قلق غربي من احتمال عزوف ميقاتي وسلام والحريري عن خوض الانتخابات اللبنانية

عودة جلسات الحكومة تصطدم بربط استقالة قرداحي بالملف القضائي

TT

قلق غربي من احتمال عزوف ميقاتي وسلام والحريري عن خوض الانتخابات اللبنانية

ينشغل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتهيئة الأجواء لدعوة مجلس الوزراء للانعقاد الأسبوع المقبل لتفعيل العمل الحكومي، حسبما اتفق عليه مع رئيس الجمهورية ميشال عون في اجتماعهما أول من أمس على أن يسبقه حسم استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي التي أصبحت سالكة إلا في حال دخول «حزب الله» على خط تأخيرها بربطها بالاستجابة لمطلب «الثنائي الشيعي» بشأن صلاحية المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار وحصر تحقيقاته مع المتهمين والموقوفين باستثناء رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزراء السابقين والنواب الحاليين علي حسن خليل ونهاد المشنوق وغازي زعيتر لملاحقتهم من قبل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ومع أن «حزب الله» كان أوكل إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري التفاوض لتحقيق ذلك، فإنه يحتفظ لنفسه بتأخير إعطاء «الضوء الأخضر» لاستقالة قرداحي التي تعطي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورقة يُدرجها على جدول أعمال محادثاته مع كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية لفتح ثغرة تتيح البحث في كيفية إنهاء الأزمة التي تحاصر العلاقات اللبنانية - الخليجية.
ويعزو مرجع حكومي سابق أن «حزب الله» يتوخى للإفراج عن استقالة قرداحي، الوصول إلى مقايضتها بتحقيق فك الاشتباك في الملف القضائي كشرط لمعاودة جلسات مجلس الوزراء، ويؤكد أن هذه المسألة متروكة للقضاء اللبناني لأن ميقاتي ليس في وارد التدخل في شؤونه التزاماً منه بمبدأ فصل السلطات، شرط أن يبادر القضاء إلى تصويب مسار التحقيق في انفجار المرفأ والعودة عن الاستنسابية والانتقائية التي يتهم «الثنائي الشيعي» البيطار باتباعها في ادعائه على دياب والوزراء الثلاثة السابقين بخلاف ما نص عليه الدستور الذي يحصر ملاحقتهم بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ويؤكد المرجع الحكومي السابق الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط» أن وكلاء الدفاع عن دياب والنواب الثلاثة سيتقدمون قريباً بدفوع شكلية على خلفية أن لا صلاحية للقضاء العدلي في ملاحقتهم، ويسأل إذا كان ميقاتي باتفاقه مع عون سيوجه الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل في حال استمر الوزراء المحسوبون على «الثنائي الشيعي» على موقفهم بامتناعهم عن حضورها بسبب عدم أخذه بالأسباب التي دفعتهم إلى مقاطعة الجلسات، وبالتالي دخوله في نزاع مع بري و«حزب الله»؟ علماً بأن ميقاتي يؤكد أمام زواره أن لا مشكلة بينه وبين رئيس المجلس النيابي ولا مجال لأي طرف للرهان على اصطدامه به؟
ويعتبر المرجع الحكومي نفسه بأن القضاء يبقى المسلك الوحيد لابتداع الصيغة القضائية التي من شأنها أن تحقق الفصل بين صلاحية البيطار وبين صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ويرى أن ميقاتي يلوح باستعداده لدعوة مجلس الوزراء للانعقاد في محاولة للضغط على الأطراف المعنية لتسريع الاتفاق على حصر مهمة المحقق العدلي بملاحقة المتهمين والموقوفين من غير المشمولين بملاحقتهم أمام المجلس الأعلى.
ويلفت إلى أن دعوة مجلس الوزراء للانعقاد بمن حضر تأتي في إطار الضغط لإخراج تعطيل الحكومة من التأزم، ويقول إن ميقاتي الذي يُحسن تدوير الزوايا بات على قناعة بأن الاستعاضة عن عدم انعقاد مجلس الوزراء بتكثيف اجتماعات اللجان الوزارية لا يفي بالغرض المطلوب لأن هناك ضرورة لاتخاذ القرارات في مجلس الوزراء بدلاً من الاعتماد على إصدار المراسيم الاستثنائية أو اتباع وسيلة أخرى تتعلق بتدبير أمور الدولة وشؤون المواطنين من خلال التوقيع على المراسيم الجوالة التي قد تصلح لملء الفراغ لكنها ليست قابلة للاستمرار.
فلبنان الذي يمر حالياً في ظروف صعبة للغاية مع ارتفاع معدلات الفقر وتدهور القدرة الشرائية للعملة الوطنية لم يعد يحتمل، كما يقول المرجع نفسه، معالجة الأزمات المتراكمة بجرعات من التخدير التي تدفع باتجاه انفجار شامل يصعب السيطرة عليه.
كما أن استبعاد الرهان على دعوة مجلس النواب للانعقاد ليتولى بأكثريته النيابية فك الارتباط في ملف انفجار المرفأ يعود إلى جملة من الاعتبارات، أبرزها أن لا مشكلة في توفير النصاب القانوني للانعقاد وإنما تكمن في تأمين الأكثرية للتصويت على مبدأ فصل التحقيق وتوزيعه بين المحقق العدلي، وبين المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وفي هذا السياق، يقول مصدر نيابي لـ«الشرق الأوسط» إنه لا مفر من التلازم بين استقالة قرداحي، مع أنها لم تعد مستعصية، وبين التحقيق في انفجار المرفأ، ويؤكد أن استعداد «تكتل لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل لحضور الجلسة لتأمين النصاب من دون التصويت على الاقتراح يبقى في حدود رفع العتب من دون أن تكون له مفاعيل سياسية.
ويسأل المصدر النيابي: هل أن باسيل على استعداد لحضور الجلسة في حال امتنع النواب الأعضاء في حزب «القوات اللبنانية» عن حضورها، وبالتالي هل سيتحمل تبعات ردود الفعل المناهضة له في الشارع المسيحي التي ستكون حاضرة في المنافسة الانتخابية؟
كما يسأل عن الصعوبات التي يمكن أن تحول دون تأمين الأكثرية للتصويت على مبدأ الفصل التزاماً بما نص عليه الدستور في هذا الخصوص لوضع حد لخرقه من قبل المجلس العدلي - كما يقول مصدر نيابي آخر مقرب من «الثنائي الشيعي» لـ«الشرق الأوسط» - سيما وأن رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط كان أعرب عن خشيته من دفن التحقيق في انفجار المرفأ.
فرئيس «التقدمي» كان حدد موقفه في هذا الشأن والذي انسحب على اعتراض نواب «اللقاء الديمقراطي» على حصر محاكمة دياب والنواب الثلاثة أمام المجلس العدلي وأيدوا لاحقاً اقتراح رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بتعليق بعض مواد الدستور لفترة انتقالية تسمح برفع الحصانة عن كل المسؤولين.
لذلك سيواجه نواب «اللقاء الديمقراطي» إحراجاً إذا بادروا إلى إعادة النظر في موقفهم، فيما يبدو أن وضع نواب كتلة «المستقبل» لن يكون أفضل حالاً ولن ينخرطوا في صف واحد للتصويت إلى جانب الاقتراح الرامي إلى فك الارتباط في ملف التحقيق، خصوصاً أن بعضهم كان امتنع عن التوقيع على العريضة النيابية المتعلقة بالدفاع عن صلاحيات المجلس الأعلى، فيما بعضهم الآخر اضطر إلى سحب توقيعه عليها.
وتبقى الأولوية لدور القضاء للفصل في ملف التحقيق بين المجلس العدلي والمجلس الأعلى، إلا إذا حصل تبدل في مواقف الكتل النيابية بالاحتكام إلى البرلمان لينوب عن القضاء في هذه المهمة، برغم أن هذا التبدل ليس، حتى إشعار آخر، في متناول اليد.
ولا بد من التوقف أمام تحرك السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا وزميلتها الفرنسية آن غريو بالتلازم مع تحرك عدد من سفراء الاتحاد الأوروبي على المستويين الرسمي والسياسي، الذي يراد منه توجيه رسالة لمن يعنيهم الأمر وحث ميقاتي على عدم الاستقالة ودعم صموده من جهة، وجهوده لإخراج الحكومة من التأزم، مع إصرارهم على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وتحذيرهم من التداعيات السلبية المترتبة على تأجيلها.
ويكمن الأهم في سؤالهم عن صحة ما يتردد من أن ميقاتي والرئيس تمام سلام اتخذا قرارهما بالعزوف عن خوض الانتخابات النيابية، فيما يميل الحريري إلى عدم الترشح رغم أنه لم يتخذ حتى الساعة قراره النهائي، وهذا ما يدعوهم للقلق، كما يقول مصدر دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط»، لما يترتب على قرار رؤساء الحكومات الـ3 من تداعيات في الشارع السني تؤدي إلى خلط الأوراق وتتجاوزه إلى مستقبل الوضع السياسي في البلد لوجود صعوبة في ملء الفراغ الذي يخلفه عزوفهم عن الترشح.
فغياب كبرى القيادات السنية عن المنافسة الانتخابية التي يراهن عليها المجتمع الدولي بدعمه للحراك المدني لإحداث بداية تغيير في إعادة تكوين السلطة سيُحدث خللاً في التوازنات السياسية، يستفيد منه محور «الممانعة» بقيادة إيران باعتماده على حليفه «حزب الله» لملء الفراغ بتركيبه لوائح انتخابية تضم مرشحين معظمهم من «المغمورين» بعد أن أُخليت الساحة له ولم يستجب رؤساء الحكومات للضغوط التي تطلب منهم إعادة النظر في قرارهم.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».