عبد الرزاق قرنح يتسلم رسمياً جائزة نوبل للآداب في بريطانيا

بسبب القيود التي فرضتها الجائحة

عبد الرزاق قرنح بعد تسلمه جائزة نوبل للآداب أمس (موقع جائزة نوبل على «تويتر»)
عبد الرزاق قرنح بعد تسلمه جائزة نوبل للآداب أمس (موقع جائزة نوبل على «تويتر»)
TT

عبد الرزاق قرنح يتسلم رسمياً جائزة نوبل للآداب في بريطانيا

عبد الرزاق قرنح بعد تسلمه جائزة نوبل للآداب أمس (موقع جائزة نوبل على «تويتر»)
عبد الرزاق قرنح بعد تسلمه جائزة نوبل للآداب أمس (موقع جائزة نوبل على «تويتر»)

تسلم الفائز بجائزة نوبل للآداب 1921 عبد الرزاق قرنح، أمس الاثنين جائزته وشهادة الفوز من السفيرة السويدية، مع شيك مبلغ عشرة ملايين كرونة سويدية (1.1 مليون دولار)، قيمة الجائزة، خلال مراسم رسمية في بريطانيا حيث يعيش الروائي المولود في زنجبار منذ أكثر من نصف قرن.
وذكرت وكالة (أ. ف. ب) أنه بسبب القيود المتصلة بجائحة (كوفيد - 19) تُسلم جوائز نوبل للعلوم والآداب من دون مظاهر البذخ الاعتيادية، في بلدان إقامة الفائزين، للسنة الثانية على التوالي.
وعبد الرزاق قرنح البالغ 72 عاما، هو أول كاتب من أصل أفريقي ينال جائزة نوبل للآداب منذ الجنوب أفريقي ج. م. كوتزي سنة 2003، وهو فاز بهذه المكافأة تقديراً لرواياته عن حقبة ما بعد الاستعمار في شرق أفريقيا ومعاناة اللاجئين العالقين بين عالمين. وهو كوفئ بالجائزة الأدبية الأرقى تقديراً لسرده «المتعاطف الذي يخلو من أي مساومة لآثار الاستعمار ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات»، بحسب لجنة التحكيم التي أشادت بـ«تمسكه بالحقيقة وإحجامه عن التبسيط».
وُلد عبد الرزاق قرنح سنة 1948 في أرخبيل زنجبار قبالة سواحل الشرق الأفريقي والتابع حالياً لتنزانيا، وقد لجأت عائلته إلى إنكلترا في نهاية ستينات القرن العشرين بعد بضع سنوات على استقلال هذه المستعمرة البريطانية السابقة.
وقد بدأ الكتابة في سن 21 عاماً في بريطانيا، البلد الذي حاز جنسيته.
وقال قرنح خلال مؤتمر صحافي أقيم في لندن غداة الإعلان عن فوزه بالجائزة مطلع أكتوبر (تشرين الأول): «أريد الكتابة عن التفاعلات الإنسانية، وما يمر به الناس عند إعادة تشكيل حياتهم من جديد».
وفي مقال نشرته صحيفة «ذي غارديان» البريطانية سنة 2004، كشف عبد الرزاق قرنح أنه وقع في شباك الكتابة، بحسب تعبيره، من دون أن يكون قد خطط لذلك، موضحاً «بدأت أكتب بلا مبالاة وبشيء من الخوف من دون أي تصور، مدفوعاً برغبة في الإفصاح عن المزيد».
ونشر منذ عام 1987 عشر روايات، فضلاً عن قصص قصيرة، وهو يكتب بالإنجليزية رغم أن السواحيلية هي لغته الأم. ومن أعماله «ذاكرة المغادرة» (1987)، «طريق الحجاج» (1988)، «دوتي» (1990)، «الجنة» (1994)، «الإعجاب بالصمت» (1996)، «عن طريق البحر» (2001)، «الهجر» (2005)، «الهدية الأخيرة» (2011)، «قلب الحصى» (2017)، «الحياة بعد الموت» (2020)، ومن قصصه القصيرة: «أمي عاشت في مزرعة في أفريقيا» (2006).
وتتطرق رواياته الثلاث الأولى إلى تجارب المهاجرين في المجتمع البريطاني المعاصر. وقد تميز بروايته الرابعة «بارادايس» التي تجري أحداثها في شرق أفريقيا خلال الحرب العالمية الأولى. ورشحت الرواية لجائزة «بوكر» الأدبية البريطانية العريقة.
ويعيش قرنح حالياً في مدينة برايتون في جنوب شرقي إنكلترا، وقد درس الأدب في جامعة كنت حتى تقاعده.
ويؤكد الروائي أنه سيستمر بعد فوزه بجائزة نوبل بالحديث صراحة عن مسائل طبعت مسيرته الأدبية ورؤيته للعالم، قائلاً: «هذه طريقتي في الكلام، أنا لا أؤدي دوراً بل أقول ما أفكر به».
وينتقد قرنح تشدد الحكومات الأوروبية مع المهاجرين الآتين من أفريقيا والشرق الأوسط، واصفاً هذه السياسة بأنها قاسية وغير منطقية.
ونشرت روايته الأخيرة في عام 2020 تحت عنوان «بعد الحياة» وهو يتطرق فيها إلى الاستعمار الألماني لأفريقيا.
وكانت 2021 سنة حافلة بالنجاحات للأدب الأفريقي، إذ حصد ثلاثة كتاب أفارقة جوائز نوبل وبوكر البريطانية للرواية، و«غونكور» الفرنسية لهذا العام.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».