تلج المنافسة الرئاسية في فرنسا؛ حيث ستجرى الانتخابات على دورتين في 10 و24 أبريل (نيسان) المقبل، مرحلة جديدة مع حلول 3 تطورات أساسية في الساعات الـ24 التي بدأت مساء الاثنين؛ أولها مساء أمس، وثانيها ظهر اليوم، وثالثها ليلاً.
يتمثل الحدث الأول في إعلان الأحزاب السياسية الداعمة لترشح الرئيس إيمانويل ماكرون لولاية ثانية عن إطلاق تجمع يكون بمثابة «البيت المشترك» لهذه الأحزاب التي تلتف حول الرئيس الفرنسي وتسعى لكي يبقى في «قصر الإليزيه» 5 سنوات إضافية. وقد اختير لهذه البنية؛ التي تضم الحزب الرئيسي لماكرون «الجمهورية إلى الأمام» والحزب الرديف الذي دعمه منذ عام 2017 «الحركة الديمقراطية» و3 أحزاب إضافية تحلقت حوله من الوسط واليمين المعتدل، اسم «معاً أيها المواطنون».
ماكرون خلال استقبال نظيره الليتواني في باريس اليوم (أ.ف.ب)
وحتى اليوم، لم يعلن ماكرون عن ترشحه. لكن لا أحد في فرنسا تخامره الشكوك من ألا يقدم على ذلك، خصوصاً أن كل استطلاعات الرأي تضعه في المرتبة الأولى بين المتنافسين للدورة الانتخابية الأولى (ما بين 25 و30 في المائة من الأصوات) وتتوقع له فوزاً مريحاً في الدورة الثانية. وبحسب مقربين من ماكرون، فإن مصلحته الانتخابية تكمن في إعلان ترشحه في وقت متأخر بحيث يبقى يُنظر إليه رئيساً للجمهورية وليس مرشحاً كبقية المرشحين عند نزوله إلى الميدان الانتخابي.
تنافس بين قطبي اليمين المتطرف
أما التطور الثاني؛ فعنوانه إعلان الكاتب والسياسي المتموضع في أقصى اليمين المتطرف، إريك زيمور، عن ترشحه ظهر اليوم، وذلك من خلال شريط فيديو بثه على شبكات التواصل الاجتماعي. كذلك؛ فإن زيمور سيكون ضيفاً على القناة التلفزيونية الأولى في نشرتها الإخبارية الرئيسية في الثامنة مساء. وبذلك يتحول زيمور؛ الذي هبطت أسهمه في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، من منظر من الخارج إلى مرشح رسمي. لكن المصادقة على ترشحه من الجهات الرسمية تفترض أن ينجح في جمع 500 توقيع من نواب أو أعضاء مجلس الشيوخ أو رؤساء البلديات وأعضاء المجالس المحلية المنتخبة. ومنذ أشهر، تعمل فرقه على التواصل مع هؤلاء لمعرفة مدى استعدادهم لتمكين زيمور من خوض المنافسة الرئاسية؛ علماً بأن له منافسة في جناح اليمين المتطرف؛ هي مارين لوبن، التي تمكنت في عام 2017 من التأهل للدورة الثانية، منافسة للرئيس ماكرون.
ملصق مناهض لزيمور يصفه بـ«ترمب الخاص بنا» في جنوب فرنسا (أ.ب)
وبحسب آخر استطلاعات للرأي، فإن لوبن؛ التي خسرت بعض النقاط لصالح زيمور، عادت لتحتل المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي متقدمة على زيمور بـ5 أو 4 نقاط. ثم هناك صعوبة إضافية أمام زيمور؛ هي جمع الأموال الضرورية لخوض المعركة الانتخابية؛ إذ لا حزب وراءه يوفر له التمويل كما هي الحال للمرشحين الآخرين. ويحدد القانون الفرنسي سقف المصاريف للانتخابات الرئاسية بـ22 مليون يورو. ولأن الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي لم يحترم هذا السقف؛ لا بل تخطاه بنسبة الضعف، فإنه ملاحق أمام المحاكم.
مرشح «ورثة ديغول»
أما الحدث الثالث؛ فيتمثل في أن حزب «الجمهوريون» اليميني الكلاسيكي وصل إلى خطوة تعيين ممثله للانتخابات الرئاسية والفصل بين المتنافسين الخمسة. وهذا المساء تجرى المناقشة التلفزيونية الرابعة والأخيرة بين الخمسة فيما يصوت محازبو «الجمهوريون» البالغ عددهم 144 ألف منتسب إلكترونيا بدءاً من الخميس وحتى نهاية الأسبوع. وبذلك يتم وضع نقطة نهائية لمرحلة من التنافس الداخلي في الوقت الذي يظهر فيه أن حظوظ تمكن أي من المرشحين من التأهل للدورة الرئاسية الثانية ضعيفة. إلا إن قادة الحزب؛ وأولهم رئيسه كريستيان جاكوب، يرون أن اختيار المرشح الوحيد الذي سيلتف حوله الجميع سيعني إطلاق دينامية جديدة من شأنها أن تغير المعادلات السياسية الموجودة في الوقت الحاضر وتعيد إلى صفوف «الجمهوريون» المحازبين والأنصار والجمهور العريض الذين تخلوا عنه في السنوات الخمس المنقضية.
المتنافسون الخمسة على بطاقة الترشح عن حزب الجمهوريون (أ.ف.ب)
يذكر أن «الجمهوريون» هو وريث «الحزب الديغولي» الذي جاء إلى الرئاسة بالجنرال شارل ديغول وبخليفته جورج بومبيدو وبالرئيس جاك شيراك وبعه نيكولا ساركوزي. لكن الحزب المذكور خسر 3 مرات المنافسة الرئيسية في وجه الاشتراكيين فرنسوا ميتران وفرنسوا هولاند، وفي المرة الثالثة لم ينجح مرشحه فرنسوا فيون في التأهل للدورة الثانية النهائية. ولا شك في أن مرشحه النهائي سيكون أحد ثلاثة: كزافيه برتراند رئيس منطقة شمال فرنسا ووزير سابق، وفاليري بيكريس رئيسة منطقة «إيل دو فرنس» (باريس ومحيطها الأوسع) ووزيرة سابقة، وميشال برانيه وزير سابق وشخصية رئيسية في الاتحاد الأوروبي تفاوض مع لندن حول خروج بريطانيا من الاتحاد «بريكست».
اليسار في الخلفية
أما اليسار المتعدد (اشتراكيون - شيوعيون - يسار متشدد) و«الخضر»؛ فإنهم يحلون، وفق استطلاعات الرأي، في المقاعد الخلفية. والدليل على ذلك أن مرشحة الحزب الاشتراكي آن هيدالغو، رئيسة بلدية باريس، لا تحظى إلا بدعم 5 في المائة من عينات استطلاعات الرأي، فيما يسبقها مرشح «الخضر» يانيك جادو بحصوله على 7 - 8 في المائة من الأصوات بحيث يحل محل مرشح «فرنسا المتمردة» (اليسار المتشدد) جان لوك ميلونشون (أقل من 10 في المائة).