حمدوك يرهن بقاءه بالتزام الجيش «اتفاق 21 نوفمبر»

اعتكف يومين قبل أن يلغي قرارات لقائد الجيش

عبد الله حمدوك أجرى تعديلات مهمة في 20 وزارة (إ.ب.أ)
عبد الله حمدوك أجرى تعديلات مهمة في 20 وزارة (إ.ب.أ)
TT

حمدوك يرهن بقاءه بالتزام الجيش «اتفاق 21 نوفمبر»

عبد الله حمدوك أجرى تعديلات مهمة في 20 وزارة (إ.ب.أ)
عبد الله حمدوك أجرى تعديلات مهمة في 20 وزارة (إ.ب.أ)

خرج رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك من اعتكاف اختياري لمدة يومين، مظهراً العزم على مواجهة «الشريك العسكري» فأنهى، أمس، قرارات أصدرها القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان بتكليف وكلاء الوزارات، ورهن بقاءه في منصبه بالتوافق بين القوى السياسية والالتزام بالاتفاق مع الجيش.
وجاء في قرار أصدره حمدوك أنه أنهى تكليف وكلاء الوزارة الذين سبق تكليفهم تسيير مهامها، عقب إعفاء البرهان وكلاء الوزارات بعد إجراءات 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتكليف 20 وكيلاً جديداً لتسيير مهام الوزارات، وهي إشارة إلى عزمه على إعفاء عدد من موظفي الخدمة المدنية أُعيدوا للخدمة بقرارات من البرهان. وتناقلت تقارير صحافية أن معظمهم من أتباع نظام الإسلاميين الذي أسقطته الثورة الشعبية.
ونقلت «رويترز» عن مصدر مقرب من حمدوك قوله: «إنه لن يبقى في منصبه، إلا بتطبيق الاتفاق السياسي مع الجيش، الذي عاد حمدوك بموجبه لرئاسة الوزراء، وبالتوافق بين القوى السياسية».
وعلمت «الشرق الأوسط» أن معظم الطاقم القديم في مكتب رئيس الوزراء يرفض العودة للعمل معه، في وقت يواجه حالة من عدم الالتزام الكامل بالاتفاق الذي وقعه مع الجيش، فاعتكف في منزله لمدة يومين لم يزاول خلالها مهامه من مكتبه، ما فُسر «تلويحاً بالاستقالة» في مواجهة حالة «عدم الرضا» من قبله بالتزام المكون العسكري بـ«اتفاق 21 نوفمبر (تشرين الثاني)» الماضي.
وأثار «اتفاق 21 نوفمبر» ضجة كبيرة، إذ أعلنت القوى التي كانت تمثل المرجعية السياسية للحكومة المقالة رفضها له، كما رفضته المواكب المليونية، المتواصلة منذ استيلاء الجيش على السلطة، مرددة شعارها الثلاثي: «لا تفاوض، ولا شراكة، ولا شرعية» مع العسكريين.
ومنذ إطاحة البرهان بحكومته، ظل حمدوك قيد الإقامة الجبرية في منزله، قبل أن تفلح وساطات دولية ومحلية في إعادته لمنصبه، بموجب اتفاق سياسي وقعه مع البرهان في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعدما كان قائد الجيش حل مجلسي السيادة والوزراء، وأقال وكلاء الوزارات، وحكام الأقاليم. فضلاً عن اعتقال عدد من الوزراء ومساعدي حمدوك والقادة السياسيين، ونشطاء المجتمع المدني وقادة لجان المقاومة الشعبية.
ونص الاتفاق المكون من 14 بنداً على العودة للوثيقة الدستورية، وإعطاء رئيس الوزراء صلاحيات كاملة في تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وحماية المحتجين السلميين. لكن السلطات العسكرية لم تلتزم بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، بل وجهت اتهامات جنائية بتهم تحريض الجيش وإثارة التذمر داخله، قبل أن يتم إطلاق سراحهم بالكفالة الشخصية، في الوقت الذي لم يتوقف العنف المفرط الذي دأبت القوات العسكرية على استخدامه ضد المحتجين السلميين، وهو ما شهدته الساحات قرب القصر الرئاسي أول من أمس الثلاثاء.
ووقعت القوى السياسية والجماعات التي لعبت دوراً رئيسياً في الثورة، وأسهمت في إسقاط حكم الإسلاميين بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير في أغسطس (آب) 2019 وثيقة دستورية، نصت على تقاسم السلطة مع الجيش. بيد أن البرهان اتخذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إجراءاته الشهيرة التي اعتبرت «انقلاباً عسكرياً» ضد الحكومة المدنية، وأبعد بموجبها شركاء الحكم عن السلطة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم