اعتصامات تقطع أوصال بيروت احتجاجاً على تفاقم الوضع المعيشي

المتظاهرون توعدوا باستئنافها وشملت مختلف المناطق

لبناني يشعل النار بحاويات للنفايات في بيروت أمس خلال احتجاجات اندلعت على خلفية تدهور الأوضاع المعيشية (أ.ف.ب)
لبناني يشعل النار بحاويات للنفايات في بيروت أمس خلال احتجاجات اندلعت على خلفية تدهور الأوضاع المعيشية (أ.ف.ب)
TT

اعتصامات تقطع أوصال بيروت احتجاجاً على تفاقم الوضع المعيشي

لبناني يشعل النار بحاويات للنفايات في بيروت أمس خلال احتجاجات اندلعت على خلفية تدهور الأوضاع المعيشية (أ.ف.ب)
لبناني يشعل النار بحاويات للنفايات في بيروت أمس خلال احتجاجات اندلعت على خلفية تدهور الأوضاع المعيشية (أ.ف.ب)

انحسر الدخان المنبعث من الإطارات المشتعلة في نطاق مدينة بيروت بعد ظهر أمس؛ احتجاجاً على تفاقم الأزمات المعيشية والاقتصادية التي دفعت المحتجين إلى الشارع مرة أخرى، بموازاة انغلاق تواجهه مقترحات الحلول لاستئناف جلسات مجلس الوزراء بسبب استمرار الخلافات السياسية.
وخرج المتظاهرون إلى الشارع أمس في العاصمة اللبنانية وسائر المناطق؛ اعتراضاً على الأزمات المتفاقمة بفعل التجاذبات السياسية، حيث ارتفع سعر صرف الدولار بشكل قياسي خلال ستة أسابيع ليتخطى عتبة الـ25 ألف ليرة للدولار؛ ما انعكس على القدرات الشرائية للمواطنين وارتفاعاً في أسعار السلع الحيوية مثل المواد الغذائية والأدوية.
وأغلق متظاهرون الطرق في مناطق من لبنان وأشعل بعضهم النيران في إطارات السيارات احتجاجاً على الانهيار الاقتصادي. وعمد محتجون إلى رمي الزيت على طريق المدينة الرياضية منعاً لمرور السيارات، في حين أقفلت مدارس بيروت بسبب تعذر وصول التلاميذ إليها. وأعلن المحتجون، أن تحركهم هو «صرخة جوع» بسبب «انقطاع الأدوية وارتفاع أسعارها»، وطالبوا اللبنانيين بالنزول إلى الشارع.
وتدنت الحركة في بيروت بشكل كبير، بالتزامن مع الاعتصامات التي نُفذت في وسط ‎بيروت أمام مسجد الأمين، وفي منطقة ‎الكولا و‎قصقص و‎كورنيش المزرعة والبربير وساحة الشهداء والصيفي والمدينة الرياضية، حيث قطعت الطرقات، كما تظاهر المحتجون على طريق شارع الحمرا الرئيسي وفي منطقة فردان.
وقال محتجون، إن الوضع الاقتصادي لم يعد يُحتمل، وأشاروا إلى أن الأزمات «تتفاقم بينما لا تعير السلطة أي اهتمام لمعاناة الناس». وقال أحد المتظاهرين في منطقة قصقص لـ«الشرق الأوسط»، إن أحزاب السلطة «تتلهى بخلافاتها، وتمنع اجتماع الحكومة في وقت يموت الناس من الجوع وقد باتوا عاجزين عن تأمين الدواء، وبالكاد يجدون ما يأكلونه وبالكاد يشترون مياه الشرب».
وقال أبو عمر، إن «إغلاق الطريق هو تعبير عن غضب للجوع والفقر الذي ضرب الناس»، مضيفاً «بلغ سعر صرف الدولار 25 ألف ليرة، فمن يبلغ راتبه مليوني ليرة أو ثلاثة ملايين ويسكن خارج العاصمة، سيدفع كامل راتبه تكلفة بدل تنقل إلى مركز عمله»، وسأل «من يدفع له اشتراك الكهرباء وثمن المياه في ظل انقطاع الكهرباء؟».
وتراجعت الليرة لأكثر من 25 ألفاً مقابل الدولار في الأسبوع الماضي، بعدما كان سعر الصرف 1500 ليرة للدولار في 2019.
وفي حين أعرب تمام رضا، وهو صاحب متجر في لبنان، عن شعور بالإحباط وانعدام الأمل في تحسن الأوضاع قريباً، قال سائق الأجرة محمود الغوش الذي كان مع المتظاهرين في بيروت، إنه يومياً يجول طرقات المدينة من أجل أن يجد راكباً واحداً. وأضاف «منذ فترة أنا عاطل عن العمل، بسبب الغلاء المعيشي»، مضيفاً «صفيحة البنزين بلغ سعرها 320 ألفاً (14 دولاراً على سعر صرف السوق)، كيف نعمل؟».
وتم خفض الدعم عن جميع السلع تقريباً، ومنها الوقود والأدوية؛ مما أدى إلى ارتفاع الأسعار مع انهيار الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية.
وانطلقت مظاهرة من الطريق الجديدة - الملعب البلدي تتقدمهم سيارة تبث الأغاني والأناشيد الثورية والوطنية وسط صيحات الغضب ورفع الأعلام اللبنانية ولافتات تطالب بـ«محاسبة الفاسدين والمرتكبين الذين أوصلوا لبنان إلى الكارثة الكبيرة، رغم لامبالاة المسؤولين عن الانهيار وجوع الناس».
وجابت المظاهرة عدداً من المناطق والشوارع في بيروت مع دعوة الناس «للنزول إلى الشارع للمشاركة في يوم الغضب». وأكد عدد من المحتجين والناشطين «استمرار التحركات وصولاً إلى العصيان».
وقرب جامع جمال عبد الناصر في منطقة كورنيش المزرعة، أعلن متحدث باسم المتظاهرين انتهاء التحركات على الأرض وفتح الطرق المقفلة، ملوّحاً بـ«نزول المحتجين إلى الأرض مجدداً في الأيام المقبلة، بوتيرة أكبر ما لم تعمل السلطة الحاكمة على وضع حد للانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي يواجهه اللبنانيون». وقال، إن اعتصام أمس «رمزي شارك فيه شبان من كل مناطق بيروت ليعبّروا عن أنين المواطنين ووجعهم في كل لبنان»، مشدداً على أن التحرك «شعبي بامتياز ليس له أي بعد سياسي ولا انتخابي ولا نيابي ولا وزاري، بل هدفه الوحيد لقمة عيش المواطن بعدما بات الكثير من التلامذة يذهبون إلى مدارسهم من دون طعام».
كانت مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي دعت إلى اعتبار يوم الاثنين يوم غضب عام وقطع طرقات؛ تنديداً بتدهور الأوضاع وانعدام الخدمات الأساسية وترك الشعب لمصيره وغياب المعنيين عن تحمل مسؤولياتهم.
من جانبها، وعدت مجموعة باسم «ثوار 17 تشرين» التي نفذت تحركاً في ساحة الشهداء في وسط بيروت، استمرار التحركات السلمية حتى تحقيق المطالب. وقالوا في بيان، إنه رفضاً للأوضاع المعيشية التي حذروا منها منذ انطلاقتهم في العام 2019، فإن «تحركاتهم هي بداية غضب شعبي جماهيري للحؤول دون تفاقم الأزمة التي لم يعد المواطن يقدر عليها في كل سبله المتاحة».
وبموازاة التحركات في بيروت، نفذ عدد من المحتجين وقفة أمام مدخل سرايا جونية؛ اعتراضاً على تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع سعر الدولار وسط إجراءات لعناصر من سرية جونية في قوى الأمن الداخلي.
وفي الشمال، قطع محتجون أوتوستراد البداوي بالاتجاهين والطرقات الفرعية بالكامل، كما قطعوا جميع المسارب المؤدية إلى ساحة النور في مدينة طرابلس بالسيارات والإطارات والحجارة، كما قطع بولفار طرابلس المدخل الجنوبي لجهة البحصاص، وأوتوستراد شكا بالاتجاهين.
وفي الجنوب، أغلق محتجون في مدينة صيدا ساحة النجمة في المدينة بالسيارات، كما قطعوا الطرقات عند ساحة تقاطع ايليا في المدينة وأمام شركة الكهرباء احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية. أما في البقاع في شرق البلاد، فقد قطع أوتوستراد رياق – بعلبك، كما شهدت مناطق أخرى في البقاع الغربي والأوسط قطعاً للطرقات.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.