«الإطار الشيعي» العراقي... بين لقاء الصدر وانتظار قرار «الاتحادية»

صورة تداولتها مواقع عراقية من جلسة المحكمة الاتحادية أول من أمس لنظر طلب إلغاء نتائج الانتخابات
صورة تداولتها مواقع عراقية من جلسة المحكمة الاتحادية أول من أمس لنظر طلب إلغاء نتائج الانتخابات
TT

«الإطار الشيعي» العراقي... بين لقاء الصدر وانتظار قرار «الاتحادية»

صورة تداولتها مواقع عراقية من جلسة المحكمة الاتحادية أول من أمس لنظر طلب إلغاء نتائج الانتخابات
صورة تداولتها مواقع عراقية من جلسة المحكمة الاتحادية أول من أمس لنظر طلب إلغاء نتائج الانتخابات

حتى لحظة كتابة هذا التقرير لم يتأكد، لا في النجف ولا في بغداد، ما إذا اللقاء المنتظر بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وقادة الإطار التنسيقي، سوف يعقد اليوم الثلاثاء، في منزل الصدر بالحنانة في النجف. التصريحات لعدد من القياديين المعتمدين في هذه الكتلة أو تلك أو التسريبات ترجح عقد اللقاء اليوم بين الصدر وزعماء الإطار التنسيقي، رداً على زيارة الصدر لهم في منزل زعيم «تحالف الفتح» هادي العامري، الأربعاء الماضي.
وحيث إن الطرفين، الصدر وخصومه في البيت الشيعي، ينتظرون قرار المحكمة الاتحادية بشأن نتائج الانتخابات التي طالب «الفتح» بإلغائها، فإن لكل طرف حساباته على صعيد القرار المنتظر، الذي تواجه فيه المحكمة الاتحادية أصعب تحدٍ، فضلاً عن الضغوط التي تمارس عليها. فالإطار التنسيقي الرافض لنتائج الانتخابات، وإن أعلن العامري أن تحالفه سيحترم أي قرار تصدره المحكمة، لا يزال يمارس ضغوطاً كبيرة على «الاتحادية» للحيلولة دون المصادقة.
حسابات الطرف الآخر، الذي يمثله الصدر وكبار الفائزين، لا سيما من السنة (حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي 37 مقعداً) والكرد (الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني 31 مقعداً)، تستند إلى قناعتهم بأن المحكمة الاتحادية سوف تصادق على النتائج، وبالتالي سيكون الخاسرون أمام أمر واقع جديد يجبرهم على اللجوء إلى التفاهمات الخاصة بتشكيل الحكومة. وبما أن خيارات الكرد والسنة قليلة حيال قضية المصادقة من عدمها، فإن حسابات الصدر هي التي تخيف خصومه في حال لم تصادق المحكمة الاتحادية، أو ربما حكمت لصالح القوى الخاسرة بإلغاء نتائج الانتخابات.
صحيح أن المراقبين يستبعدون ذلك، لكن قوى الإطار التنسيقي لم تكتف بالضغط على المحكمة الاتحادية عبر إبقاء التظاهرات والاعتصامات في الشارع، بل ذهب معظم قادتها، في مقدمتهم العامري وفالح الفياض وآخرون، إلى عقر دار المحكمة الاتحادية، أول من أمس، لحضور مرافعة محاميهم أمام المحكمة بشأن الطعون المقدمة من قبلهم، بما في ذلك مطالبتهم بإلغاء نتائج الانتخابات.
المحكمة الاتحادية التي تعرف موازين القوى جيداً تواجه أصعب موقف يواجهها منذ أكثر من عشر سنوات. ففي حال حكمت لصالح الفائزين، وصادقت على النتائج، فإنها لا تعرف ردة فعل الشارع الذي تملكه القوى الخاسرة لجهة أن أكثريتها تملك أجنحة مسلحة. وفي الوقت نفسه فإن أمامها اختباراً صعباً في حال لم تصادق على النتائج، وهي تعرف مدى جماهيرية زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الفائز بـ74 مقعداً. فالصدر وطبقاً لما يراه كل المراقبين السياسيين لا يمكنه التخلي عن 74 مقعداً التي جعلته الفائز الأول. مع ذلك، ووفقاً لحسابات قوى الإطار التنسيقي، فإن الإطار التنسيقي بكل قواه (دولة القانون والفتح وقوى الدولة وعطاء وحقوق وحزب الفضيلة) حصل على أكثر من مليوني صوت انتخابي، أي ثلثي الأصوات، لكنه حصل على ثلث المقاعد، بينما الصدر حصل على نحو 800 ألف صوت، أي ثلث الأصوات، لكنه حصل على ثلثي المقاعد. وبهذه الحسبة، فإن مجموع مقاعد الصدر من 800 ألف صوت هو 74 مقعداً، بينما مجموع كل مقاعد الإطار التنسيقي 76 مقعداً من مليوني صوت.
الصدريون ومثلهم بعض الفائزين الآخرين (تقدم والحزب الديمقراطي الكردستاني) يدافعون عن أعداد المقاعد التي حصلوا عليها بسبب حنكتهم في التعامل مع القانون الانتخابي الجديد، بينما قوى الإطار التنسيقي تقول إن ما حصل لهم كان بسبب التزوير. الأمر نفسه ينطبق على المستقلين الذين حصلوا على نحو 43 مقعداً من أكثر من مليون وثمانمائة ألف صوت، حيث إن قلة خبرتهم في التعامل مع القانون الجديد هي التي جلبت لهم هذه المقاعد، بينما لو كانوا أحسنوا التعامل معه لكانوا حصلوا على أكثر من 70 مقعداً، ولكانوا هم مفاجأة الانتخابات الكبرى.
وبعيداً عن لقاء الحنانة المفترض اليوم، أو مصادقة المحكمة الاتحادية من عدمها، فإن التفاهمات داخل الغرف المغلقة تجري بين الجميع مرة بصورة مباشرة، وأخرى بصورة غير مباشرة، بشأن آلية تشكيل الحكومة المقبلة. وأصل التفاهمات الجارية بين كل الأطراف هو حول شكل الحكومة القادمة؛ هل هي حكومة أغلبية وطنية أم حكومة توافقية.
وبين من يريد الأغلبية (الصدر حتى الآن فقط)، ومن يريد التوافقية (كل القوى الأخرى بمن فيهم الكرد والسنة)، يجري الحديث عن إمكانية أن تتشكل الحكومة طبقاً لقاعدة جديدة هي «التوافقية الجزئية». وفي هذا السياق يقول الباحث فرهاد علاء الدين، رئيس المجلس الاستشاري العراقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المقصود بحكومة التوافقية الجزئية هي التي لا تشارك فيها قوى وأحزاب فازت، لكنها أعلنت أنها سوف تكون بالمعارضة، وهي من كل الأطياف العراقية»، مضيفاً أن «الحكومة التوافقية التي يجري الحديث عنها الآن لن يشارك فيها الكرد كلهم مثل حزب الجيل الجديد والأحزاب الإسلامية الكردية التي خارج تشكيلتها وخارج المعادلة». وأوضح أن «السنة كذلك لن يشاركوا كلهم سواء عن طريق الاختيار أو إبعاد بعضهم». وبشأن القوى الشيعية التي أعلنت أنها سوف تكون في المعارضة، يقول علاء الدين: «لن تشارك في الحكومة القادمة، وهي حركة (امتداد) و(إشراقة كانون)، وربما أيضاً سيتم استبعاد بعض القوى الشيعية الأخرى».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.