«الشائعات» و{البيانات المزورة»... حروب خفيّة بين متنافسي الانتخابات الليبية

صورة من لقاء سابق في طرابلس بين عماد السائح وسفير بريطانيا لدى البلاد (المفوضية)
صورة من لقاء سابق في طرابلس بين عماد السائح وسفير بريطانيا لدى البلاد (المفوضية)
TT
20

«الشائعات» و{البيانات المزورة»... حروب خفيّة بين متنافسي الانتخابات الليبية

صورة من لقاء سابق في طرابلس بين عماد السائح وسفير بريطانيا لدى البلاد (المفوضية)
صورة من لقاء سابق في طرابلس بين عماد السائح وسفير بريطانيا لدى البلاد (المفوضية)

تداولت الأوساط الليبية خلال اليومين الماضيين أخباراً عن انسحاب المرشح للانتخابات الرئاسية المستشار عقيلة صالح، وتعرض موكب المرشح فتحي باشاغا إلى إطلاق نار بغرب البلاد. لكن مقربين من المتنافسَين نفوا هذه الأخبار، ووصفوها بأنها «مجرد إشاعات»، تروم إحداث لغط في الشارع الليبي، ومحاولة إشعال الفتنة بين المواطنين.
وهذه «الإشاعات» التي طالت صالح وباشاغا، والتي باتت تحفل بها صفحات التواصل الاجتماعي، استهدفت أيضاً مرشحين محتملين آخرين في أنحاء ليبيا، وتزداد سخونتها كلما اقترب موعد الانتخابات، المقررة في 24 من الشهر الحالي، والتي يُنظر إليها على أنها باتت ساحة خلفية لحروب خفيّة بين المتنافسين في الاستحقاق الرئاسي المرتقب، ومؤيديهم معاً.
وهذا الصنف من «الأخبار الكاذبة»، التي تستتر عادة في شكل بيانات «مزورة»، أو صفحات وهمية لأحد المرشحين، لم تستثنِ جل الشخصيات المتنافسة، وإن كانت أكثر تركيزاً على المرشح عبد الحميد الدبيبة، بوصفه رئيساً لحكومة «الوحدة الوطنية»، قبل أن يكلف نائبه رمضان أبو جناح بمهامه.
وأظهر أحد القرارات الصادرة عن الدبيبة، ممهورة بختم الحكومة وحملت توقيعه، أنه أمر بإنشاء مركز للإعلام والتوجيه يكون تابعاً لديوان الرئاسة، ويترأسه وليد اللافي، وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية، على أن تخصص له ميزانية 27 مليون دينار. لكن الحكومة كذّبت هذا الخبر، ونشر اللافي عبر حسابه الشخصي على «فيسبوك» البيان مدموغاً بكلمة «مزور». ولم تكن هذه «الإشاعة» الوحيدة التي استهدفت وزراء بالحكومة، بل إن واحدة منها استهدفت الدبيبة نفسه، من خلال رسالة بعث بها المبعوث الأممي لدى ليبيا يان كوبيش (المستقيل) إلى أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، يخبره فيها بأسباب تقدمه باستقالته، وقال فيها إن الدبيبة «يستخدم موارد الحكومة لمشاركته في الانتخابات، ووفقاً لمعلوماتنا هناك اتفاق بين ممثلي الحكومة ومفوضية الانتخابات الوطنية العليا والجهاز القضائي، بما في ذلك مجلس القضاء، على إعداد إطار قانوني يسمح للدبيبة بالتسجيل بنجاح كمرشح للانتخابات الرئاسية».
وعلى إثر ذلك، سارعت البعثة الأممية لكشف حقيقة تلك الرسالة، ووصفتها بـ«المزورة»، وقالت إن هناك «محاولة يائسة (طفولية) لتضليل الرأي العام؛ ونتمنى على الليبيين اليقظة والانتباه من تدفق الأخبار الملفقة والكاذبة، التي تهدف إلى تضليلهم؛ وقد تهدف إلى عرقلة ممارستهم لحقهم الديمقراطي في اختيار ممثليهم عبر صندوق الانتخابات». وامتداداً لجهود التدليس في الأخبار، تبنت تيارات عدة في ليبيا وجهة نظر تزعم أن الناشط السياسي، مصدق حبرارة، هو مرشح أميركا في الانتخابات الرئاسية الليبية، وأنه «الرئيس المنتظر»، ودللوا على ذلك بأن مجلس النواب اضطر إلى تخفيض عمر المرشح من 40 إلى 35 عاماً.
ورأى متابعون للعملية الانتخابية أن الحديث عن حبرارة، المولود عام 1986، «يعكس طبيعة الحالة الليبية المأزومة، التي يسهل فيها ترويج الأحاديث الكاذبة، والاتهامات بين المتنافسين والخصوم السياسيين لتصفية الحسابات».
بدوره، نبّه المحلل السياسي الدكتور مصطفى الفيتوري إلى خطورة «هذا الادعاء»، وقال إن «هذا الكلام لا أساس له من الصحة، وتكراره لا يخرج عن الدعاية المجانية لهذا المرشح، وإن كانت غير مقصودة أحياناً». مبرزاً أن «أميركا كأي دولة تفضّل مرشحاً معيناً، وهذا شأن أغلب الدول في أي انتخابات، لكنها لن تعلن ذلك، ولن تقوله سراً لأحد من الليبيين»، مضيفاً: «نصيحتي عدم ترديد هذا الادعاء، لأنه قد يدفع الناخبين للتصويت لشخص محدد، مفترضين أن أميركا راضية عنه، ويعتقدون أن ذلك يجعله مؤهلاً دون غيره لحل مشكلات ليبيا».
وقبل نحو أسبوعين من موعد الاستحقاق المنتظر، زادت الاتهامات بين الخصوم السياسيين بعملية شراء واسعة للبطاقات الانتخابية، مقابل 2000 دينار للبطاقة الواحدة، وهو ما استغربه أحد مسؤولي المفوضية الوطنية، متسائلاً عن أهمية دفع هذه الأموال «في حين أنه لن يسمح للناخب بالتصويت إلا بواسطة البطاقة الشخصية بجانب بطاقة الناخب».
وفتحت عملية الطعون ضد المرشحين، وقبولها من المحاكم في سبها وطرابلس وبنغازي، الباب للتشكيك في ذمم القضاة بدعم مرشحين بعينهم، وذهب كل معسكر في اتهام الآخر. لكن فوزي اللولكي، أمين عام المنظمة الليبية للتنافس الاقتصادي، قال إن الزجّ بالقضاة في العملية السياسية والانتخابات «يضرّ الدولة والكيان القضائي نفسه».
وفور إصدار محكمة الزاوية بغرب ليبيا حكماً يقضي بمنع المشير خليفة حفتر من الترشح، تسابق مجهولون في نشر عنوان سكن القاضي الذي أصدر الحكم، وهو ما دفع حسن الصغير، الوكيل الأسبق بوزارة الخارجية الليبية، إلى التحذير من أن تكون هذه «لعبة إخوانية» لاستهداف القاضي، أو أحد أفراد أسرته وإلصاق التهم بحفتر، أو أحد مناصريه، وقال بهذا الخصوص: «نحن في مرحلة حرجة توظف فيها جماعات الإسلام السياسي أقذر الأوراق»، ومع أن الحكم كان معدوماً لعدم اختصاص المحكمة، فقد بادرت محكمة الاستئناف بطرابلس برفض الطعن ضد حفتر، وأمرت باستكماله السباق الانتخابي.
وامتدت «الإشاعات» إلى القول إن مجلس العموم البريطاني وافق على عودة النظام الملكي إلى ليبيا، بحضور مستشار للرئيس الأميركي، وذهب الخبر إلى أنهما اعتبرا أن تولي الأمير محمد الحسن الرضا السنوسي الحكم سيشكل الحل الأمثل للنزاع السياسي في ليبيا.
غير أن أشرف بودوارة، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني لتفعيل «دستور الاستقلال والعودة للملكية الدستورية في ليبيا»، قال إن هذه الأنباء «كاذبة وعارية تماماً عن الصحة».
وانتهى بودوارة إلى القول إن «هذا ليس بغريب على مخترعي ومروجي الأكاذيب والإشاعات السياسية، وهو جزء لا يتجزأ من الحرب الإعلامية منذ عقود مضت على مشروع عودة الملكيّة لليبيا».



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.