نيللي: لم أعتزل الفن... والفوازير حياتي

خلال لقاء مفتوح مع جمهور «القاهرة السينمائي»

الفنانة نيللي والناقد طارق الشناوي في ندوة بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)
الفنانة نيللي والناقد طارق الشناوي في ندوة بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)
TT

نيللي: لم أعتزل الفن... والفوازير حياتي

الفنانة نيللي والناقد طارق الشناوي في ندوة بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)
الفنانة نيللي والناقد طارق الشناوي في ندوة بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

نفت الفنانة نيللي اعتزالها التمثيل، رغم غيابها عن تقديم أي أعمال فنية منذ نحو ربع قرن، مؤكدة أنها اعتذرت عن أعمال عُرضت عليها لم تكن تناسبها، مشيرة إلى أنها لم تتصور نفسها في أي وقت بعيدة عن الفن الذي شكّل حياتها منذ بدأت التمثيل وهي طفلة لم يتعدَّ عمرها 4 سنوات.
وقالت نيللي خلال حوار مفتوح، أمس، مع جمهور «مهرجان القاهرة السينمائي» عُقد في إطار تكريمها ومنحها جائزة «الهرم الذهبي»: «لا أعرف ما هي الظروف التي قد تدفعني للعودة إلى الأعمال الفنية»، منوهةً إلى اعتزازها بمسيرتها وبما قدمته من أعمال.
وقبل بداية اللقاء، أكد رئيس المهرجان محمد حفظي، أن اختيار اللجنة العليا للمهرجان تكريم نيللي جاء بالإجماع، وأنه أراد أن يخبرها بنفسه بوصفها فنانة أسهمت كثيراً بأفلامها وأدوارها التلفزيونية في تحقيق البهجة للجمهور، وظل إحساس شهر رمضان مرتبطاً بها على مدى سنوات قدمت فيها الفوازير.
فيما قال الناقد طارق الشناوي الذي أدار اللقاء، إن «الرهان على نيللي كممثلة جاء لأنها فنانة متعددة الأوجه، لديها القدرة على إشاعة البهجة، وإثارة إحساس الشجن لدى المشاهد بنفس الدرجة»، مؤكداً أن مرور الأيام يزيد نيللي طفولة.
 

الأجواء الكوميدية تسيطر على افتتاح «القاهرة السينمائي»

وتربعت نيللي على عرش الاستعراض، وصارت على درب شقيقتها التي سبقتها الطفلة المعجزة فيروز، وظهرت موهبتها مبكراً مع اهتمام والدها بإلحاق بناته بدروس الباليه والموسيقى، وظهرت نيللي كطفلة في أفلام «الحرمان»، و«عصافير الجنة»، و«رحمة من السماء»، و«توبة»، في خمسينات القرن الماضي، لكن أول عمل قدمته بعد أن كبرت كان من خلال المسلسل الإذاعي «شيء من العذاب» أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب، حيث لم يكن الجمهور يعرفها وقتها وكان يتساءل عمن تكون صاحبة هذا الصوت.
وأوضحت نيللي خلال اللقاء أمس، تفاصيل ذلك قائلة: «كنت أصور فيلم (المراهقة الصغيرة) أمام الفنانة ليلى فوزي وهي مَن أخبرت الموسيقار محمد عبد الوهاب عني لهذا الدور، كنت وقتها أتمتع بشقاوة وكان الدور لايق عليّ، وقد تعمد المخرج محمد علوان عدم ذكر اسمي في مقدمة المسلسل مما أثار فضول المستمعين عن صاحبة هذا الصوت».

وقدمت نيللي عبر مسيرتها 73 فيلماً، شكّلت والنجم الراحل محمود ياسين ثنائياً فنياً في أفلام عديدة، ويمثل فيلم «العذاب امرأة» تحولاً كبيراً في أدوارها، لتؤدي بإقناع كبير شخصية تنطوي على قدر كبير من الشر. تقول: «كنت ومحمود ياسين مناسبين تماماً لبعضنا في الأفلام التي جمعتنا، فهو كان نجماً سينمائياً كبيراً، وقد عرض عليّ المخرج أحمد يحيي وقتها أن ألعب شخصية أخرى طيبة بالفيلم لكنني بعد قراءة السيناريو تحمست لدور الشريرة وحاول الجميع ثنيي عنه لكنني تمسكت به وحقق نجاحاً كبيراً لدى الجمهور ونلت عنه عدة جوائز».
ونفت نيللي خلال اللقاء ما تردد عن مشروع فيلم كان سيجمعها بالفنان الراحل عبد الحليم حافظ، وقالت: «ظهرت معه في أثناء استعداده لتقديم أغنية قارئة الفنجان وكان يريد أن يعمل دعاية لها فدعاني لكي أقرأ له الفنجان».
وخطفت النجمة الكبيرة قلوب الجمهور من خلال فوازير رمضان التي برعت بها، وقدمت من خلالها الاستعراض والغناء والتمثيل، وقالت نيللي أمس: «عشت لحظات صعبة في أثناء تصوير الفوازير، فقد كنت أعمل على مدى 24 ساعة وكانوا يضعون لي سريراً لأنام عليه لعدة دقائق داخل الديكور، وأواصل التصوير بعدها... ظلت الفوازير هي عمري وحياتي وأجمل ذكرياتي». وتعتقد نيللي أن الفنانة الشابة دنيا سمير غانم تتمتع بـ«موهبة وقدرات استعراضية كبيرة»، بما قد يجعلها تحذو حذوها.



«خيال مآتة»... حارس الحقول يُلهم تشكيلياً

«خيال مآتة» يلهم فنانين تشكيليين مصريين (الشرق الأوسط)
«خيال مآتة» يلهم فنانين تشكيليين مصريين (الشرق الأوسط)
TT

«خيال مآتة»... حارس الحقول يُلهم تشكيلياً

«خيال مآتة» يلهم فنانين تشكيليين مصريين (الشرق الأوسط)
«خيال مآتة» يلهم فنانين تشكيليين مصريين (الشرق الأوسط)

تُلهم الطبيعة المبدعين، وتوقظ ذاكرتهم ومخزونهم البصري والوجداني، وفي معرض الفنان المصري إبراهيم غزالة المقام بغاليري «بيكاسو أست» بعنوان (خيال مآتة) تبرز هذه العلاقة القديمة المستمرة ما بين ثلاثية الذاكرة والطبيعة والفن، عبر 25 لوحة زيتية وإكريلك تتأمل خيالات وجماليات الحقول في ريف مصر.

و«خيال المآتة» هو ذلك التمثال أو المجسم الذي اعتاد الفلاح المصري أن يضعه في وسط الحقل لطرد الطيور التي تلتهم البذور أو المحصول، وهو عبارة عن جلباب قديم محشو بالقش، يُعلق على عصا مرتفعة، مرتدياً قبعة لمزيد من إخافة الطير التي تظن أن ثمة شخصاً واقفاً بالحقل، فلا تقترب منه، ولا تؤذي النباتات.

والفكرة موجودة ومنتشرة في العديد من دول العالم، ويُسمى «فزاعة» في بلاد الشام، و«خراعة» في العراق.

جسد الفنان إبراهيم غزالة البيئة الريفية في معرضه (الشرق الأوسط)

«تلتقي الذكريات بالمشاعر لتجسد رحلة إنسانية فريدة من نوعها»... إحدى الجمل التي تناثرت على جدران القاعة والتي تعمق من سطوة العاطفة على أعمال المعرض، فمعها كانت هناك كلمات وجمل أخرى كلها تحمل حنيناً جارفاً للطفولة واشتياقاً لاستعادة الدهشة التي تغلب إحساس الصغار دوماً، وهو نفسه كان إحساس غزالة وفق قوله.

«في طفولتي لطالما كان (خيال المآتة) منبعاً للسعادة والبهجة مثل سائر أطفال القرية التي نشأت فيها، فهو بشكله الملون الزاهي غير التقليدي وأهميته التي يشير إليها الكبار في أحاديثهم، كان مثيراً للدهشة والفضول ويستحق أن نجتمع حوله، نتأمله وهو يعمل في صمت، متحملاً البرد والحر، ويترك كل منا العنان لخياله لنسج قصص مختلفة عنه».

يقدم الفنان (خيال مآتة) برؤية فلسفية إنسانية (الشرق الأوسط)

توهج خيال الأطفال تجاه (خيال المآتة) بعد الالتحاق بالمدرسة، وكان الفضل لقصة (خيال الحقل) للكاتب عبد التواب يوسف التي كانت مقررة على طلاب المرحلة الابتدائية في الستينات من القرن الماضي.

يقول غزالة لـ«الشرق الأوسط»: «خلال سطورها التقينا به من جديد، لكن هذه المرة كان يتكلم ويحس ويتحرك، وهو ما كان كافياً لاستثارة خيالنا بقوة أكبر».

ومرت السنوات وظل (خيال المآتة) كامناً في جزء ما من ذاكرة غزالة، إلى أن أيقظته زيارة قام بها إلى ريف الجيزة (غرب القاهرة) ليفاجأ بوجود الكائن القديم الذي داعب خياله منذ زمن، وقد عاد ليفعل الشيء نفسه لكن برؤية أكثر نضجاً: «وقعت عيني عليه مصادفةً أثناء هذه الزيارة، وقمت بتكرار الزيارة مرات عدة من أجل تأمله، وفحصه من كل الجوانب والأبعاد على مدى سنتين، إلى أن قررت أن أرسمه، ومن هنا كانت فكرة هذا المعرض».

أحد أعمال معرض (خيال مآتة)

تناول الفنان (خيال المآتة) من منظور فلسفي مفاده أن مكانة شيء ما إنما تنبع في الأساس من دوره ووظيفته ومدى ما يقدمه للآخرين من عطاء، حتى لو كان هذا الشيء مجرد جماد وليس إنساناً يقول: «لكم تأكد لي أنه بحق له أهمية كبيرة للمجتمع، وليس فقط بالنسبة للفلاح؛ فهو يصون الثروة الزراعية المصرية».

ويعتبر الفنان التشكيلي المصري خيال المآتة مصدراً للسعادة والبهجة؛ إذ «يسمح للمزارعين بالمرور بلحظة الحصاد من دون حسرة على فقْد محصولهم، كما أنه رمز لبهجة الأطفال والإحساس بالأمان للكبار ضد غزوات الطيور على حقولهم». وفق تعبيره.

غزالة استدعى حكايات وأساطير من طفولته (الشرق الأوسط)

في المعرض تباينت أشكال «خيال المآتة»؛ فقد جعله طويلاً مرة وقصيراً مرة أخرى، ورجلاً وامرأة وطفلاً، يرتدي ملابس متعددة، مزركشة أو محايدة خالية من النقوش والتفاصيل: «ظن زائرو المعرض في افتتاحه أنني أنا الذي فعلت ذلك لـ(خيال المآتة)، لكن الحقيقة أنه الفلاح المصري الذي أبدع في إثراء شكله وتجديده مستعيناً بفطرته المحبة للجمال والفرحة، وما فعلته هو محاكاته مع لمسات من الذاكرة والخيال».

ووفق غزالة فإن «المزارع برع في كسوة هذا المجسم بملابس مختلفة ذات ألوان زاهية، وأحياناً صارخة مستوحاة من الطبيعة حوله، إنها الملابس القديمة البالية لأفراد أسرته، والتي استغنى عنها، وأعاد توظيفها تطبيقاً للاستدامة في أبسط صورها».

الفنان إبراهيم غزالة (الشرق الأوسط)

جمعت الأعمال ما بين الواقعية والتجريدية وتنوعت مقاساتها ما بين متر ومتر ونصف، جسدت بعضها الطيور مثل «أبو قردان»، واحتفى بعضها الآخر بجمال المساحات الخضراء الممتدة والنخيل والأشجار الكثيفة، لكنها في النهاية تلاقت في تعبيرها عن جمال الحياة الريفية البسيطة.