«مؤسسة الإسكان» اللبنانية تقفل أبوابها حتى إشعار آخر

مديرها العام قال لـ«الشرق الأوسط» إن إيفاء القروض سيبقى بالليرة

TT

«مؤسسة الإسكان» اللبنانية تقفل أبوابها حتى إشعار آخر

بعد رفض متكرر لملف القرض السكني من «المؤسسة العامة للإسكان»، لم يعد أمام إليان ورودريغ سوى اللجوء للإيجار في ظل عدم إمكانيتهما المادية لتسديد ثمن الشقة، في حين دفع سناء وشادي مبلغ 20 ألف دولار كدفعة أولى، وكانا يسددان الباقي على شكل أقساط شهرية في انتظار موافقة «الإسكان»، ولكن بسبب الظروف التي ضربت لبنان، وحالت دون إعطائهما قرضاً سكنياً، أعادا الشقة، وهما يعيشان مع أهلهما. ولعبير وجورج قصة أخرى، فقد باعا كل ما يملكان لتسديد قروض الإسكان خوفاً من تغيّر قيمة السند مقابل الدولار.
هذه بعض العيّنات التي تعكس واقع اللبنانيين بسبب الأزمة المعيشية التي أرخت بظلالها على القطاعات كافة، ولا سيما «المؤسسة العامة للإسكان» التي كانت تقدم التسهيلات لفئات اجتماعية، وباتت ترزح الآن تحت عبء فقدان الليرة اللّبنانية قيمتها مقابل الدولار. وقد لعبت هذه المؤسّسة دوراً مهمّاً في حياة اللبنانيين الشباب منذ التسعينات، من خلال القروض السكنية طويلة الأجل التي كانت تمنحها، حسبما يقول رئيس مجلس الإدارة المدير العام المؤسسة العامة للإسكان روني لحود، مشيراً إلى أن المؤسسة اليوم وبفعل الظروف «أقفلت أبوابها حتى إشعار آخر». وأضاف: «حتى لو عادت القروض إلى التداول، فلا أحد من التجار يقبل ببيع أي شقة باللّيرة اللبنانية، فهم يتعاملون بالدولار الأميركي فقط، وفي حال قبولهم بذلك نكون أمام أرقام خيالية لسعر الشّقة مما يجعل المواطن عاجزاً عن استحصال القرض أو عن تسديد الأقساط».
لحود الذي عرض لواقع الإسكان ومستقبله وانعكاسه على الشباب اللبناني، لفت في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «ما نحاول القيام به حالياً لحلّ هذا الموضوع، هو استمرار العمل على خطة سكنية وُضعت في العام 2018 ويتم تنقيحها وتطويرها اليوم مع فريق من الخبراء الفرنسيين ومنظمات دولية غير حكومية، لتتلاءم مع الظروف الراهنة، ولكن رغم أهميتها، فهي ليست من الأولويات السياسية، ولا تزال في أدراج مجلس الوزراء من دون إقرار».
وتقوم الخطة على توحيد المعايير والضوابط للقروض السكنية وتعديل سقف القروض لحصر القروض السكنية في يد المؤسسة العامة للإسكان وجهاز إسكان العسكريين، وبالتالي حصر الاستفادة منها في الطبقة المتوسطة والفقيرة فقط.
كما تتطرق إلى الإيجار والإيجار التملكي والإيجارات الاستثنائية، ففي ظل عدم وجود ضوابط وأصول لعقد الإيجارات لحماية الطرف الأضعف في العقد، أي المستأجر، تتقدّم مصلحة المالك المادية على حقوق المستأجر في السكن وفي الحياة.
ولا يزال قانون الإيجار التملكي قابعاً في أدراج مجلس النواب من دون إقرار، وهو يعطي تحفيزات ضريبية للمالك مما يجعله قادراً على عقد هكذا نوع من الإيجار مع أصحاب الدخل المنخفض، فيسمح للأخير بتملك السكن بعد فترة من الزمن. وهذا الأمر يمكن أن يشكّل مدخلاً لحلّ أزمة السكن.
وتحدّث لحود عن ظاهرة تسديد المواطنين كامل قروضهم، دفعة واحدة، مشيراً إلى أن هذا الأمر «يعود إلى أن نسبة 30% من المواطنين يتقاضون رواتبهم بالعملة الأجنبية نقداً، مما يجعلهم قادرين على تسديد القرض، إضافة إلى عامل الخوف من اعتماد المؤسسة سعر صرف الدولار في السوق الموازية أو السعر المتداول على منصة مصرف لبنان، فمنهم من عمد إلى بيع سيارته أو مجوهراته لتسديد كامل قيمة القرض». وفي هذا الإطار، أكد لحود أن القروض «هي بالعملة اللبنانية، وإيفاؤها سيبقى بالليرة اللبنانية»، وقال إن قروض «الإسكان غير مرتبطة بأي سعر يتم التداول به على أي منصة كانت وحتى لو تم توحيد سعر الدولار في المستقبل».
وكشف عن أنه تم تسديد أكثر من 60 ألف قرض خلال العامين المنصرمين، ورغم ذلك، استبعد لحود إعادة فتح باب الإسكان في ظل هذه الظروف وقبل استقرار الوضع الاقتصادي بشكلٍ عام. ولفت إلى أن أحد الأسباب الأساسية التي أدّت إلى تدهور الوضع في لبنان ووصول الأزمة إلى هذا الدرك، هو التوقف عن منح القروض السكنية في وقت سابق، مما عطّل أكثر من 65 قطاعاً منتجاً يبدأ من إنشاء البناء ولا ينتهي بالمفروشات والتجهيزات اللازمة للمنزل، بالإضافة إلى الضرائب والرسوم التي كانت تتقاضاها الدولة.



منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
TT

منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)

حذّرت منصّة يمنية متخصصة في تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال (P.T.O.C) من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي، وكشفت عن بيانات تنشر لأوّل مرة عن مشروع توسع الجماعة، الذي يديره بشكل مباشر «الحرس الثوري» الإيراني، بتنسيق مع ميليشيا «حزب الله» اللبناني.

وتضمن تقرير المنصة، الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، معلومات عن خريطة التوسّع الخارجي للجماعة الحوثية بتكليف من إيران، وخريطة تهريب وتسليح الجماعة، ومفاتيح مشروع التوسّع الحوثي في القرن الأفريقي والمشرفين عليه والمنفّذين.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء (أ.ف.ب)

ويتناول التقرير نشاط جماعة الحوثيين خارجياً في القرن الأفريقي، ابتداءً من تهريب الأسلحة وتجنيد الأفارقة ومعسكرات تدريبهم، واستخدامهم في الأنشطة الاستخبارية والإرهابية التوسّعية.

ووفق التقرير، أكدت محاضر سرية لاجتماعات ما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» التابع للحوثيين أنه جرى إسناد مسؤولية مشروع التوسّع الخارجي في القرن الأفريقي إلى القيادي عبد الواحد أبو راس، ورئيس الجهاز عبد الحكيم الخيواني، ووكيل الجهاز لقطاع العمليات الخارجية حسن الكحلاني (أبو شهيد)، والقيادي الحسن المرّاني، والقيادي أبو حيدر القحوم، بهدف تحقيق مساعي إيران في التوسّع في القارة الأفريقية والسيطرة على ممرّات الملاحة الدولية.

وأشار التقرير إلى الدور الذي يلعبه نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين الانقلابية، حسين العزّي، من خلال المصادر الدبلوماسية والشخصيات التي تعمل معه في كل من إثيوبيا، وإريتريا، وجيبوتي، والسودان، وكينيا، إذ تُجرى إقامة علاقات استخباراتية وأمنية وسياسية ولوجستية مع الشخصيات والعناصر الموجودة والمقرّبة من جماعة الحوثيين في تلك الدول، والعمل على استقطاب أكبر قدر ممكن من الدبلوماسيين في السفارات اليمنية في تلك الدول.

تجهيز وتدريب

وكشفت المنصة اليمنية في تقريرها عن سعي الحوثيين لإنشاء محطات استخباراتية حسّاسة ودقيقة في كل دول القرن الأفريقي والدول المحيطة باليمن، والعمل على تجهيز وتدريب وتأهيل كوادرها في أسرع وقت ممكن؛ بهدف تفعيلها بشكل مناسب، وفي وقت مناسب، لما يحقّق أهداف ما تُسمّى «المسيرة القرآنية والمصالح المشتركة مع دول المقاومة، خصوصاً إيران، وغزة، ولبنان».

عشرات الآلاف من الأفارقة المهاجرين يصلون سنوياً إلى اليمن (الأمم المتحدة)

وأظهرت الوثائق التي أشار إليها التقرير إلى هدف الحوثيين المتمثّل في التحضير والتجهيز مع العناصر والشخصيات التي جرى إنشاء علاقة معها في أفريقيا لـ«إنجاز أعمال وتحرّكات ونشاط في البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي لمساندة الحوثيين في حال ما تعرّضوا لأي ضغوط سياسية أو دبلوماسية دولية خارجية».

واحتوى التقرير على أسماء القيادات المسؤولة عن هذا الملف، ابتداءً من المشرف في «الحرس الثوري» الإيراني المدعو أبو مهدي، وانتهاءً بمالك أصغر قارب تهريب للأسلحة في البحر الأحمر، إضافة إلى علاقة تنظيم «الشباب المجاهدين» الصومالي بجماعة الحوثيين والأفارقة ومافيا تجنيد الأفارقة وتهريبهم من وإلى اليمن، في واحدة من أخطر جرائم الاتجار بالبشر والجريمة المنظّمة.

ويؤكد تقرير منصّة تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال (P.T.O.C) أن جماعة الحوثيين قامت باستقطاب وتجنيد كثير من العناصر الأفريقية من جنسيات مختلفة، خصوصاً عقب اجتياح صنعاء ومحافظات عدّة في سبتمبر (أيلول) 2014، إذ جرى إخضاعهم لدورات ثقافية وعسكرية، وتوزيعهم على جبهات القتال (تعز - الساحل الغربي - مأرب - الحدود)، وأرجع البعض إلى دولهم لغرض التوسّع في أفريقيا.

تعنت الحوثيين أدى إلى تعطيل مسار السلام في اليمن (أ.ب)

كما استقطبت الجماعة - وفق المنصة - كثيراً من الشخصيات والرموز الأفارقة المؤثّرين (قبيلة العفر - الأورومو - أوجادين) بين أوساط الجاليات الأفريقية في صنعاء (الصومالية - الإثيوبية - الإريترية) والاعتماد عليهم في الحشد والاستقطاب من اللاجئين الأفارقة الموجودين في صنعاء، وكذلك من يجري استقطابهم من مناطقهم بالقرن الأفريقي، والتنسيق لهم للوصول إلى صنعاء.

أبو راس والكحلاني

وذكرت المنصة اليمنية في تقريرها أن مسؤول ملف التوسّع الخارجي والقرن الأفريقي في الجماعة الحوثية هو عبد الواحد ناجي محمد أبو راس، واسمه الحركي «أبو حسين»، وهو من مواليد محافظة الجوف اليمنية، إذ تولّى هذا الملف بتوصية مباشرة من قبل قيادات إيرانية سياسية عليا وقيادات في «الحرس الثوري» الإيراني.

ومن أبرز الملفات التي يعمل عليها أبو راس، وفق التقرير، التنسيق مع عناصر «الحرس الثوري» الإيراني، وقيادة الحركة الحوثية للعمل الميداني، كما أنه المسؤول المباشر عن تأمين وإدخال وتهريب عناصر «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» من وإلى اليمن.

وتوارى أبو راس - وفق التقرير - عن الأنظار منذ عدة أعوام، ولكنه كان المكلّف السري بأخطر الملفات السياسية والاستخباراتية لدى جماعة الحوثي، إذ كُلّف بمهام وكيل الشؤون الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، حتى تعيين المدعو حسن الكحلاني بالمنصب نفسه، وترقية أبو راس لتولي ملف التوسّع الخارجي والقرن الأفريقي، بتوصية واتفاق مباشر بين عبد الملك الحوثي وقيادة «الحرس الثوري» الإيراني.

الحوثيون يطمحون إلى التحول إلى لاعب دولي ضمن المحور الذي تقوده إيران في المنطقة (أ.ب)

وإلى جانب أبو راس يأتي القيادي حسن أحمد الكحلاني، المُعين في منصب وكيل قطاع العمليات الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين، والمعروف بكنيته «أبو شهيد»، وهو من مواليد 1984 في محافظة حجة، ويُعد من القيادات الحوثية الأمنية البارزة؛ إذ نشأ في بيئة حوثية بين صعدة وصنعاء، والتحق بالجماعة في سن مبكّرة.

ويشير التقرير إلى أن الكحلاني كان من خلية صنعاء الإرهابية التي نفّذت عدّة تفجيرات واغتيالات عقب مقتل مؤسّس الجماعة حسين الحوثي في 2004، كما كان من القيادات التي تولت دخول صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، وتولّى قيادة المجموعة التي أصدرت توجيهاً بمنع طائرة أمريكية من الإقلاع من مطار صنعاء، بحجة تفتيشها قبل المغادرة. وعقب هذا الحادث، جرى اغتيال والده في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 على أيدي مسلّحين مجهولين يستقلون دراجة نارية في صنعاء.

ويعمل حسن الكحلاني حالياً - وفق المنصة - تحت إشراف عبد الواحد أبو راس، ويعرف ارتباطه الوثيق بـ«الحرس الثوري» الإيراني، ويحاول عبر هذه العلاقة فرض نفسه باعتباره الرجل الأول في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، الأمر الذي يعكس حالة من الصراع بينه وبين عبد الحكيم الخيواني رئيس الجهاز.

قيادات في ملف التوسع

يشير تقرير المنصة اليمنية إلى القيادي الحوثي أدهم حميد عبد الله العفاري (أبو خليل) ويذكر أنه المختص في ملف الجاليات الأفريقية الموجودة في اليمن، خصوصاً في صنعاء، إذ كُلّف بمهام التواصل المستمر والتنسيق برؤساء الجاليات (إثيوبية- صومالية - إريترية - سودانية - جيبوتية).

عناصر حوثيون في صنعاء خلال تجمع حاشد دعا له زعيمهم (أ.ف.ب)

كما يعمل العفاري على حشد العناصر الأفريقية وإلحاقهم بالدورات العسكرية والثقافية، وبعدها يجري توزيعهم على جبهات (الساحل الغربي - مأرب - الحدود - تعز)، وفي مهام استخباراتية داخل بلدانهم.

وإلى ذلك يعد العفاري، المسؤول عن التنسيق مع النقاط الأمنية التابعة للحوثيين لإدخال العناصر الأفريقية إلى مناطق الحوثيين، ويتولى أيضاً مهام أخرى، أبرزها صرف المخصّصات المالية للعناصر الأفريقية.

أما الشخص الرابع المسؤول عن ملف التوسّع الخارجي الحوثي إلى القرن الأفريقي فهو أسامة حسن أحمد المأخذي، واسمه الحركي (أبو شهيد)، وهو - وفق التقرير - أحد العناصر الحوثية العاملة في جهاز الأمن والمخابرات، وملف المسار الأفريقي، وتتلخّص مهمته في التنسيق مع الشخصيات الأفريقية المؤثّرة في كل من (الصومال - إثيوبيا - إريتريا - جيبوتي - السودان) من أجل حشدهم لتدريبهم وتأهيلهم، وإلحاقهم بصفوف ميليشيا الحوثي، بصفتهم مقاتلين وعاملين في الدول القادمين منها، وبصفتهم عناصر استخباراتية، تقوم بمهام مختلفة، منها نشر الفكر الحوثي، والقيام بالعمليات الاستخباراتية، وتهريب الأسلحة، والاتجار بالبشر، ونقل المخدرات عبر البحر من وإلى القرن الأفريقي واليمن.

الجماعة الحوثية متهمة بتجنيد اللاجئين الأفارقة بالترغيب والترهيب (الأمم المتحدة)

إلى ذلك أورد التقرير أسماء 16 شخصية أفريقية، هم أبرز المتعاونين مع الجماعة الحوثية للتوسع في القرن الأفريقي، يتصدرهم، تاجو شريف، وهو مسؤول عن الجالية الإثيوبية في صنعاء، والتحق بدورات ثقافية حوثية، ويعمل على استقطاب وتجنيد عناصر أفريقية لصالح العمل العسكري والاستخباراتي الحوثي.

ويرى التقرير في توصياته أن التوسع الحوثي في القرن الأفريقي يمثل تهديداً كبيراً يستدعي تحركاً دولياً وإقليمياً عاجلاً، من خلال خطة رادعة متكاملة توقف التوسع والنشاط الخارجي بشكل كامل، وبما يعزز الاستقرار والأمن في المنطقة.