الأميركيون يعتبرون الصين «أكبر تهديد» استراتيجي لهم

يتصاعد الحديث في الولايات المتحدة عن نفوذ الصين ودورها، وما قد تمثله من تهديد استراتيجي للبلاد، ليشمل ليس فقط الدوائر السياسية والعسكرية والاستخبارات الأميركية، بل الرأي العام الأميركي أيضاً. وانضم النزاع على الفضاء إلى مجال المنافسة معها، في ظل تقديرات تشير إلى أن الصين قد تصبح القوة الفضائية المنافسة لأميركا والمهيمنة بشكل أكبر بحلول نهاية العقد الحالي، بحسب الجنرال ديفيد تومسون، النائب الأول لرئيس القوة الفضائية التي أنشأتها الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.
وقال تومسون، في حديث مع صحيفة «واشنطن بوست»، نشره أيضاً البنتاغون، إن الأقمار الصناعية الأميركية تتعرض لهجمات مستمرة، رغم أنها لم تلحق ضرراً دائماً بها. وأضاف أن «التهديدات تتزايد وتتوسع كل يوم. وهو تطور للنشاط الذي كان يحدث لفترة طويلة». وأكد أن بلاده «في مرحلة توجد بها مجموعة كاملة من الطرق التي يمكن أن تتعرض فيها أنظمة الفضاء للتهديد». وأضاف أن الصين تقوم ببناء نسختها الخاصة من نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) و«بضع مئات» من أقمار الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. وقال تومسون: «إن الصينيين في الواقع متقدمون كثيراً على روسيا... إنهم ينقلون أنظمة تشغيلية بمعدل لا يصدق». وتابع: «ما زلنا الأفضل في العالم، بوضوح من حيث القدرة، لكنهم يلحقون بنا بسرعة... الولايات المتحدة يجب أن تكون قلقة بنهاية هذا العقد إذا لم نتكيف مع الأمر».
وأجرت روسيا أخيراً تجربة لتدمير أحد أقمارها الصناعية بصاروخ أطلق من الأرض، ما تسبب بحطام واسع النطاق، أجبر رواد الفضاء في المحطة الدولية على الاحتماء والاستعداد لمغادرتها، في كبسولات الطوارئ الخاصة، وبردود فعل دولية وأميركية شاجبة. وكانت روسيا قد أجرت في يوليو (تموز) 2020، اختباراً «غير مدمر» لسلاح فضائي مضاد للأقمار الصناعية، وفقاً لقيادة الفضاء الأميركية، وتجربة أخرى في ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام. وأعلن البنتاغون، في تقرير سابق، أن الصين تحرز تقدماً في تطوير الصواريخ والأسلحة الإلكترونية التي يمكن أن تستهدف الأقمار الصناعية ذات المدارات العالية والمنخفضة، بعدما أجرت تجربة على إطلاق صاروخ باليستي فائق السرعة في بداية الصيف. وفي تقرير سنوي آخر، أصدرته الاستخبارات الأميركية يوم الثلاثاء، وسلمته إلى الكونغرس الأميركي لمناقشته في جلستي استماع أمام لجنتي الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب، الأربعاء والخميس، ذكر أن سعي الصين لتصبح قوة عالمية، يعد التهديد الأكبر للأمن القومي الأميركي. وأضاف أن جهود روسيا لتقويض النفوذ الأميركي، وتقديم نفسها كطرف رئيسي على المسرح الدولي، يعدان تحدياً رئيسياً أيضاً. وأدلت أفريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية، وويليام بيرنز، مدير الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، بإفادتهما أمام اللجنتين لأول مرة منذ تعيينهما، حيث عرضا «تقييم المخاطر لعام 2021»، ووجهات نظر أجهزة الاستخبارات الأميركية، بشأن قضايا الأمن الخارجي الكبرى التي تواجهها إدارة بايدن، في العام الأول من عهده، والتي زاد من تعقيدها تفشي جائحة كورونا والتغير المناخي. وقال التقرير إن الصين وروسيا تمثلان التحديين الرئيسيين، في حين أن إيران وكوريا الشمالية تشكلان مصدر خطر على الأمن القومي الأميركي. ويضيف التقرير أن الحزب الشيوعي الصيني الحاكم سيكثف «جهود الحكومة بأكملها لتوسيع نفوذ الصين، وتقويض نفوذ الولايات المتحدة، وإثارة الفرقة بين واشنطن وحلفائها وشركائها»، وتعزيز قبول «نظامها الاستبدادي». وذكر التقرير أن الصين تمتلك قدرات كبيرة على شنّ هجمات إلكترونية، يمكنها على أقل تقدير أن تتسبب في أعطال محدودة ومؤقتة للبنية التحتية الحيوية بالولايات المتحدة. وحول روسيا، قال التقرير إنها تسعى إلى تقويض النفوذ الأميركي ونثر بذور الشقاق بين الدول الغربية، وداخل التحالفات الغربية، وبناء القدرات التي تمكن موسكو من «تشكيل الأحداث العالمية باعتبارها طرفاً رئيسياً»، مشيراً إلى أنها ستبقى تمثل تهديداً إلكترونياً رئيسياً.
في هذا الوقت، أظهر مسح أجرته «مؤسسة ريغان» للدراسات، في الفترة بين 25 أكتوبر (تشرين الأول) و7 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الجاري، تغييراً في موقف الأميركيين، مما يعتبرونه «التهديد الأكبر» الذي يواجه الولايات المتحدة، ورغبتهم في إبقاء قواعد الجيش منتشرة حول العالم، باستثناء منطقة الشرق الأوسط التي لم تكن ضمن أولوياتهم. واعتبرت غالبية الأميركيين، (52 في المائة)، أن الصين تشكل أكبر تهديد للولايات المتحدة. وجاءت روسيا في المركز الثاني بنسبة 14 في المائة، وهو تحول عما كانت عليه في الاستطلاع الذي أجرته قبل ثلاث سنوات المؤسسة نفسها، عندما كان 30 في المائة من الأميركيين يعتبرون روسيا هي التهديد الأكبر، والصين في المركز الثاني (21 في المائة). وجاءت كوريا الشمالية في المركز الثالث (12 في المائة) وأفغانستان (5 في المائة) وإيران (4 في المائة) والشرق الأوسط (3 في المائة) والعراق (2 في المائة). واعتبر 37 في المائة ممن شملهم الاستطلاع، أن الولايات المتحدة ينبغي أن تنشر معظم قواتها العسكرية في منطقة شرق آسيا، في حين جاء الشرق الأوسط في المرتبة الثانية بنسبة 17 في المائة، ثم جنوب آسيا، مثل باكستان والهند وأفغانستان (9 في المائة) وأوروبا (5 في المائة) وأميركا الوسطى (4 في المائة) وأميركا الجنوبية (1 في المائة) وأفريقيا (1 في المائة).
وكانت «مراجعة للموقف العالمي» أجراها البنتاغون، أوصت أخيراً بأن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أولوية في تموضع القوات الأميركية حول العالم، ودعت إلى ضرورة إجراء تقييم إضافي لمنطقة الشرق الأوسط. وكشف الاستطلاع عن تراجع ثقة الأميركيين بمؤسساتهم، الجيش (45 في المائة تراجعاً من 56 في المائة في استطلاع فبراير/شباط الماضي)، الكونغرس (6 في المائة من 10 في المائة)، المحكمة العليا (18 من 23 في المائة). وقال 59 في المائة إن حرب أفغانستان كانت «فاشلة عموماً»، ارتفاعاً من 50 في المائة. ورغم ذلك، قال 57 في المائة إنهم واثقون بقدرات الجيش الأميركي على توفير الحماية للبلاد، وقال 69 في المائة إن الجيش يمتلك أفضل القدرات العسكرية، ثم الصين (17 في المائة) وروسيا (5 في المائة)، وإسرائيل (2 في المائة) وكوريا الشمالية (1 في المائة)، والمملكة المتحدة (1 في المائة). وقال 42 في المائة إن الولايات المتحدة يجب أن تبقى منخرطة في الأحداث العالمية وأن تكون في موقع القيادة، بينما عارض 30 في هذا التوجه.