كلينتون تسعى لتحسين علاقتها مع الصحافيين استعدادًا لحملتها الانتخابية

قدمت غصن زيتون للإعلاميين.. لكن في صورة محاضرة

هيلاري كلينتون
هيلاري كلينتون
TT

كلينتون تسعى لتحسين علاقتها مع الصحافيين استعدادًا لحملتها الانتخابية

هيلاري كلينتون
هيلاري كلينتون

يكتب الصحافيون هذه الأيام، أن هيلاري كلينتون بدأت «حملة انتخابية افتراضية»، لا تعلن عنها، ولا تعترف بها، لكنها، حقيقة، حملة انتخابية نحو رئاسة الجمهورية في انتخابات العام المقبل. وهكذا، يظهر مثال جديد لعدم الثقة المتبادلة بين هيلاري كلينتون (وزوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون) والصحافيين، وكلما تحاول حل هذه المشكلة، تزيدها.
في نهاية الشهر الماضي، حاولت هيلاري كلينتون ذلك، وذهبت إلى الصحافيين في عرينهم. ألقت خطابا في المؤتمر السنوي لمؤسسة «تونر» الصحافية. وبدأت بأنها اعترفت بالحقيقة، لكن بطريقة فكاهية.
وحسب عنوان مجلة «ناشونال جورنال»: «قدمت غصن زيتون للصحافيين، لكن، قدمته في صورة محاضرة.. (وكأنها لم تفعل أي شيء جديد)».
وحسب صحيفة «نيويورك تايمز»: «تحدثت كلينتون عن علاقتها المعقدة مع الصحافيين.. (كان هذا وصفا محترما لما حدث)».
بدأت هيلاري كلينتون بالآتي: «أنا مولعة بالبدايات الجديدة. الحفيد الجديد. تسريحة شعر الجديدة. البريد إلكتروني الجديد. العلاقة الجديدة مع الصحافيين». وأضافت: «من الآن فصاعدا، لا مزيد من السرية. ولا مزيد من التعدي على الخصوصية».
ثم سألت: «لكن، بأي شيء عاد على كل ذلك؟»، هكذا، سألت السؤال بعد أن أجابت عنه في البداية.
وفي تندر ودي، ولكن ليست وديا، قالت: «قبل أن أستطرد في الحديث، لينظر كل واحد منكم (الصحافيون) تحت مقعده. سيجد اتفاقية بسيطة عن عدم الإفصاح، صاغها المحامون الذين استأجرتهم»، (قصدت أن إنهاء عدم الثقة العميق بينها والصحافيين يحتاج إلى قانون). ثم اعترفت بالحقيقة: «العادات القديمة باقية».
كتبت صحيفة «نيويورك تايمز»: «إليكم المشكلة بصراحة: لا تحتاج هيلاري كلينتون للنكات. تحتاج لعلاقة جديدة مع الصحافيين، خاصة بعد حملة 2008 التي تميزت بالتفاعلات الهمجية اليومية بين فريقها المسؤول عن الإعلام والصحافيين المكلفين تغطية الحملة».
استعدادا لانتخابات عام 2016، عينت هيلاري كلينتون فريقا جديدا للتعامل مع الصحافيين. لكن، لا يبدو أن ذلك سيحل المشكلة. بدليل إشارة الصحف المكررة إلى «الحملة غير المعلن عنها، لكن يعرفها الجميع»، كما كتبت صحيفة «نيويورك تايمز».
وفي صحيفة «وول ستريت جورنال»، كتب كاتب العمود بيتر نيكولاس: «يوجد نوع من الاعتراف بأن حملتها الصحافية في حاجة إلى مسار مغاير تماما».
من هم قادة حملة كلينتون الإعلامية الجديدة لكسب الشعب الأميركي (ولكسب الصحافيين)؟
أولا: جنيفر بالميري: تملك تاريخا طويلا في التعامل مع الصحافيين. ساعدت في حملة السيناتور جون إدواردز الرئاسية (فشلت بعد فضيحة علاقات جنسية مع غير زوجته). ثم عملت مستشار صحافية في البيت الأبيض في إدارة الرئيس أوباما.
ثانيا: بريان فالون: قضى وقتا في الكونغرس مع السيناتور المشاكس تشاك شومير (ديمقراطي من نيويورك). ثم ترأس المكتب الصحافي في وزارة العدل.
ثالثا: جيسي فيرغسون: عمل مستشارا صحافيا في مجلس النواب. وربما أكثرهم تمتعا بعلاقات طيبة مع الصحافيين.
لكن، رغم الطاقم الجديد، ورغم جيسي فيرغسون، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز»: «يمكن لهؤلاء إحداث اختلاف في كيفية تعامل السيدة كلينتون مع الصحافيين. لكن، لا يدور السؤال الرئيسي حول فلسفة الشخصيات التي تختارها عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الصحافيين. يدور السؤال الرئيسي حول إذا كانت (مع زوجها) غيرت تفكيرها بصورة مجدية إزاء تعاملها مع الصحافيين».
في مؤتمر مؤسسة «تونر» في الشهر الماضي، وبعد أن انتهت هيلاري كلينتون من محاضرتها، قالت إنها لا تريد فرصة أسئلة وأجوبة. لكن، تدخل جان باتز، من صحيفة «واشنطن بوست»، وكان يدير الندوة، وقال، في تأدب: «في سعادة، أنا مستعد لأعطيك فرصة حديثي، خمس دقائق، لفترة أسئلة وأجوبة».
ضحكت كلينتون، ثم وافقت.
وكان أول سؤال عن الغوريلا الموجودة في قاعة المؤتمر (وفي أي مكان تقابل فيه الصحافيين). كان سؤالا مكونا من ثلاثة أسئلة:
أولا: لماذا وضعت كل مراسلاتها عندما كانت وزيرة للخارجية في حسابها الخاص في الإنترنت؟
ثانيا: لماذا مسحت جزءا من هذه المراسلات قالت إنه عائلي وخاص؟
ثالثا: ماذا ستقول للأجيال القادمة التي تريد وثائق حكومية نزيهة؟
لم تجب عن أي من الأسئلة الثلاثة، وتندرت: «انظروا إلى الاتفاقية تحت كرسي كل واحد منكم».
إذن لا توجد ثقة بين هيلاري كلينتون والصحافيين، لا توجد أيضا بين زوجها بيل كلينتون والصحافيين. ومثلها، كلما يحاول إنهاء المشكلة، يزيدها.
في العام الماضي، في محاضرة في جامعة جورج تاون (واشنطن العاصمة)، تحدث عن أسفه للطريقة التي تغطي بها الصحافة أخبار السياسيين. وقال: «يوجد في العلاقة بين الزعيم السياسي والصحافة السياسية شغف كبير من جانب الصحافة السياسية، يصل درجة الإدمان، للحصول على خبر جديد. وبمجرد قراءة الناس للخبر، يظهر شغف كبير، يصل إلى درجة العمى، لنفي ما فيه، أو تغيير ما فيه، أو قلب ما فيه رأسا على عقب. حتى إذا لم يكن الخبر خبرا منذ البداية».
هكذا، كلما يحاول كلينتون وزوجته تحسين علاقتهما مع الصحافيين، يزيدونها سوءا.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.