قلق غربي من احتمال عزوف ميقاتي وسلام والحريري عن خوض الانتخابات اللبنانية

عودة جلسات الحكومة تصطدم بربط استقالة قرداحي بالملف القضائي

TT
20

قلق غربي من احتمال عزوف ميقاتي وسلام والحريري عن خوض الانتخابات اللبنانية

ينشغل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتهيئة الأجواء لدعوة مجلس الوزراء للانعقاد الأسبوع المقبل لتفعيل العمل الحكومي، حسبما اتفق عليه مع رئيس الجمهورية ميشال عون في اجتماعهما أول من أمس على أن يسبقه حسم استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي التي أصبحت سالكة إلا في حال دخول «حزب الله» على خط تأخيرها بربطها بالاستجابة لمطلب «الثنائي الشيعي» بشأن صلاحية المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار وحصر تحقيقاته مع المتهمين والموقوفين باستثناء رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزراء السابقين والنواب الحاليين علي حسن خليل ونهاد المشنوق وغازي زعيتر لملاحقتهم من قبل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ومع أن «حزب الله» كان أوكل إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري التفاوض لتحقيق ذلك، فإنه يحتفظ لنفسه بتأخير إعطاء «الضوء الأخضر» لاستقالة قرداحي التي تعطي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورقة يُدرجها على جدول أعمال محادثاته مع كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية لفتح ثغرة تتيح البحث في كيفية إنهاء الأزمة التي تحاصر العلاقات اللبنانية - الخليجية.
ويعزو مرجع حكومي سابق أن «حزب الله» يتوخى للإفراج عن استقالة قرداحي، الوصول إلى مقايضتها بتحقيق فك الاشتباك في الملف القضائي كشرط لمعاودة جلسات مجلس الوزراء، ويؤكد أن هذه المسألة متروكة للقضاء اللبناني لأن ميقاتي ليس في وارد التدخل في شؤونه التزاماً منه بمبدأ فصل السلطات، شرط أن يبادر القضاء إلى تصويب مسار التحقيق في انفجار المرفأ والعودة عن الاستنسابية والانتقائية التي يتهم «الثنائي الشيعي» البيطار باتباعها في ادعائه على دياب والوزراء الثلاثة السابقين بخلاف ما نص عليه الدستور الذي يحصر ملاحقتهم بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ويؤكد المرجع الحكومي السابق الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط» أن وكلاء الدفاع عن دياب والنواب الثلاثة سيتقدمون قريباً بدفوع شكلية على خلفية أن لا صلاحية للقضاء العدلي في ملاحقتهم، ويسأل إذا كان ميقاتي باتفاقه مع عون سيوجه الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل في حال استمر الوزراء المحسوبون على «الثنائي الشيعي» على موقفهم بامتناعهم عن حضورها بسبب عدم أخذه بالأسباب التي دفعتهم إلى مقاطعة الجلسات، وبالتالي دخوله في نزاع مع بري و«حزب الله»؟ علماً بأن ميقاتي يؤكد أمام زواره أن لا مشكلة بينه وبين رئيس المجلس النيابي ولا مجال لأي طرف للرهان على اصطدامه به؟
ويعتبر المرجع الحكومي نفسه بأن القضاء يبقى المسلك الوحيد لابتداع الصيغة القضائية التي من شأنها أن تحقق الفصل بين صلاحية البيطار وبين صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ويرى أن ميقاتي يلوح باستعداده لدعوة مجلس الوزراء للانعقاد في محاولة للضغط على الأطراف المعنية لتسريع الاتفاق على حصر مهمة المحقق العدلي بملاحقة المتهمين والموقوفين من غير المشمولين بملاحقتهم أمام المجلس الأعلى.
ويلفت إلى أن دعوة مجلس الوزراء للانعقاد بمن حضر تأتي في إطار الضغط لإخراج تعطيل الحكومة من التأزم، ويقول إن ميقاتي الذي يُحسن تدوير الزوايا بات على قناعة بأن الاستعاضة عن عدم انعقاد مجلس الوزراء بتكثيف اجتماعات اللجان الوزارية لا يفي بالغرض المطلوب لأن هناك ضرورة لاتخاذ القرارات في مجلس الوزراء بدلاً من الاعتماد على إصدار المراسيم الاستثنائية أو اتباع وسيلة أخرى تتعلق بتدبير أمور الدولة وشؤون المواطنين من خلال التوقيع على المراسيم الجوالة التي قد تصلح لملء الفراغ لكنها ليست قابلة للاستمرار.
فلبنان الذي يمر حالياً في ظروف صعبة للغاية مع ارتفاع معدلات الفقر وتدهور القدرة الشرائية للعملة الوطنية لم يعد يحتمل، كما يقول المرجع نفسه، معالجة الأزمات المتراكمة بجرعات من التخدير التي تدفع باتجاه انفجار شامل يصعب السيطرة عليه.
كما أن استبعاد الرهان على دعوة مجلس النواب للانعقاد ليتولى بأكثريته النيابية فك الارتباط في ملف انفجار المرفأ يعود إلى جملة من الاعتبارات، أبرزها أن لا مشكلة في توفير النصاب القانوني للانعقاد وإنما تكمن في تأمين الأكثرية للتصويت على مبدأ فصل التحقيق وتوزيعه بين المحقق العدلي، وبين المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وفي هذا السياق، يقول مصدر نيابي لـ«الشرق الأوسط» إنه لا مفر من التلازم بين استقالة قرداحي، مع أنها لم تعد مستعصية، وبين التحقيق في انفجار المرفأ، ويؤكد أن استعداد «تكتل لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل لحضور الجلسة لتأمين النصاب من دون التصويت على الاقتراح يبقى في حدود رفع العتب من دون أن تكون له مفاعيل سياسية.
ويسأل المصدر النيابي: هل أن باسيل على استعداد لحضور الجلسة في حال امتنع النواب الأعضاء في حزب «القوات اللبنانية» عن حضورها، وبالتالي هل سيتحمل تبعات ردود الفعل المناهضة له في الشارع المسيحي التي ستكون حاضرة في المنافسة الانتخابية؟
كما يسأل عن الصعوبات التي يمكن أن تحول دون تأمين الأكثرية للتصويت على مبدأ الفصل التزاماً بما نص عليه الدستور في هذا الخصوص لوضع حد لخرقه من قبل المجلس العدلي - كما يقول مصدر نيابي آخر مقرب من «الثنائي الشيعي» لـ«الشرق الأوسط» - سيما وأن رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط كان أعرب عن خشيته من دفن التحقيق في انفجار المرفأ.
فرئيس «التقدمي» كان حدد موقفه في هذا الشأن والذي انسحب على اعتراض نواب «اللقاء الديمقراطي» على حصر محاكمة دياب والنواب الثلاثة أمام المجلس العدلي وأيدوا لاحقاً اقتراح رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بتعليق بعض مواد الدستور لفترة انتقالية تسمح برفع الحصانة عن كل المسؤولين.
لذلك سيواجه نواب «اللقاء الديمقراطي» إحراجاً إذا بادروا إلى إعادة النظر في موقفهم، فيما يبدو أن وضع نواب كتلة «المستقبل» لن يكون أفضل حالاً ولن ينخرطوا في صف واحد للتصويت إلى جانب الاقتراح الرامي إلى فك الارتباط في ملف التحقيق، خصوصاً أن بعضهم كان امتنع عن التوقيع على العريضة النيابية المتعلقة بالدفاع عن صلاحيات المجلس الأعلى، فيما بعضهم الآخر اضطر إلى سحب توقيعه عليها.
وتبقى الأولوية لدور القضاء للفصل في ملف التحقيق بين المجلس العدلي والمجلس الأعلى، إلا إذا حصل تبدل في مواقف الكتل النيابية بالاحتكام إلى البرلمان لينوب عن القضاء في هذه المهمة، برغم أن هذا التبدل ليس، حتى إشعار آخر، في متناول اليد.
ولا بد من التوقف أمام تحرك السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا وزميلتها الفرنسية آن غريو بالتلازم مع تحرك عدد من سفراء الاتحاد الأوروبي على المستويين الرسمي والسياسي، الذي يراد منه توجيه رسالة لمن يعنيهم الأمر وحث ميقاتي على عدم الاستقالة ودعم صموده من جهة، وجهوده لإخراج الحكومة من التأزم، مع إصرارهم على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وتحذيرهم من التداعيات السلبية المترتبة على تأجيلها.
ويكمن الأهم في سؤالهم عن صحة ما يتردد من أن ميقاتي والرئيس تمام سلام اتخذا قرارهما بالعزوف عن خوض الانتخابات النيابية، فيما يميل الحريري إلى عدم الترشح رغم أنه لم يتخذ حتى الساعة قراره النهائي، وهذا ما يدعوهم للقلق، كما يقول مصدر دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط»، لما يترتب على قرار رؤساء الحكومات الـ3 من تداعيات في الشارع السني تؤدي إلى خلط الأوراق وتتجاوزه إلى مستقبل الوضع السياسي في البلد لوجود صعوبة في ملء الفراغ الذي يخلفه عزوفهم عن الترشح.
فغياب كبرى القيادات السنية عن المنافسة الانتخابية التي يراهن عليها المجتمع الدولي بدعمه للحراك المدني لإحداث بداية تغيير في إعادة تكوين السلطة سيُحدث خللاً في التوازنات السياسية، يستفيد منه محور «الممانعة» بقيادة إيران باعتماده على حليفه «حزب الله» لملء الفراغ بتركيبه لوائح انتخابية تضم مرشحين معظمهم من «المغمورين» بعد أن أُخليت الساحة له ولم يستجب رؤساء الحكومات للضغوط التي تطلب منهم إعادة النظر في قرارهم.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.