عودة بيكاسو إلى متحف برادو في مدريد

10 لوحات تشكل نقاطًا مفصلية في مسيرته

عودة بيكاسو إلى متحف برادو في مدريد
TT

عودة بيكاسو إلى متحف برادو في مدريد

عودة بيكاسو إلى متحف برادو في مدريد

تُعير إدارة متحف كونست في مدينة بازل السويسرية بعض اللوحات والأعمال الفنية من محتوياته إلى عدد من المتاحف الأوروبية بسبب التجديدات والتصليحات التي تجرى عليه وغلق أبوابه لمدة سنة كاملة. ومن اللوحات التي أُعيرتْ إلى متحف برادو في مدريد، لوحات عشر لبيكاسو وهي من أهم مقتنيات متحف بازل.
المعرض الاستعادي المصغر المتكون من عشر لوحات لبيكاسو (1881 - 1973) تعرض في القاعة الرئيسية لمتحف برادو للفترة من مارس (آذار) إلى سبتمبر (أيلول) من العام الحالي. وتشكل هذه اللوحات نقاطا مفصلية وتقلبات حاسمة في مسيرة بيكاسو الفنية والإنسانية مثل نهاية الفترة الزرقاء وبداية الفترة الوردية وابتكاره للتكعيبية التركيبة وعودته إلى التقليدية المحدثة وكذلك معاناته كإنسان وفنان خلال فترة الحرب العالمية الثانية، واستعادته وتجديده لبعض لوحاته القديمة في السنوات الأخيرة من حياته. عُلقت اللوحات على فواصل جدارية بيض توسطت اللوحات الكلاسيكية لأساتذة الرسم الأوروبي في عصر النهضة والباروك مثل فيلاسكوز وتيتيان وغويا وروبنز وفان ديك ورغم التناقض الظاهري بين لوحات بيكاسو وأساليبه وألوانه وبين اللوحات التقليدية المعلقة في متحف البرادو، فإن هذا التناقض يسلط الضوء على محفزات بيكاسو الإبداعية وكيف استلهم أعمال الفنانين قبله. اللوحات العشر جعلت الزوار يقفون في طابور طويل لدخول المتحف ويتزاحمون حول كل لوحة. تجدد هذه اللوحات من جهة أخرى ذكرى بيكاسو في هذا المتحف الشهير حيث عمل مديرا فخريا له خلال سنوات الحرب الأهلية (1936 - 1939).
أولى اللوحات هي لوحة «الأخوان» زيت على قماش التي أكملها عام 1906 وهي آخر سنة في مرحلته الوردية التي بدأت عام 1904 عقب انتهاء المرحلة الزرقاء، حينما استقر بيكاسو في حي المونمارتر الباريسي بين الشعراء والفنانين البوهيمين وانتهت المرحلة الوردية عام 1906. تضج هذه الفترة بثيمات مبهجة نوعا ما قياسا بالفترة الزرقاء ويكثر فيها بيكاسو من رسم المهرجين وفناني الكرنفالات والاحتفالات الشعبية وممثلي البنتومايم. الألوان المسيطرة هي الأحمر والوردي والبرتقالي والألوان الترابية الأرضية. لوحة «الأخوان» تمثل ولدا عاريا يمشي وهو يحمل أخاه الصغير على ظهره وإحدى يديه تمسك برجل أخيه المتدلية على خصره بينما اليد الأخرى تمسك بحنان بالغ بيد أخيه التي تطوق عنقه كأنها حبل نجاته، كم ذكرتني هذه اللوحة وأنا أتأملها بالمشردين والنازحين في العراق وسوريا، الأخ الصغير بلا ملامح بينما الكبير بملامح أنثوية ونظرة منكسرة لكنها غير مكترثة.
اللوحة الثانية هي «رجل وامرأة وطفل» 1906 زيت على قماش وهي من فترته الوردية أيضا يصور فيها بيكاسو نفسه ينظر إلى امرأة هي حبيبته الباريسية الأولى (فرناندا أوليفير)، الخطوط بسيطة والملامح كذلك، الرجل ينظر باهتمام إلى المرأة التي تبدو شاردة الذهن تماما والطفل في حضنها ينظر إلى الأمام.
وتبدو اللوحة الثالثة «خبز وصحن فاكهة على مائدة» يعود تاريخ إنجازها بين عامي 1907 - 1908. الأولى ساكنة الحياة، لكن بتمعن قليل نكتشف أنها تضج بحركة لا هوادة فيها، بدءا من الطاولة القابلة للطي إلى خلفية اللوحة التي تشبه ستارة أو غطاء بطيات كثيرة، ساقان بشريتان تبدوان خلف أرجل الطاولة وربما استحالت ذراعهما إلى خبز طويل.. يشير شكل صحن الفاكهة على الطاولة إلى المرأة بينما يشير شكل الخبز الطويل إلى الرجل.
وفي اللوحة الرابعة «الهاوي» عام 1912 رسم بيكاسو هذه اللوحة بعد حضوره مصارعة للثيران في مدينة نيم الفرنسية الجنوبية وهي تصور مصارعا للثيران بشاربه الكث وقبعته القرطبية يحمل عصا لمصارعة الثيران بيد والغيتار باليد الأخرى، هذه اللوحة تكشف ميل بيكاسو نحو الأشكال الهندسية المبسطة وابتعاده التدريجي عن التكعيبية.
في اللوحة الخامسة «امرأة مع غيتار»، التي رسمها بين الأعوام 1911 - 1914. شيّد بيكاسو هذا الشكل الأنثوي من شبكة من خطوط سود على خلفية بيضاء. يحتل نهدا المرأة مركز اللوحة بينما تتدلى يداها التي تحمل أحدهما الغيتار إلى الأسفل. استعمل بيكاسو عدة ألوان مثل الوردي والأسود والأزرق لكي يميز أجزاء جسد المرأة، هذه اللوحة تعود إلى مرحلة التكعيبية التركيبية.
أما في اللوحة السادسة «المهرج الجالس» 1923. وهي اللوحة التي زينت غلاف دليل المعرض، فرسم بيكاسو صديقه الرسام جاسنتو سالفادو وهو مرتدٍ زي مهرج استعاره من صديقهما المشترك الكاتب والممثل جان كوكتو. وتؤرخ هذه اللوحة لعودة بيكاسو إلى الكلاسيكية المحدثة بين الأعوام (1917 - 1924)، التفاصيل الكثيرة المشرقة لزي المهرج في هذه اللوحة جعلت الزائرين يتحلقون حولها طويلا.
اللوحة السابعة «امرأة ترتدي قبعة وتجلس على كرسي ذي مسندين» 1942 يصور بيكاسو عشيقته الفنانة دورا مار بوجاهة واضحة وخليط من الألوان، تجلس على كرسي حديدي ذي مسندين رأسها مقسوم، القسم العلوي بعين واحدة مفتوحة باتساع وتركيز على المتلقي بينما الجزء السفلي تسيطر عليه شفتاها الحمراوان. رسم بيكاسو كل النساء في حياته وهن جالسات في 300 لوحة.
ويستعيد بيكاسو في اللوحة الثامنة «نساء على ضفة نهر السين» 1950 الرسام الفرنسي الواقعي غوستاف كوربيه وذلك بإعادة رسم واحدة من أشهر لوحاته (نساء على ضفة نهر السين 1857)، احتفظ بيكاسو بالعناصر الإيروتيكية الصادمة في هذه اللوحة مع إشارة خفية لعلاقة عاطفية بين المرأتين وذلك بإدخال ألوان زاهية متناقضة، الشكل الذي يحتل منتصف أرضية اللوحة له عين ساهرة ومراقبة كأنها عين العاشق وطبعه المتحفز.
في اللوحة التاسعة «فينوس وكيوبيد» 1967. نرى طفلا عاريا ينظر إلى أمه التي على وشك أن تحتضنه، ويبتسم. ربما استلهم بيكاسو هذه اللوحة من لوحة تيتيان الشهيرة «فينوس وكيوبيد في المرآة» وهي واحدة من عدد كبير من اللوحات التي استلهمها بيكاسو من كبار الفنانين الذين سبقوه أمثال فيلاسكوز وكراناش وديلاكروا ومانيه.
وفي اللوحة الأخيرة «الثنائي» 1967، امرأة ورجل يلفهما الأزرق المشرق، الرجل بزي جندي يحمل سلاحه والمرأة عارية الصدر تحمل في يدها كأسا على وشك أن يدلق ما يحتويه، يوحي بالطقس الإيروتيكي بينهما. يشير بيكاسو إلى نفسه في هذه اللوحة التي أنجزها في عمر السادسة والثمانين، فهو المحارب القديم الذي يتهيأ لشرب كأس الحياة كاملة من يد المرأة.
بيكاسو الذي رحل عن عالمنا منذ ما يقارب الأربعة عقود قال ذات يوم بأن الفن بلا ماض ولا حاضر، قيمته في بقائه خارج شرط الزمن. وقد كان محقا فلوحاته لا تزال طازجة جدا ولها قدرة عجيبة أن تعيش كحاضر أبدي كلما تقدم الزمن.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).