الغاز الطبيعي يبرّد الحرب التجارية الأميركية ـ الصينية

ملف معقد لكنه يفيد الطرفين

أصبحت الولايات المتحدة ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال للصين رغم الاحتقان التجاري (رويترز)
أصبحت الولايات المتحدة ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال للصين رغم الاحتقان التجاري (رويترز)
TT

الغاز الطبيعي يبرّد الحرب التجارية الأميركية ـ الصينية

أصبحت الولايات المتحدة ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال للصين رغم الاحتقان التجاري (رويترز)
أصبحت الولايات المتحدة ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال للصين رغم الاحتقان التجاري (رويترز)

رغم الحرب التجارية الحامية التي نشبت بين الصين والولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الماضي، والتي شهدت تبادل فرض رسوم عقابية على سلع البلدين بمئات المليارات من الدولارات، فهناك ملف تجاري لم يتأثر بهذه الحرب، وشهد انتعاشا قويا، وهو ملف الصادرات الأميركية من الغاز الطبيعي المسال إلى الصين.
ويقول نيكوس تسافوس، أستاذ كرسي جيمس آر شلزينغر لدراسات الطاقة والجيوسياسات في برنامج أمن الطاقة والتغير المناخي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي، إن العلاقات الأميركية مع العديد من دول العالم تصبح معقدة للغاية عندما يتعلق الأمر بتجارة الغاز الطبيعي المسال. وبعد عدة بدايات خطأ وبعض التقلبات، أصبحت الولايات المتحدة ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال للصين. ووقع عدد من الشركات الصينية عقودا طويلة الأجل لشراء الغاز الطبيعي المسال الأميركي. ويعتبر هذا تحولا كبيرا، ومؤشرا على أن المنطق التجاري الذي يربط الدولتين المتخاصمتين قوي وسيستمر جنبا إلى جنب، ربما رغما عن الخلاف السياسي الأوسع نطاقا بين واشنطن وبكين.
وبحسب تحليل تسافوس الذي نشره موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية على الإنترنت، تعود بدايات تجارة الغاز الطبيعي المسال بين الولايات المتحدة والصين إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، عندما وقعت شركة صينية عقدا طويل الأجل لشراء الغاز الطبيعي المسال الأميركي. ولكن هذا الاتفاق لم يدخل حيز التطبيق أبدا، ولم يتم تنفيذ أي عقد لاستيراد الغاز الأميركي حتى فبراير (شباط) 2018. وخلال السنوات السابقة كانت الشركات الصينية تشتري الغاز الطبيعي المسال من أي دولة باستثناء الولايات المتحدة.
ولم يتضح سبب تجنب الشركات الصينية للولايات المتحدة. ربما بسبب علاوة المخاطر المرتبطة بالإمدادات الأميركية، والتي لا توجد عند الاستيراد من دول أخرى. وربما تريد الحكومة الصينية إشارة واضحة من واشنطن بأنها لا تعارض مثل هذه العقود.
ورغم عدم وجود عقود طويلة الأجل بين بائعين أميركيين ومشترين صينيين، في تلك الفترة، استوردت الصين كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال الأميركي عبر وسطاء أو سوق العقود قصيرة الأجل. وخلال 2016 استوردت الصين أكثر من 9 في المائة من الغاز الطبيعي، وأصبحت الصين ثالث أكبر عميل للغاز الطبيعي الأميركي. واحتفظت الصين بهذا المركز في 2017، مع زيادة حصتها إلى حوالي 15 في المائة من إجمالي الصادرات الأميركية. ومع اشتداد حدة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة في 2018، قررت بكين فرض رسم جمركي على الغاز الطبيعي المسال الأميركي بنسبة 10 في المائة في سبتمبر (أيلول) 2018، ثم بنسبة 25 في المائة في يونيو (حزيران) 2019، لتتراجع صادرات الغاز الأميركي للصين إلى الصفر.
وجاءت نقطة التحول الكبرى في تجارة الغاز بين أميركا والصين عندما قررت الحكومة الصينية في فبراير 2020 إعفاء مجموعة من المنتجات الأميركية وبينها الغاز الطبيعي المسال من الرسوم العقابية، في إطار اتفاق التهدئة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. وبالتدريج عاد الغاز الأميركي للتدفق إلى الصين. وزادت كمية الصادرات بمرور الوقت، حتى أصبحت الولايات المتحدة خلال العام الحالي ثاني أكبر مصدر للغاز
الطبيعي المسال إلى الصين، متفوقة على قطر وماليزيا، وبعد أستراليا فقط. ويعتبر هذا تحولا كبيرا في ظل استمرار التوتر التجاري القوي بين بكين وواشنطن.
ويقول تسافوس الكاتب أيضا في موقع إنيرجي بوست دوت إي.يو الأوروبي المتخصص في موضوعات الطاقة، إن التجارة المتنامية للغاز الطبيعي المسال بين الولايات المتحدة والصين تذكرنا بقوة آلية العرض والطلب، مضيفا أنه في حين يمكن للسياسيين تسهيل العلاقات التجارية، أو وقفها تماما، فإن قطاع الطاقة يمكنه التغلب على العقبات السياسية الكبيرة، عندما يقوى منطق التجارة، وهي الحقيقة التي تنطبق على كل مصادر الطاقة من الغاز والنفط إلى الطاقة الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية والمنتجات الأخرى منخفضة الكربون.
ورغم التنافس السياسي بين الولايات المتحدة والصين، فإنهما مرتبطتان ببعضهما البعض عندما يتعلق الأمر بالطاقة. فالصين تستورد الوقود الأحفوري من الولايات المتحدة، التي تستورد تقنيات الطاقة منخفضة الكربون من الصين. وتعتبر إدارة هذه الحركة التجارية في ظل التوترات المتصاعدة تحديا كبيرا للدولتين.
وبالنسبة للصين فإن الاعتماد على الولايات المتحدة وأستراليا لاستيراد نحو نصف وارداتها من الغاز الطبيعي المسال يمكن أن يكون أمرا غير مريح، وبخاصة عندما يكون التوتر بين بكين وكل من واشنطن وكانبرا شديدا كما هو الحال الآن. في المقابل فإن هذا الفصل الجديد لتجارة الغاز الطبيعي مع الصين يمثل فرصا للولايات المتحدة. فهناك عدد كبير من شركات الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة سيتم البدء في بنائها خلال السنوات
القليلة المقبلة، والطلب القوي على الغاز المسال من جانب الصين -أكبر مستورد لهذه السلعة في العالم- يمكن أن يساعد هذه المشروعات. كما أن توقيع عقود طويلة الأجل لتصدير الغاز المسال إلى الصين يشير إلى قدرة الولايات المتحدة على منافسة الدول الأخرى النشطة في هذه السوق مثل ماليزيا وقطر.



«المركزي الروسي»: الاقتصاد آمن بأسعار النفط الحالية ومهدد دون 60 دولاراً

العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
TT

«المركزي الروسي»: الاقتصاد آمن بأسعار النفط الحالية ومهدد دون 60 دولاراً

العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)

قال البنك المركزي الروسي إن مستويات أسعار النفط الحالية لا تشكل تهديداً لاستقرار الاقتصاد الروسي، لكنها قد تتحول إلى تحدٍّ خطير إذا انخفضت الأسعار دون الهدف الذي حُدد في الموازنة والذي يبلغ 60 دولاراً للبرميل.

وتشكل عائدات النفط والغاز نحو ثلث إيرادات الموازنة الروسية، وعلى الرغم من التوقعات بتراجع هذه النسبة في السنوات المقبلة، فإن إيرادات السلع الأساسية تظل تلعب دوراً محورياً في الاقتصاد الروسي، كما أن سعر النفط بالروبل يعد عنصراً مهماً في الحسابات المالية للموازنة.

ووفقاً لحسابات «رويترز»، فإن سعر مزيج النفط الروسي «أورال» في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) قد تجاوز السعر المُستخدم في حسابات موازنة الدولة لعام 2024، وذلك بفضل الانخفاض الحاد في قيمة الروبل. وأكد البنك المركزي أن سعر النفط «أورال» بلغ 66.9 دولار للبرميل بداية من 15 نوفمبر.

وفي مراجعته السنوية، قال البنك المركزي: «لا تشكل مستويات أسعار النفط الحالية أي مخاطر على الاستقرار المالي لروسيا»، لكنه حذر من أنه «إذا انخفضت الأسعار دون المستوى المستهدف في الموازنة، البالغ 60 دولاراً للبرميل، فإن ذلك قد يشكل تحديات للاقتصاد والأسواق المالية، بالنظر إلى الحصة الكبيرة التي تمثلها إيرادات النفط في الصادرات الروسية».

كما أشار البنك إلى أن روسيا قد خفضت إنتاجها من النفط بنسبة 3 في المائة ليصل إلى 9.01 مليون برميل يومياً في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، وذلك في إطار التزامها باتفاقات مجموعة «أوبك بلس». وأضاف أن الخصم في سعر النفط الروسي مقارنة بسعر المؤشر العالمي قد تقلص إلى 14 في المائة في أكتوبر، مقارنة بـ 16-19 في المائة في الفترة من أبريل (نيسان) إلى مايو (أيار).

الإجراءات لدعم الروبل فعّالة

من جانبه، قال نائب محافظ البنك المركزي الروسي، فيليب جابونيا، إن البنك سيواصل اتباع سياسة سعر صرف الروبل العائم، مؤكداً أن التدابير التي اتخذها لدعم قيمة الروبل كافية وفعالة.

ووصل الروبل إلى أدنى مستوى له منذ مارس (آذار) 2022، إثر فرض أحدث جولة من العقوبات الأميركية على القطاع المالي الروسي. وفي خطوة لدعم العملة الوطنية، تدخل البنك المركزي، وأوقف شراء العملات الأجنبية بداية من 28 نوفمبر.

وفي مؤتمر صحافي، صرح جابونيا: «نعتقد أن التدابير المتبعة حالياً كافية، ونحن نلاحظ وجود مؤشرات على أن الوضع بدأ في الاستقرار». وأضاف: «إذا كانت التقلبات قصيرة الأجل الناجمة عن مشكلات الدفع تشكل تهديداً للاستقرار المالي، فنحن نمتلك مجموعة من الأدوات الفعّالة للتعامل مع هذا الوضع».

وأكد جابونيا أن سعر الفائدة القياسي المرتفع، الذي يبلغ حالياً 21 في المائة، يسهم في دعم الروبل، من خلال تعزيز جاذبية الأصول المقومة بالروبل، وتهدئة الطلب على الواردات.

وكانت أحدث العقوبات الأميركية على القطاع المالي الروسي قد استهدفت «غازبروم بنك»، الذي يتولى مدفوعات التجارة الروسية مع أوروبا، ويعد المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية في السوق المحلية. وقد أدت هذه العقوبات إلى نقص حاد في سوق العملات الأجنبية الروسية، ما تَسَبَّبَ في حالة من الهلع واندفاع المستثمرين نحو شراء العملات الأجنبية. ورغم هذه التحديات، أصر المسؤولون الروس على أنه لا توجد أسباب جوهرية وراء تراجع قيمة الروبل.

النظام المصرفي يتمتع بمرونة عالية

وفي مراجعة للاستقرار المالي، يوم الجمعة، قال المركزي الروسي إن الشركات الصغيرة فقط هي التي تواجه مشكلات في الديون في الوقت الحالي، في وقت يشكو فيه بعض الشركات من تكاليف الاقتراض المرتفعة للغاية مع بلوغ أسعار الفائدة 21 في المائة.

وأضاف أن نمو المخاطر الائتمانية قد أدى إلى انخفاض طفيف في نسبة كفاية رأس المال للبنوك الروسية في الربعين الثاني والثالث، لكنه وصف القطاع المصرفي بأنه يتمتع بمرونة عالية. كما نصح البنوك بإجراء اختبارات ضغط عند تطوير منتجات القروض، بما في ذلك سيناريوهات تتضمن بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترات طويلة.