قرارات هذه المحكمة لا تعنيني، وأياً كانت العقوبات التي يريد مجلس أوروبا اتخاذها في هذا الإطار فليتخذها، هذا الأمر لا يهمنا... هذان الشخصان يحاكمان في قضايا إرهابية».
هذا، وكان «مجلس أوروبا»، الجمعة الماضي، قد قرر إطلاق إجراء تأديبي بحق تركيا لرفضها الامتثال لقرار محكمة حقوق الإنسان بالإفراج عن كافالا (46 سنة) المعتقل منذ 2017 الذي تتهمه السلطات بالتجسس والتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة وتمويل احتجاجات «جيزي بارك» في إسطنبول عام 2013 عبر مؤسسة «الأناضول» الثقافية التي يرأسها، والتي أدرجتها السلطات على لائحة الإرهاب الشهر الماضي. وهذا إجراء لم يتخذه المجلس إلا مرة واحدة في تاريخه عندما استخدمه ضد أذربيجان لسبب مماثل عام 2017. وأمهل المجلس تركيا حتى 19 يناير (كانون الثاني) المقبل، كحد أقصى، للرد، وبعدها ستحيل اللجنة القضية مجدداً إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في اجتماعها المقبل يوم 2 فبراير (شباط)، بينما من المقرر أن تنعقد الجلسة المقبلة في قضية كافالا في إسطنبول بتاريخ 17 يناير.
أيضاً أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أكثر من حكم بالإفراج الفوري عن صلاح الدين دميرطاش، وهو زعيم كردي بارز سبق أن نافس إردوغان في انتخابات الرئاسة عامي 2014 ثم 2018 من داخل سجنه حيث اعتُقل في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، وهو يواجه اتهامات في قضايا تتعلق بالإرهاب وتصل عقوباتها حال إدانته إلى 142 سنة سجناً. ورفض إردوغان تنفيذ هذه القرارات.
وسبق أن دفع تمديد توقيف كافالا، في أكتوبر الماضي، سفراء عشر دول غربية، بينها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، إلى الدعوة إلى «الإفراج العاجل» عنه. وهدد إردوغان باعتبار هؤلاء السفراء «شخصيات غير مرغوب فيها» تمهيداً لطردهم، قبل أن يغيّر رأيه بعد رسالة تهدئة من ممثل الولايات المتحدة، شاركتها على الفور الدول الأخرى المعنية على «تويتر».
واعتبر تقرير للرابطة الدولية لحقوق الإنسان أن سياسات إردوغان في مجال الحريات المدنية، تهدد بنسف المجتمع المدني المستقل في تركيا، وإنشاء مجتمع مدني بديل موالٍ للسلطة. وقد نُشر التقرير بالتزامن مع محاكمة 3 صحافيين بارزين ومدافعين عن حقوق الإنسان متهمين بالإرهاب ويواجهون عقوبة تصل إلى السجن 14 عاماً، من بينهم شبنام كورور فينجانجي، الرئيس السابق لمنظمة حقوق الإنسان التركية.
واتهم التقرير الحكومة التركية بأنها لم تضمن بيئة مواتية للمجتمع المدني، ومحاولة تقويض أنشطتها بشكل مكثف عبر خطاب وصورة نمطيين يقدمان منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان كعملاء لجهات أجنبية تشكل تهديداً للأمن القومي، ويعززون أهداف المنظمات الإرهابية.
في سياق متصل، قال «معهد صحافة الحرب والسلام» في مذكرة حديثة إن انسحاب تركيا من «اتفاقية مجلس أوروبا لحماية المرأة ومناهضة العنف المنزلي»، المعروفة بـ«اتفاقية إسطنبول» كان بسبب السياسات الداخلية لحزب العدالة والتنمية بزعامة إردوغان، الذي يتحرك الآن لإرضاء الأغلبية المحافظة.



ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».