إطلاق «ميثاق الملك سلمان العمراني» كإطار عام لإثراء الهويات المحلية المعاصرة

مبادرة «ميثاق الملك سلمان العمراني» تطلق عصراً جديداً من الابتكار وتفتح الآفاق نحو مزيد من الإبداع (الشرق الأوسط)
مبادرة «ميثاق الملك سلمان العمراني» تطلق عصراً جديداً من الابتكار وتفتح الآفاق نحو مزيد من الإبداع (الشرق الأوسط)
TT

إطلاق «ميثاق الملك سلمان العمراني» كإطار عام لإثراء الهويات المحلية المعاصرة

مبادرة «ميثاق الملك سلمان العمراني» تطلق عصراً جديداً من الابتكار وتفتح الآفاق نحو مزيد من الإبداع (الشرق الأوسط)
مبادرة «ميثاق الملك سلمان العمراني» تطلق عصراً جديداً من الابتكار وتفتح الآفاق نحو مزيد من الإبداع (الشرق الأوسط)

كشفت هيئة فنون العمارة والتصميم أمس (الأربعاء) عن تفاصيل مبادرة «ميثاق الملك سلمان العمراني»، الذي يُطلق عصراً جديداً من الابتكار، ويفتح الآفاق نحو مزيد من الإبداع في البيئات العمرانية مع الاحتفاظ بالعناصر الثقافية الفريدة في السعودية.
وفي الحفل الذي أقيم بقصر طويق في الحي الدبلوماسي بالرياض، الذي حضره مسؤولون ومختصون ومهتمون بقطاع العمارة والتصميم، شاهد الحضور فيلماً توثيقياً قصيراً، قدمت خلاله مجموعة من النخبة الإدارية التي عاصرت مراحل من بناء وتوسع العاصمة السعودية، شهادتها على البصمة والتأثير الذي طبعه الملك سلمان على معالم وملامح مدينة الرياض.
وقال نائب وزير الثقافة في كلمته إن إطلاق ميثاق الملك سلمان العمراني «يأتي احتفاءً بالقيم التي حرص خادم الحرمين الشريفين على وجودها في المشاريع العمرانية في منطقة الرياض إبّان إمارته لها، لتتشكّل بذلك ملامح هوية عمرانية مميزة، نفخر بأن نضعها في إطار علمي منهجي تحت مسمى «ميثاق الملك سلمان العمراني»، مُضيفاً «أن هذا الميثاق لم يأت إلا نتيجة دراسة واستيعاب واسعين لكل أبعاد نمط العمارة السلمانية ودلالاتها الثقافية والاجتماعية، ساعين لأن يكون بداية لرؤية أصيلة وفريدة تساهم في تشكيل هوية عمرانية لمختلف مناطق المملكة مع مراعاتها للعناصر الفريدة لكل منطقة».

من جهتها، قالت الرئيس التنفيذي لهيئة فنون العمارة والتصميم الدكتورة سمية السليمان: «إن ميثاق الملك سلمان العمراني يأتي استلهاماً لمسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في رسم الوجه الحضاري والمعماري لمدينة الرياض، استناداً على جذورنا وثقافتنا وهويتنا الوطنية، وهو ما نستشعر حضوره الحي، الذي ينبض بروح الهوية الثقافية الأصيلة مع التطور الهائل في ظل خادم الحرمين الشريفين وولي عهده».
وأوضحت الدكتورة سمية السليمان في كلمتها بأن هيئة فنون العمارة والتصميم أثناء إعدادها لميثاق الملك سلمان العمراني استخلصت القيم التوجيهية السامية، ثم أعادت صياغتها في قالب علمي، من أجل إثراء الإنتاج الفكري والعمراني، وتعميق التجارب والحوار، واستحداث هويات محلية معاصرة تلتزم بالإطار العام لهذا الميثاق، مع مراعاة التنوع في بلادنا من حيث التضاريس والمناخ والتقاليد والتراث العمراني. ونحن إذ نقدم هذا الميثاق، فإننا في الوقت ذاته نتشرف بهذه المسؤولية الكبيرة، ونعتز بدورنا في تقديم منهجية وطنية في وثيقة متكاملة لتحقيق التميز العمراني وتحسين جودة الحياة، لتكون مرجعاً لجميع من لهم دور في خلق بيئات عمرانية تحاكي التطورات المستقبلية في بلادنا.

وشارك الحضور في جولة داخل المعرض الفني الخاص بالميثاق، الذي سيستمر لمدة أربعة أسابيع في قصر طويق، وفي استقبال قاصديه للتعرّف على رؤية الملك سلمان بن عبد العزيز، في فنون العمارة المحلية التي انعكست في الكثير من معالم العاصمة السعودية، إبان توليه إمارتها لقرابة خمسة عقود، ويضم المعرض، مجموعة من المحتويات والنماذج المعمارية الفريدة، الذي يُعد قصر طويق بحي السفارات حيث مقر المناسبة، واحداً منها.
وتهدف المبادرة إلى تأصيل العمارة السلمانية، وتجسيدها من حيث الفلسفة والنهج التصميمي في عدة قيم، حيث يستعرض معرض ميثاق الملك سلمان العمراني الاحتفاء بالرؤية العمرانية الشاملة التي تم استلهامها من تأثير الملك سلمان بن عبد العزيز في توجيه المحددات الشكلية لبناء المؤسسات العامة واحتفاظها بطابع عمراني وطراز فريد.

ويحتوي المعرض على مشاريع مميزة حاصلة على جوائز عالمية ومحلية، كما يُعرّف بقيم ومبادئ الميثاق لتُساعد على توجيه المصممين نحو القيم الثقافية التي ابتدأت في مدينة الرياض، ليصل تأثيرها إلى بقية مناطق المملكة والعالم.



«الأكل العاطفي» تُحوّله الحرب إعلاناً للحياة... ولا تغفر مبالغاته

تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
TT

«الأكل العاطفي» تُحوّله الحرب إعلاناً للحياة... ولا تغفر مبالغاته

تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)

يقصد عيادةَ اختصاصية الطبّ الغذائي والتغذية العيادية، الدكتورة فيرا متّى، مواظبون على خطط غذائية تقي ويلات؛ منها السكّري. هؤلاء، في معظمهم، لم يغادروا المنازل نحو سقوف تتراءى آمنة من التوحّش المُعادي. في مقابلهم، يُفرِط كثيرون في تناول الطعام لسدّ حاجة إلى امتلاء تفرضه فراغات مؤلمة. لطالما تأكّدت العلاقة الشائكة بين المعدة والعالم الخارجي، وبدا وثيقاً الرابط بين الطعام والظرف. هذه أيامٌ مضطربة. جَرْفٌ من النزوح والخوف وفوضى الوقت. لذا تتدخّل الشهية في ترميم ما يتجوَّف. وتمنح بعض الأصناف اللذيذة شعوراً بالسكينة. فماذا يحدُث لدواخلنا، وهل النجاة حقاً بالأكل؟

اختصاصية الطبّ الغذائي والتغذية العيادية الدكتورة فيرا متّى (حسابها الشخصي)

ينطبق وَصْف «الأكل العاطفي» على ملتهمي الطعام الملوَّعين بالمآسي. تقول الدكتورة متّى، إنهم يشاءون مما يتناولونه الإحساس بواقع أفضل. تتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن وَقْع الاضطراب في الأجساد والنفوس، فتتصدّى له، عموماً، أصناف المأكولات وكمّياتها: «تاركو المنازل يتابعون النقل المباشر للحرب دون انقطاع. يتفاقم توتّرهم وينمو الشعور بعدم الأمان. ذلك يعزّز هرمونات تشتهي أنواع السكّر، وقد تتعدّى الرغبةُ الحلويات إلى الأملاح، دفعةً واحدة، دون فاصل أو استراحة أضراس».

تحسم تبدُّل العادات الغذائية أو تأثّرها في أقل تقدير. فغذاء النازح غالباً «غير صحّي»، ويُعمّق سوءه «النوم المتقطّع، والروتين المستجدّ». تشرح: «ضرر ذلك على الأطفال الحدّ من نموّهم الفكري والجسدي، بينما يمسُّ هرمون الكورتيزول المُسبِّب تكوُّن الدهون على بطن الكبار، فتتحقّق زيادة الوزن وإن قلَّ التهام الطعام جراء اضطراب النوم والتوتّر العالي. هنا، يتحوّل كل ما يدخل الفم إلى دهون لإصابة هذا الهرمون بالارتفاع اللافت مُحوطاً بعوامل تُصعِّب انخفاضه».

تستوقفها وضعية التغذية المستجدّة، لتراوحها بين القلّة والسوء: «قد يحضُر الطعام على شكل معلّبات مثلاً. هذه طافحة بالصوديوم والسكّر المُضاف، وتحتوي مواد كيميائية تُسبّب السرطان على المدى الطويل. بذلك، لا يعود نقصُ الطعام مُسبِّبَ المرض؛ وإنما سوءه».

غذاء النازح غالباً غير صحّي ويُعمّق سوءه النوم المتقطّع (أ.ف.ب)

ما يُفعِّل تناقُل الأمراض، وفق فيرا متّى، «الطعام غير المحفوظ جيداً». تتحدّث عن حالات بكتيرية تتمثّل في عوارض؛ منها التقيّؤ واضطراب الأمعاء، لغياب الثلاجات أو انقطاع الكهرباء. «ذلك يُخفّض المناعة وينشر الأوبئة، خصوصاً بين الأطفال. أما الكبار فيفاقمون مشكلات السكّري والشرايين والكولسترول وتشحُّم الكبد إنْ عانوها».

تعطي نسبة 20 في المائة فقط، من بين مَن تابعتْ حالتهم الغذائية، لمن لا يزالون يلتزمون نظامهم الصحّي. آخرون لوَّعهم السكّري، فازدادوا لوعة، وضخَّم تبدُّلُ غذائهم معاناتهم مع الأمراض. من دورها العيادي، تحاول إعادة أمور إلى نصابها: «نركّز اليوم على السلامة الغذائية، وكيفية تعامُل النازحين مع واقعهم الصحّي. دورنا توعوي. علينا الحدّ من التسمُّم، فأزمة الدواء لم تُحلّ، والمستشفيات توفّر استيعابها للجرحى. لا بدّ من تفادي تحميلها أعباء إضافية».

تفترض إخضاع اللبنانيين لفحص يختبر انجراف معظمهم خلف «الأكل العاطفي»، وتضمن النتيجة: «قلة فقط ستكون خارج القائمة». تصوغ معادلة هذه الأيام: «تلفزيون وبرادات. الالتهام فظيع للأخبار والمأكولات. لا شيء آخر. نحاول جَعْل هذا البراد صحّياً».

إنها الحرب؛ بشاعتها تفرض البحث عن ملاذ، ومطاردة لحظة تُحتَسب، والسعي خلف فسحة، فيتراءى الطعام تعويضاً رقيقاً. بالنسبة إلى الدكتورة متّى إنه «إحساس بالامتلاء وبأنّ مَن يتناوله لا يزال حياً». تحت قسوة هذه الأيام ومُرّها، لا يعود الإحساس بالذنب المُرافق للإفراط في تناوله، هو الغالب... «يتراجع ليتقدّم الشعور بالنجاة. مساعي البقاء تهزم فكرة الكيلوغرامات الزائدة. بإمكان الأكل العاطفي إتاحة المساحة للراحة والسعادة. ذلك يسبق تسبّبه في ثقل وزيادة الوزن. بتحقّقهما، يلوح الذنب، وإنما في مرحلة لاحقة، بعد بهجة الامتلاء الداخلي».

ضرر سوء الغذاء على الأطفال يمسّ بنموّهم الفكري والجسدي (د.ب.أ)

تتفهّم الحاجة إلى اللحاق بكل ما يُعزّي والتشبُّث به. الطعام يتقدَّم. ترى أن لا أحد مخوَّلاً تقديم نصيحة لنازح من نوع «اضبط شهيتك بينما القصف في جوارك». برأيها، «يكفي الخوف وحده شعوراً سيئاً». يهمّها «الحدّ من نتائج كارثية ستظهر بوضوح بعد الحرب»، مُفضِّلة الاستعانة بالتمر مثلاً بدل «القضاء على علبة شيكولاته» والقهوة البيضاء لتقليص ضخّ الكافيين.

وتنصح بالتنفُّس والرياضة، فهما «يهدّئان هرمون الأعصاب»، وبالنظافة بما «تشمل غلي الماء قبل استعماله حال الشكّ في مصدره». تضيف: «الاستغناء عن تناول دجاج ولحوم أُبقيت مدّة خارج الثلاجة، لاحتمال فسادها، على عكس الحمّص والصعتر، مثلاً، القابلَيْن لعمر أطول». أما الحصص الغذائية، فالمفيد منها «التونة والسردين والأرز والمعكرونة وزيت الزيتون، ولا بأس بمعلّبات البازلاء والذرة بديلاً للخضراوات. يُفضَّل استبعاد اللحوم المصنّعة. الحليب المجفَّف جيّد أيضاً لغياب الطبيعي».