بغداد تعلن رسمياً نهاية المهام القتالية لقوات التحالف

الكاظمي ينجح في نقل العلاقة بواشنطن نحو أفق جديد... إلى ما قبل سقوط الموصل

قادة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة (يمين) وكبار القادة العراقيين خلال اجتماعهم أمس ببغداد (أ.ف.ب)
قادة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة (يمين) وكبار القادة العراقيين خلال اجتماعهم أمس ببغداد (أ.ف.ب)
TT

بغداد تعلن رسمياً نهاية المهام القتالية لقوات التحالف

قادة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة (يمين) وكبار القادة العراقيين خلال اجتماعهم أمس ببغداد (أ.ف.ب)
قادة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة (يمين) وكبار القادة العراقيين خلال اجتماعهم أمس ببغداد (أ.ف.ب)

أعلنت بغداد رسمياً انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف، أمس، على أن تستمر بالعمل «في مجال التدريب والاستشارة والتمكين»، لتعود العلاقة الأميركية – العراقية إلى ما قبل سقوط الموصل بيد «داعش» عام 2014، ما يخفف ضغط الموالين لطهران على الحكومة العراقية بذريعة هذا الوجود، فيما سيفيد هذا التغيير الشكلي في المهام واشنطن بعدم إخلاء الساحة للنفوذ الإيراني، وفي الوقت نفسه تجنب استفزازات هي بغنى عنها.
وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، في تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» عقب استضافته اجتماعاً لممثلي التحالف الدولي والقوات الأميركية في العراق: «أنهينا اليوم (أمس) جولة الحوار الأخيرة مع التحالف الدولي والتي بدأناها في العام الماضي، لنعلن رسمياً انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف وانسحابها من العراق»، مضيفاً أن «العلاقة ستستمر مع التحالف الدولي في مجال التدريب والاستشارة والتمكين».
وكان العراق طلب رسمياً عام 2014، على إثر احتلال تنظيم «داعش» مدينة الموصل وثلاث محافظات عراقية أخرى (صلاح الدين وأجزاء من ديالى وكركوك)، عودة القوات الأميركية التي كانت انسحبت أواخر العام 2011، طبقاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجي التي وقع عليها الجانبان العراقي والأميركي عام 2008.
وبعد انتصار العراق عسكرياً على «داعش» أواخر العام 2017، وبسبب العلاقة التي ساءت كثيرا بين واشنطن وطهران في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي مزق الاتفاق النووي مع إيران عام 2016، صعدت الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق من عملياتها ضد الوجود الأميركي، فقصفت السفارة الأميركية داخل المنطقة الخضراء والمواقع التي يتواجد فيها الأميركيون في قواعد بلد وعين الأسد ومطار بغداد وقاعدة حرير في أربيل شمال العراق.
واتخذ التصعيد بين الأميركيين والفصائل المسلحة بعده الأكثر خطورة، حين حاولت الفصائل المسلحة اقتحام السفارة الأميركية أواخر العام 2019، حيث اتخذت الولايات المتحدة قرارها بتصفية قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني في عملية المطار الشهيرة في الثالث من شهر يناير (كانون الثاني) 2020 والتي أدت إلى مقتل رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس. وعلى إثر هذه العملية، اتخذ البرلمان العراقي في السادس من يناير (كانون الثاني) قراراً، بأغلبية شيعية مع تحفظ الكرد والسنة، على انسحاب القوات الأميركية من العراق.
وبعد تكليف رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، كان بين التعهدات التي أخذتها عليه القوى السياسية الشيعية، لتقبل به خلفاً لعادل عبد المهدي الذي استقال بسبب الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أن يخرج القوات الأميركية من البلاد. وبالفعل، خاض الكاظمي خلال ولايته، التي استمرت نحو سنة ونصف السنة، ثلاث جولات من الحوار الاستراتيجي مع واشنطن آخرها في يوليو (تموز) الماضي عندما وقع مع الرئيس الأميركي جو بايدن اتفاقية إخراج القوات القتالية الأميركية نهاية العام الحالي.
مستشار رئيس الوزراء لشؤون إصلاح القطاع الأمني الدكتور حسين علاوي اعتبر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الكاظمي «نجح بنقل العلاقات العراقية - الأميركية من المسار العسكري إلى المسار السياسي الشامل للعودة إلى مرحلة ما قبل سقوط الموصل عام 2014».
وقال: «كان من المفروض منذ العام 2017 أن تخرج القوات القتالية، لكن الحكومات السابقة لم تنجح في طي ملف التحالف الدولي، الأمر الذي جعل الكاظمي يأخذ على عاتقه، ومنذ الأيام الأولى لحكومته، بأن يتولى جولات الحوار الاستراتيجي مع الأميركان، والذي أدى في النهاية، وعبر مسار جديد للسياسة العراقية، إلى الاتفاق على خروج القوات القتالية بصورة نهائية نهاية العام الحالي بحيث تعود العلاقة بين البلدين إلى حالتها الطبيعية مع الاستمرار في عمليات الاستشارة والمساعدة والتمكين».
ورأى علاوي أن «العلاقة العراقية - الأميركية عادت إلى طبيعتها وفقاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجي، وذلك لجهة العمل في مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والتعليمي والثقافي والطاقة والبيئة والصحة بالإضافة إلى الجوانب العسكرية والأمنية. وبالتالي، يمكن القول إن الكاظمي نجح في نقل العلاقة مع واشنطن نحو أفق جديد».
رئيس خلية الإعلام الأمني اللواء سعد معن أكد أن التحالف الدولي سينهي بالكامل مهامه القتالية قبل نهاية العام الحالي، على أن يستمر التعاون في مجال التدريب. وأوضح أن أفراد التحالف سيكونون في البلاد بدعوة من الحكومة العراقية ووفق ما يحفظ السيادة العراقية. وأكدت قيادة العمليات المشتركة في وزارة الدفاع العراقية نهاية المهام القتالية لقوات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في العراق. وقالت القيادة في بيان: «قائد قوات التحالف الدولي في العراق (عملية العزم الصلب) اللواء جون برينان عرض إنه في ضوء عمليات نقل الأفراد والمعدات التي جرت مؤخراً إلى خارج العراق، فإن التحالف سينهي بالكامل عملية الانتقال إلى المهام غير القتالية قبل نهاية العام الحالي بموجب ما تم الاتفاق عليه... الأطراف المشاركة في الاجتماع عاودت التأكيد على التزامها المتبادل بالتعاون المستمـر، كما حددت بشكل واضح الكيفية التي سيستمـر فيها التحالف بدعم العمليات التي تقودها القوات الأمنية العراقية. بالإضافة إلى ذلك، فإن قيادتي العمليات المشتركة والتحالف الدولي ناقشتا الدروس المستقاة من العمليات الناجحة التي جرت مؤخراً ضد داعش».
وناقش المجتمعون، طبقا للبيان، «السبل التي يمكن للقوات الأمنية العراقية أن تقوم من خلالها بتنسيق وتركيز الدعم المقدم من قوات التحالف وبعثة حلف شمال الأطلسـي لتطوير القدرات المؤسساتية والعملياتية للقوات الأمنية العراقية». وأعادت «الأطراف المجتمعة التأكيد على أن أفراد التحالف الدولي سيكونون موجودين بدعوة من الحكومة العراقية لتقديم المشورة والمساعدة والتمكين للقوات العراقية في تحقيق أهدافها لحماية الشعب العراقي والقضاء على داعش، وأن وجودهم يكون حصـرا وفق السيادة العراقية والقوانين والأعراف الدولية».
وبحسب «وكالة الصحافة الفرنسية» سيبقى نحو 2500 جندي أميركي و1000 جندي من قوات التحالف في العراق. هذه القوات لا تقاتل وتقوم بدور استشارة وتدريب منذ صيف العام 2020.
لكن من غير المحتمل أن تخلي واشنطن الساحة في البلاد لصالح النفوذ الإيراني، في الوقت الذي تخوض وطهران والولايات المتحدة مفاوضات لإحياء اتفاقية الدولية لعام 2015 المتعلقة بالملف النووي الإيراني.
بالنسبة للمحلل نيكولاس هيراس، تحتفظ الولايات المتحدة بـ«الدور العسكري نفسه في العراق»، لكن ما يتغير هو «الرسالة». واعتبر أن «البيئة السياسية والأمنية في العراق متوترة للغاية لدرجة أن إدارة بايدن تريد من الولايات المتحدة أن تبقى بعيدة عن الأضواء وتتجنب الأزمات، خصوصاً مع إيران».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.