عائشة الدرمكي: الرواية الخليجية تتطور بشكل كبير وتقدم أنماطاً سردية جديدة

الأكاديمية العمانية ترى أن الموروث الشفاهي لم يلقَ ما يستحق من الاهتمام

عائشة الدرمكي
عائشة الدرمكي
TT

عائشة الدرمكي: الرواية الخليجية تتطور بشكل كبير وتقدم أنماطاً سردية جديدة

عائشة الدرمكي
عائشة الدرمكي

للأكاديمية العمانية د.عائشة الدرمكي شغف خاص بقضايا التراث، وترى أنه محصلة خبرة وعلامات أنتجها الإنسان، وأسس من خلالها علاقته بمحيطه الاجتماعي والفضاء الخارجي، لذلك هو وثيق الصلة بعلم «السيمولوجيا». وهي كانت من أوائل من ربطوا بينه وبين التراث في عدد من أعمالها، إضافة إلى جهودها في توثيق الموروث الشفاهي الخليجي في نموذجه العماني، ولها أيضاً دراسات في فك شفرة الحنين بين المبدعين والأمكنة. انضمت أخيراً لمجلة «نزوى» الثقافية، كمستشارة لها، كما تشارك في لجان تحكيم المسابقات الأدبية. هنا حوار معها حول هذا المشوار وعلاقتها بقضايا الأدب والتراث:

> اندهش كثيرون حين أكدتِ أن شغفكِ بالتراث وأساطيره وحكاياته كان مدخلكِ للتخصص في علم «السيميائيات». كيف ترين العلاقة بين هذين العالمين اللذين قد يبدوان متناقضين للوهلة الأولى؟
- نعم قد تبدو «السيميائيات» بعيدة عن التراث لمن لا يعرف أنها نشأت في حضن المجتمع؛ فقد عرَّفها فرديناند دوسوسير بأنها (علم يدرس العلامات الاجتماعية)، ولهذا فإن التراث، وبخاصة الحكايات والأساطير حظيت باهتمام كبير من السيميائيات ودراساتها، إضافة إلى علوم اللغة الاجتماعية والجغرافية والنفسية وغيرها. ولهذا كان شغفي بدراسة التراث الثقافي منطلَقاً أساسياً لدراسة هذا العلم المهم الذي يدرس علاقة الإنسان بوصفه علامة بما ينتجه من علامات، وما يؤسسه منها، بل ما يحيطه منها في الفضاء الخارجي.
العلاقة بين التراث الثقافي والسيميائيات وطيدة جداً لأن التراث عبارة عن علامات أنتجها الإنسان ليستطيع تشكيل منظومته الاجتماعية الخاصة، ولهذا فإن تلك العلامات هي التي تشكل أساس الدراسات السيميائية المختلفة.
> العلاقة بين السيمائيات ولغة الجسد المصاحبة للكلام كانت موضع أطروحتكِ للدكتوراه. ما الذي جذبكِ لهذا الموضوع وما أبرز الخلاصات التي خرجتِ بها؟
- ما دفعني لاختيار هذا الموضوع أولاً أهمية علامات الجسد في التواصل الإنساني، فهو موضوع شائق من ناحية قدرة هذه العلامات على إرسال الرسائل وتأسيس التواصل في شتى الظروف بحيث تكون مصاحبة للكلام أحياناً، ومنفردة أحياناً أخرى، إضافةً إلى تميز المجتمعات ببعض هذه العلامات في حين يمكن اعتبار بعضها لغة عالمية موحدة. ثانياً لم يتم الاعتناء بهذه العلامات من علماء اللغة بشكل متخصص، بل لم تشكل أهمية في تفسير المدونة التي اعتمد عليها البحث.
أهم الخلاصات تتمثل في قصدية التواصل أو عدم قصديته في إشارات الجسد، وما يعنيه، وقيمة هُوية المرسل وقصده، والوضعية التي عليها المتلقي في معرفة خبايا الرسالة التي تبثّها علامات الجسد، وبالتالي إدراكها وتأويلها، إضافةً إلى أن هذه العلامات لا تشمل الحركات وحسب بل حتى الأزياء ونظام الموضة، وآداب التحية، وعادات الزواج، والميلاد والوفاة وغيرها، وأنظمة الطبخ، وإشارات المرور وعلامات الطرق، وغيرها من أنظمة الحياة والعلامات الإنسانية المختلفة.
> في كتابكِ «السلطة الخرساء» تدرسين علاقة المكان بالأديب كما ورد في السيرة الذاتية عند كل من الكاتبين العماني سيف الرحبي، والبحريني حسن مدن، لماذا اختيار هذين الكاتبين تحديداً، ولم تتطرقي إلى تجارب عربية أخرى؟
- في هذا الكتاب اخترت هاتين التجربتين لأنهما تشكلان بُعداً معرفياً مختلفاً بالنسبة لموضوع الكتاب؛ فلكل منهما تجربة مختلفة ومتخصصة، لأن سيف الرحبي تحدث عن ذكريات الطفولة، بينما اشتغل حسن مدن على الترحال والمدن التي سافر إليها. ولهذا فإن هذه التجارب ليست سيرة ذاتية كاملة، وإنما كتابة ذاتية وتداعيات اعتمدت على الصورة (الأيقون) التي اشتغلتُ عليها في هذا الكتاب. عربياً هناك تجارب متعددة، لكنني فضلت أن أكتب عن تجارب متقابلة ومن قُطر الخليج العربي.
> لكِ جهود معروفة في جمع التراث الشعبي والمرويات الشفاهية التي تعكس وجهاً من وجوه المخيلة الشعبية في سلطنة عمان، ما الذي جذبكِ لهذا الأمر، وهل يمكن أن يشمل هذا الجهد بقية دول الخليج مستقبلاً؟
- بدأتُ في هذا العمل خلال دراستي لأطروحة الماجستير التي اشتغلت فيها على (اللهجات)، وعندما كنت أعمل على جمع المادة ميدانياً، هالني ما اكتشفته من ثراء معرفي ضخم في التراث الثقافي، لربما لم نلتفت علمياً إلى أهميته في عُمان أو حتى في الخليج العربي، ولهذا اشتركت مع أحد الزملاء الباحثين في تأسيس مشروع (جمع التراث المرويّ) في وزارة التراث والثقافة حينها في عام 2006 عندما وقّعت سلطنة عمان وثيقة صون التراث الثقافي مع منظمة اليونيسكو، ومنذ ذلك الحين وأنا أعمل مع الفرق البحثية المختلفة لجمع التراث الثقافي في عُمان، وقد أسسنا البرنامج الاستراتيجي للتراث الثقافي في مجلس البحث العلمي سابقاً، وهو الآن تحت إشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وهو من البرامج البحثية الفاعلة حيث تم تمويل (10) فرق بحثية مهمتها جمع التراث الثقافي في محافظات عُمان المختلفة، وما يميز هذا البرنامج أننا لا نطمح إلى جمع التراث وتبويبه وحسب بل إلى توظيفه واستثماره ضمن مشروع يسهم في دعم الاقتصاد الوطني، اعتماداً على الصناعات الإبداعية والابتكار.
بالنسبة لدول مجلس التعاون فليس لديّ شخصياً مشروعات خارج عُمان، لكن نأمل أن نؤسس مشروعاً مشتركاً على غرار (مركز الموروث الشعبي) الذي كان في تسعينات القرن الماضي.
> تلعب مجلة «نزوى» العمانية دوراً بارزاً في المشهد الثقافي العربي، فهل لديكِ رؤية ما لتطوير هذا الدور مستقبلاً في ضوء انضمامكِ لأسرة المجلة كمستشارة للتحرير؟
- مجلة «نزوى» من المجلات الرائدة على المستوى العربي، وانضمامي لفريق التحرير أعدّه شرفاً لي، فاسم المجلة وارتباطها باسم الشاعر سيف الرحبي، وحده يحفّز على العمل مع الفريق المتميز الذي تكونه المجلة. ما أضيفه من تطوير سيكون ضمن العمل البحثي والاستفادة من التجارب البحثية الرائدة عربياً وعالمياً، من خلال الملفات أو الدراسات والمتابعات.
> يتخوف بعض المثقفين من تكريم الدولة لهم باعتبار أن ذلك قد يؤثر على قدرتهم على ممارسة النقد البنّاء للسلطة ببلادهم، كيف ترين الأمر في ضوء حصولكِ على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى تكريماً لأنشطتك المتعددة في سلطنة عمان؟
- التكريم الذي تشرفت به من لدن حضرة السلطان هيثم بن طارق هو وسام رفيع بما يمثله لي شخصياً من تقدير من وطني، وحصولي عليه لا يعني أنني لا أستطيع الكتابة بحرية أو أن أقدم ما أراه من نقد بنّاء، فما زلت أكتب بذات الحرية، ولي في صحيفة «عمان» الرسمية مقال أسبوعي أكتب فيه بحرية تامة، حيث يتمتع الكاتب بحرية الرأي التي كفلها النظام الأساسي للدولة والقانون العماني.
> على مدار مسيرتكِ، كنتِ ولا تزالين رئيسة أو عضواً بالكثير من الهيئات واللجان والمجالس والروابط العمانية والعربية. هل يأتي ذلك ضمن مفهوم «المثقف الفاعل الإيجابي»، ألا تخشين أن يؤثر الأمر على تفرغك لمؤلفاتك العلمية؟
- في الحقيقة أنا أؤمن بأن دور المثقف يأتي في محورين أساسيين هما خدمة المجتمع ومنتجه الإبداعي أياً كان نوعه؛ ولهذا فإن تفاعل المثقف مع مجريات الأحداث والمؤسسات الثقافية في مجتمعه ينعكس إيجاباً على منتجه الثقافي، لكن أحياناً يأتي جانب على حساب آخر، لأن الانشغال مع المؤسسات الثقافية خصوصاً في مجالس الإدارة يجعل التفرغ للمؤلفات صعباً نوعاً ما، لكن دوماً ثمة محاولة للموازنة. على المستوى الشخصي نعم هناك تأثير بطبيعة الحال، وعلى سبيل المثال عندما كنت رئيسة مجلس إدارة النادي الثقافي بشكل خاص أثّر انشغالي بالإدارة والعمل في النادي والفعاليات على ما أنتجه من أعمال خاصة في مجال النقد، فلم أُنتج سوى بعض البحوث، لكني كنت أعوّض ذلك بما أكتبه من مقالات منتظمة.
> تطالبين كثيراً بـ«إعادة التخطيط الثقافي لمجتمع الصحراء» عربياً وخليجياً، ماذا تقصدين تحديداً، وما رأيكِ في بعض المثقفين الذين لا يرون في الصحراء سوى رمز للماضي ومعاداة الحداثة؟
- مجتمع الصحراء مجتمع غنيّ ثقافياً بل فكرياً وفلسفياً؛ ذلك لأن الإنتاج الحكائي والأسطوري استناد إلى ما تمتاز به المخيلة لدى الإنسان الذي يعيش في الصحراء، ومن هنا تأتي أهمية دراسة هذا المجتمع والتخطيط للاستفادة من هذه المخيلة من خلال تأسيس المبادرات والبرامج الثقافية الداعمة للتوثيق والرصد، إضافة إلى قدرة هذا المجتمع على إثراء المخيلة الروائية والفنية.
> شاركتِ كعضو بلجان التحكيم في بعض الجوائز الأدبية العربية الكبرى. كيف ترين النقد الذي يوجَّه أحياناً لبعض الجوائز من أنها لا تذهب دائماً إلى مستحقيها وتؤثر سلباً على قيمة هذا الأديب أو ذاك؟
- الحكم هنا لا يمكن أن يكون قاعدة لكل الجوائز، فلكل جائزة معاييرها وظروفها؛ لأن بعض الجوائز يتقدم إليها آلاف المبدعين، بينما يُحجم الكثير منهم عن التقديم في بعضها الآخر، وبالتالي فإن المقياس دائماً بين من هم ضمن القائمة لا خارجها، بالإضافة إلى أنني عندما حكَّمت في بعض الجوائز كان يُحجب اسم الكاتب، بحيث نقوم بتقييم الإبداع نفسه دون معرفة المبدع، وهو أمر يندرج ضمن سياسة الجائزة، ومعايير التقييم التي تنتهج المنهج العلمي الموضوعي.
الجوائز ظاهرة صحية إذا ما تمت ضمن ضوابط وسياسات مهنية عالية الموضوعية، لتسهم في دعم النص الأدبي وتطويره، وبالتالي دعم المثقفين.
> أخيراً، كيف ترين الرواية النسائية الخليجية بين ملامح الواقع ورهانات المستقبل؟
- إن كنت تقصدين (الرواية التي تنتجها النساء) فإن نصوصهن تشهد بالقيمة الأدبية والفنية التي تتميز بها، سواء من حيث الموضوعات المطروحة أو البناء الفني الذي يعتمدنه والتطوير في أشكاله وأنواعه، حيث لم تصبح هذه الروايات محلية أو إقليمية بل انتشرت على مستوى العالم، خصوصاً عندما فازت د. جوخة الحارثي بجائزة البوكر العالمية للرواية المترجمة. وما نشهده بعد ذلك من نتاجات روائية ذات بُعد فني يعتمد على تطوير القيمة الفنية من ناحية والاستفادة من المخزون الثقافي المجتمعي من ناحية أخرى.
أعتقد أن الرواية في منطقة الخليج تتطور فنياً بشكل كبير، ولهذا فإن النصوص التي تنتجها النساء تنتهج مسارات متنوعة، وتقدم أنماطاً سردية قادرة على فتح آفاق فكرية جديدة تستفيد من الواقع الكائن لبناء واقع ممكن اعتماداً على المخيلة الخصبة والإمكانات الفنية.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».