وصول «القوات المشتركة» إلى أطراف إب يخلط أوراق الحوثي ويصيبه بالارتباك

TT

وصول «القوات المشتركة» إلى أطراف إب يخلط أوراق الحوثي ويصيبه بالارتباك

اختلاط أوراق ورعب وارتباك أصيبت بها ميليشيات الحوثي مع وصول طلائع «القوات المشتركة» إلى الأطراف الغربية لمحافظة إب؛ مما دفع بها لمواصلة التشكيك في ولاء العاملين معها من أبناء المحافظة وشيوخ القرى والمناطق، كما دفعت بمزيد من عناصرها المتحدرين من محافظتي صعدة وعمران لتولي مهمة الإشراف وإدارة الجوانب الأمنية والعسكرية، والتنكيل بالسكان من خلال مضاعفة الجبايات وفرض التجنيد الإجباري بإشراف مباشر من الحاكم الفعلي في صنعاء أحمد حامد (أبو محفوظ) الذي يشغل موقع مدير مكتب ما يسمى «مجلس الحكم»؛ وفق ما ذكرته مصادر سياسية وسكان في المحافظة الواقعة على بعد 198 كيلومتراً إلى الجنوب من صنعاء.
مصادر سياسية وسكان قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن المحافظة تعيش حالة استثنائية مع حالة الرعب التي تعيشها الميليشيات مع وصول طلائع «القوات المشتركة» إلى مديرية العدين في غرب المحافظة، وإن الحاكم الفعلي لمناطق سيطرة الميليشيات «أبو محفوظ» تسلم ملف إدارتها بعد تقارير داخلية للميليشيات تتهم قيادة المحافظة والمشرفين المتحدرين منها بعدم الولاء، وإنه أرسل مجاميع كبيرة من عناصر الميليشيات المتحدرين من محافظتي صعدة وعمران بوصفهم محل ثقته، وإن هؤلاء يمارسون أشكالاً متنوعة من القمع، مثل الاعتقالات، وملاحقة ومراقبة الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، والإزاحة من إدارة المديريات، وفرض الجبايات المضاعفة على سكان المديريات الذين يرفضون إلحاق أبنائهم بجبهات القتال.
وطبقاً لما ذكرته المصادر؛ فإن عناصر الميليشيات الذين وصلوا إلى مديريات غرب محافظة إب يمارسون بشكل يومي أنواع التنكيل بالسكان بصورة أعادت إلى الأذهان تلك التي كانت تمارس بحق هذه المناطق إبان حكم الأئمة؛ حيث يجبر سكان القرى على توفير الغذاء والقات لمقاتلي الميليشيات، كما أجبروا على دفع مبالغ إضافية فديةً عن كل شاب يرفض الالتحاق بصفوف الميليشيات، وإنها قامت بتجنيد آخرين من مديريات مجاورة ونقلتهم إلى معسكر «اللواء 20» في منطقة الجند لإلحاقهم بدورات تدريبة قصيرة ومكثفة قبل الدفع بهم إلى الجبهات، كما حولت القرى والمزارع في مديرية العدين إلى مواقع عسكرية واتخذت من تلك المناطق والتجمعات السكنية مواقع للاحتماء فيها ومواجهة تقدم «القوات المشتركة».
وأبانت المصادر أن قيادة الميليشيات وبعد أن أمرت بتنحية كل قيادة محافظة إب جانباً، عينت مشرفين عسكريين على المحافظة ومديرياتها، ووجهت المبالغ المالية التي يتحكم في صرفها «أبو محفوظ» إلى القادمين من صعدة وعمران، وأن هذه المجاميع قامت باستحداث نقاط للتفتيش واستحدثت مواقع دفاعية وزرعت حقول ألغام في جميع المنافذ المؤدية إلى قلب مديرية العدين، وفرضت قيوداً مشددة على تحركات السكان، وأنها ترتاب في كل السكان لاعتبارات تخص رؤيتها المذهبية والسلالية حيث يرتبط لديها الولاء والثقة بالمنطقة التي يتحدر منها الشخص وانتمائه السلالي.
إلى ذلك؛ قال سكان في مديرية شرعب الرونة التابعة لمحافظة تعز والمجاورة لمديرية العدين إن ميليشيات الحوثي أقامت نقاط تفتيش في وادي نخلة وعزل العوادر وحلية والزراري وعلى حدود عزلة شمير التابعة لمديرية مقبنة والتي سيطرت «القوات المشتركة» على أجزاء منها خلال الأيام الماضية، وإن ميليشيات الحوثي تمركزت أيضاً في عدد من المرتفعات القريبة من شمير، وحولت المزارع إلى أماكن لتخزين الأسلحة والمعدات لإخفائها من ضربات مقاتلات التحالف.
من جهتها، واصلت الفرق الهندسية لـ«القوات المشتركة» تفكيك وانتزاع مئات الألغام والعبوات الناسفة مختلفة الأحجام والأشكال كانت ميليشيات الحوثي قد زرعتها في مناطق متفرقة شمال مديرية حيس وعلى الطريق المؤدية إلى جبل راس والجرّاحي قبل تحريرها من قبضة هذه الميليشيات.
وذكر الإعلام العسكري أنه جرى انتزاع كميات كبيرة من الألغام والعبوات الناسفة زرعتها ميليشيات الحوثي في عدد من القرى والمناطق بمديريتي حيس والجرّاحي.
وقال إن هذه الكميات الكبيرة من الألغام والعبوات الناسفة زرعتها الميليشيات في المدارس والمساجد والمزارع والطرقات، وكانت ستتسبب في كارثة إنسانية كبيرة، كما فخخت منازل المواطنين والمساجد والمدارس والطرقات والجسور بالألغام والعبوات الناسفة شديدة الانفجار، في جرائم تصل إلى مرتبة «جرائم حرب» وتستوجب ملاحقة الميليشيات ومحاكمتها دولياً.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.