جهود صينية في إغناء النظرية السردية العابرة للحدود

بيو شانغ وفكرة العناصر في السرد غير الطبيعي

الباحث الصيني بيو شانغ
الباحث الصيني بيو شانغ
TT

جهود صينية في إغناء النظرية السردية العابرة للحدود

الباحث الصيني بيو شانغ
الباحث الصيني بيو شانغ

شهدت الساحة النقدية العالمية في السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً بعلم السرد غير الطبيعي، وقد أدى هذا الاهتمام إلى احتلال هذا العلم مكاناً جنباً إلى جنب علوم أخرى مستحدثة مثل «علم السرد ما بعد الكلاسيكي» و«علم السرد النسوي» و«علم السرد المعرفي»... وغيرها. وتبدو الميزة الأكثر إثارة في «علم السرد غير الطبيعي» نظرياته التي تسعى إلى توطين مفاهيم تخرق المعتاد وتعطله، وتنتهك ما هو منطقي، وتتجاهل ما هو معلوماتي، بمقصدية إعادة صياغة كل ما هو إشكالي ومستحيل، وإعمال مراجعة كل ما هو سردي طبيعي.
وقد انبرى لهذه المهمة نقاد وباحثون غربيون، كما شاركهم العمل باحثون من خارج منظومة النقد الأنجلو – أميركي؛ ومنهم الصيني بيو شانغ Biwu shang أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة جياو تونغ في شنغهاي بالصين ورئيس تحرير جريدة «مقدمات في حدود السرد» ومؤلف كتاب «في السعي وراء ديناميات السرد»، وآخر كتاب صدر له كان باللغة الإنجليزية عام 2019 عنوانه: «Unnatural Narrative across Borders Transnational and Comparative Perspectives (السرد غير الطبيعي عبر الحدود: منظورات مقارنة عابرة للوطنية)» عن «منشورات روتلدج» في نيويورك. وفيه سعى شانغ إلى إعادة دراسة مفهوم «السرد غير الطبيعي» الذي نوقش كثيراً من زوايا النقد الأدبي ونظريات السرد والدراسات الثقافية متعددة التخصصات. والجديد الذي قدّمه شانغ في هذا الصدد هو اعتماده منظوراً تاريخياً عابراً للحدود استدعى منه استعمال منهجية مقارنة، طبّقها على أعمال وتجارب قصصية صينية وعراقية، محاولاً الكشف عن سمات العوالم المستحيلة في السرد غير الطبيعي مما لم تطرقه الدراسات السردية الأنجلو – أميركية، كدراسات جيمس فيلان وجيرالد برنس وروبين وارهول... وغيرهم من الذين قدّم لهم شانغ شكره في مفتتح الكتاب لجهودهم القيمة في هذا الجانب، مهتماً بما للسرد غير الطبيعي من تعريفات عدة تلتقي في أنه يخالف النظرية السردية التقليدية التي تقوم على محاكاة الواقع؛ فهو سرد تجريبي، ومتطرف، وغير تقليدي، وغير مطابق، وخارج عن المألوف، ومضاد للتقليد، ومنتهك للأعراف، وبسيناريوهات مستحيلة تحكم العالم المادي... وذكر من تلك التعريفات أربعة:
ابتدأها بتعريف ريتشاردسون للسرد غير الطبيعي، وأنه يضاد المحاكاة... «السرد غير الطبيعي هو السرد الذي ينتهك بشكل واضح أشكال السرد وأنماطه الخيالية المعتادة الشفوية أو المكتوبة، متبعاً تقاليد سردية متغيرة وجديدة تخالف العناصر الأساسية المألوفة، من خلال تقديم فرضيات غير محتملة أو لافتة للنظر». ثم انتقل إلى تعريف جان ألبر؛ وفيه يحدد السرد غير الطبيعي بأنه عبارة عن عوالم نصية مستحيلة يتم تمثيلها سردياً بسيناريوهات غير طبيعية مادياً أو منطقياً أو بشرياً. وفي التعريف الثالث يركز ألبر وايفرسون على القارئ واصطدامه بالقواعد التي تحكم عالم السرد والسيناريوهات المستحيلة فيه والاشتباكات التي تتحدى تفسيراته المعتادة.
والتعريف الرابع يعود لنيلسون؛ وفيه يرى أن السرد غير الطبيعي فرع من السرد الخيالي الذي هو خلاف الواقعي، وله استراتيجيات وتمثيلات تختلف عن تلك التي توظف في السرد الطبيعي. ولأنها غير قابلة للتصديق؛ يغدو دور القارئ مهماً في تفسيرها تفسيراً يجعلها ممكنة الحدوث أو موثوقة.
وقارن شانغ بين هذه التعريفات، مبيناً أن الانبهار بما هو غير معقول للغاية؛ مستحيل أو غير واقعي أو من عالم آخر، هو الذي يدفع إلى معالجة واختبار علاقة هذا السرد بغيره من السرود الأخرى، يقول: «في رأيي؛ اللاطبيعية في النص السردي إنما هي مسألة درجة ومستوى، فبعض النصوص الطبيعية أكثر لا طبيعية من غيرها»، وأساس قياس الدرجة يكمن فيما سماها «العناصر غير الطبيعية»؛ فقد تكون درجتها عالية أو منخفضة أو تكون محلية أو عالمية. ويتوقف الأمر في الحكم على اختلاف الإدراك الأدبي؛ فبعض القراء يحكمون على النص السردي بوصفه نصاً طبيعياً، وبعضهم الآخر يحكم عليه بوصفه نصاً غير طبيعي. لكن المهم يبقى قدرة «العناصر غير الطبيعية» على الترابط؛ سواء على مستوى القصة، ومستوى الخطاب، والتي بها يغدو اللاطبيعي طبيعياً.
واهتم شانغ كثيراً بما ذكره ديفيد هيرمان عن «صناعة العالم» بوصفها عنصراً أساسياً في السرد غير الطبيعي، وما قالته ماري لوري رايان عن «العوالم المستحيلة» وحين حددت سمات هذه العوالم بالتناقض والاستحالة الوجودية والإهمال والانتباذ المكاني... مؤكداً أن الخلاف حول مفهوم السرد غير الطبيعي يتمحور حول مظاهر هذا السرد اللاطبيعية والاستراتيجيات المعتمدة في تفسيره والقضايا العلمية الأساسية المدروسة فيه. لذا قام شانغ بدراسة مقارنة طرح فيها فكرة جديدة، فقال: «أحاول إلقاء ضوء جديد على السرد غير الطبيعي من خلال اقتراح فكرة (العنصر غير الطبيعي)، مما يمكن أن يخرج بالنص السردي من محليته، ويقارن لا طبيعيتها مع غيرها عالمياً» (الكتاب - ص10). وبيّن أنه كلما زاد عدد العناصر غير الطبيعية في النص السردي، تضاعفت المقارنة مع نصوص السرد المحاكي للواقع الموضوعي.
ولأجل فحص المظاهر الاستحالية في الخطابات السردية غير الطبيعية، قام شانغ برسم خريطة للأدب الصيني القديم والأدب القصصي في الصين المعاصرة، مبيناً أن السرد الصيني غير الطبيعي له طرقه الخاصة وسياقاته الأخلاقية التي تتعدى ما قدمه نقاد الغرب من استراتيجيات السرد غير الطبيعي.
ولعل أهم أمر طرحه شانغ في كتابه موضع الرصد هو تأكيده إفادة السرد غير الطبيعي من تقانة التعدد في الرؤى؛ وفيها يتحرك السراد ذهاباً وإياباً بحسب المواقف السردية المختلفة، تنتج عن ذلك تأثيرات ومعاكسات غير متجانسة ومشاهد متناقضة. وهو ما يصلح في التمثيل الذاتي لحال المهمّشين في «أدب الأقليات» و«أدب ما بعد الاستعمار» و«الأدب الشعبي» و«أدب الهجرة واللجوء»، وبالشكل الذي يحقق لهذا السرد بعض الأغراض الآيديولوجية مما لا يستطيع السرد الطبيعي تحقيقها. وهو ما سيوسع – في رأي شانغ - من أطر السرد غير الطبيعي في تجاوز المعايير الواقعية في معرفة العالم الحقيقي.
ولا شك في أن تبني شانغ منهجية الدراسة المقارنة له أهمية كبيرة في قراءة الأدب العالمي وما فيه من سرديات غير طبيعية، لكن ذلك يظل مرهوناً بما لكل أدب من الآداب من الترجمات الكافية والدّالة... وشانغ نفسه يؤكد أن ترجمات الأدب الصيني غير كافية لتوصيله إلى العالم.
وعلى الرغم مما في الأدب الصيني من تمثيلات على السفر عبر الزمن عُرفت في وقت مبكر، مثل القصص المروية عن الأسرة الحاكمة «سوم سبرينغ»، وموضوعها يدور حول حلم يوتوبي صيني قديم بالبحث عن الجنة الدنيوية، فإن الأشكال الحقيقية للسفر عبر الزمن في الصين الحديثة - بحسب شانغ - لم تتشكل إلا في أوائل القرن العشرين في أعمال شي وهوانغ، ووجد فيها شكلين رئيسين من السفر عبر الزمن: الأول سفر روحي، والآخر سفر جسدي.
ومن بعدها شهدت قصص السفر عبر الزمن في الأدب الصيني المعاصر ثلاثة أنماط؛ هي: السفر في الوقائعي التاريخي، والسفر في المتخيل التاريخي، والسفر المستقبلي الانبعاثي. وأكثر التواريخ توظيفاً وشعبية في هذا الأدب هو تاريخ أسرة تشينغ.
أما في العقد الأول من هذا القرن، فإن السرد الصيني شهد توسعاً كبيراً في توظيف السفر عبر الزمن، وقد نال قدراً معيناً من الاهتمام الأكاديمي، معظمه يستكشف آيديولوجية هذا التوظيف.
وطبّق شانغ فكرته في التركيز على العناصر غير الطبيعية على قصص صينية وعراقية؛ فأما الصينية فتتمثل في قصص الأسر الست في الصين ويعود تاريخها إلى 286 قبل الميلاد وأعمال ليزي وجوي كانغ من القرن الثالث إلى القرن السادس الميلادي، مبيناً أن «الشخصيات» و«الرواة» و«الفضاء» و«الزمان» هي أكثر العناصر توظيفاً في السيناريوهات الخيالية التي تعيد كتابة التاريخ الأدبي، كما وجد شانغ أن لعبور الحدود في الرواية الصينية غير الطبيعية ضمن سياقها الثقافي الخاص ثلاث فئات رئيسة؛ وكلها مستحيلة جسدياً وبشرياً؛ هي: العبور من عالم الموتى إلى عالم الأحياء، ومن عالم الأرواح إلى عالم البشر، ومن عالم الحيوانات إلى عالم البشر.
هذا على المستوى المحلي؛ أما على المستوى العالمي؛ فإن شانغ اختار قصص الكاتب العراقي حسن بلاسم المترجمة إلى الإنجليزية، ووجد فيها عوالم رعب مستحيلة تنتهك القوانين الفيزيائية أو المبادئ المنطقية أو القياسية من خلال سيناريوهات رواة قتلى أو بإعاقات جسدية مع اختلاق أمكنة مستحيلة وأحداث متضاربة.
وقد انتهى شانغ إلى أن الاختلاف في طبيعة التقاليد القصصية في قصص شرق آسيا تؤكد الحاجة الماسة مستقبلاً إلى وضع دراسات مقارنة للسرديات غير الطبيعية.



معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
TT

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، 19 دولة عربية و12 أجنبية.

ويحلّ الأردن «ضيف شرف» على المعرض هذا العام. في حين أعلن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب اختيار العالم الجغرافي والمحقق اللغوي والمترجم الكويتي عبد الله الغنيم ليكون «شخصية المعرض».

وقال مدير المعرض، خليفة الرباح، إن اختيار الغنيم «جاء تقديراً لإسهاماته الكبيرة في الثقافتين المحلية والعربية، وهو ما تَجسَّد في حصوله على (وسام الاستقلال من الدرجة الأولى) من الأردن عام 2013 لدوره في إثراء قاموس القرآن الكريم، بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي».

شغل الغنيم منصب وزير التربية خلال الفترة بين 1990 و1991، ووزير التربية والتعليم العالي بين 1996 و1998، ورئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية من 1992 حتى الآن، كما عمل أستاذاً ورئيس قسم الجغرافيا في جامعة الكويت بين 1976 و1985، وعضو مجمع اللغة العربية في سوريا ومصر، وعضو المجلس الأكاديمي الدولي لمركز الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد.

وذكرت عائشة المحمود، الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أن المعرض يقام هذا العام تحت شعار «العالم في كتاب» ليكون تعبيراً عن أهمية الكتاب ودوره في تقديم الثقافة للمجتمع.

وأضافت أن النشاط الثقافي المصاحب للمعرض يقام عبر 3 منصات مختلفة، هي «الرواق الثقافي» التي تم استحداثها العام الماضي بطابع شبابي، ومنصة «المقهى الثقافي» التي تقدم أنشطة بالتعاون مع مؤسسات النفع العام والمؤسسات الأهلية والجهات الحكومية، و«زاوية كاتب وكتاب» التي استُحدثت هذا العام لربط القارئ بالكتاب بطريقة مباشرة، وتتضمّن أمسيات لعدد من الروائيين.

وأشارت إلى أن مجموع الأنشطة المصاحبة للمعرض، الممتد حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) بأرض المعارض في منطقة مشرف، يتجاوز 90 نشاطاً بما فيها الاحتفاء بالرموز الثقافية الكويتية والعربية.

وعدّ وزير الثقافة الأردني مصطفى الرواشدة، أن مشاركة الأردن في معرض الكويت الدولي للكتاب «تُعدّ تتويجاً للعلاقات الثقافية بين البلدين».

وأعرب، في بيان، عن شكره لدولة الكويت بمناسبة اختيار الأردن «ضيف شرف» للمعرض، مؤكداً أن «دولة الكويت كانت ولا تزال منارةً للمثقف العربي بتجربتها في الإصدارات الرائدة».

وأوضح الرواشدة أن المشاركة الأردنية تتمثل في هذا المعرض من خلال الجناح الذي صُمِّم هندسياً ليعبِّر عن النمط المعماري الحضاري والتراثي الأردني، بما يضمه من مفردات تتصل بثقافة الإنسان، إضافة إلى الرموز التاريخية والثقافية المتنوعة.

وأضاف أن المشارَكة في معرض الكويت الدولي للكتاب «تمثل ثمرةً تشاركيةً بين المؤسسات الثقافية الأردنية؛ لتقديم صورة مشرقة للمشهد الثقافي الأردني في تعدده وتنوعه وثراء حقوله الإبداعية».