«غطاء» أميركي و«رعاية» روسية لمفاوضات سورية ـ كردية

تتناول مستقبل «قسد» و«الإدارة الذاتية» والثروات الاستراتيجية

دوريات أميركية وروسية وسورية في ريف القامشلي شرق الفرات في فبراير 2020 (روسيا اليوم)
دوريات أميركية وروسية وسورية في ريف القامشلي شرق الفرات في فبراير 2020 (روسيا اليوم)
TT

«غطاء» أميركي و«رعاية» روسية لمفاوضات سورية ـ كردية

دوريات أميركية وروسية وسورية في ريف القامشلي شرق الفرات في فبراير 2020 (روسيا اليوم)
دوريات أميركية وروسية وسورية في ريف القامشلي شرق الفرات في فبراير 2020 (روسيا اليوم)

تشجيع الحوار بين دمشق والقامشلي، نقطة ثانية يتوافق عليها الأميركيون والروس، إضافة إلى بند إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين، ما يرجح عقد جولة تفاوضية جديدة بين الأكراد والحكومة السورية، بعد زيارة وفد من «مجلس سوريا الديمقراطية» الكردي - العربي برئاسة إلهام أحمد إلى واشنطن وموسكو، وبعد لقاء مبعوثي الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين في جنيف في 10 من الشهر الجاري.
هذه الجولة، التي تجري بـ«غطاء» أميركي و«رعاية» روسية وسط توقعات مختلفة من دمشق والقامشلي وموسكو إزاء مستقبل الوجود العسكري الأميركي، يتوقع أن تتناول قضايا كبرى مثل مستقبل «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) و«الإدارة الذاتية»، وأخرى عملياتية تخص المساعدات والخدمات، والانتشار العسكري لـ«ردع» بشأن توغل تركي جديد.
خلفية المفاوضات
جرت جولات تفاوضية عدة بين مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووفود كردية، بينها وفد سياسي برئاسة إلهام أحمد وعضوية سيهانوك ديبو، ووفد عسكري ضم قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، أو قائد «وحدات حماية الشعب» سيبان حمو، في نهاية 2016 و2017، وفي 26 يوليو (تموز) 2018 و8 أغسطس (آب) 2018، وأكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وبعد قرار الرئيس دونالد ترمب سحب قواته من قسم شرق الفرات، وتوغل تركيا بين رأس العين وتل أبيض، زار حمو القاعدة الروسية في حميميم، ثم دمشق، والتقى بحضور قادة في الجيش الروسي مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووزير الدفاع العماد علي أيوب ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. كما زار حمو العاصمة الروسية في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2019، والتقى وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف ورئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان سيرغي رودسكوي.
وسلم الوفد الكردي الجانب الروسي مبادرة تضمنت 11 بنداً، 6 منها تلبي مطالب دمشق، وهي أن «سوريا دولة موحدة، والاعتراف بحدودها الدولية وأنها دولة مركزية وعاصمتها دمشق»، وأن «الرئيس المنتخب، أي الرئيس بشار الأسد، هو رئيس كل السوريين»، وأن «الثروات الطبيعية هي ثروة وطنية لكل السوريين». وتناول البند الرابع الاعتراف بـ«السياسة العامة للبلاد المسجلة في الدستور»، والخامس الاعتراف بـ«علم واحد» للبلاد، وهو العلم الرسمي للجمهورية العربية السورية بموجب الأمم المتحدة، إضافة إلى بند سادس يقر بـوجود «جيش واحد» للدولة.
كما تضمنت المبادرة 5 بنود «تلبي مطالب الجانب الكردي»، أولها إلغاء «قانون الطوارئ» بموجب تعديل الدستور، وإصلاح دستوري يؤدي إلى دستور توافقي، وقانون أحزاب وقضاء نزيه ومستقل، و«الاعتراف بالإدارة الذاتية» شمال شرقي البلاد، و«إلغاء جميع إجراءات التمييز تجاه الشعب الكردي»، وتجاوز «الإجراءات الظالمة»، وبينها الإحصاء الاستثنائي للعام 1962 وحرمان آلاف من الجنسية، إضافة إلى إلغاء «الضغط الأمني» ضد الأكراد. وتضمن البند الرابع «اعتراف الدولة المركزية بالأكراد مكوناً رئيسياً من مكونات الشعب السوري» مثل باقي المكونات، إضافة إلى بند خامس نص على «تحديد المالية - الموازنة لكل المناطق، بما فيها المناطق الكردية».
واستند الموقف الكردي إلى «أدوات ضغط»، بينها وجود الجيش الأميركي، وسيطرة حوالي مائة ألف مقاتل من «قوات سوريا الديقراطية» على ثلث البلاد (المساحة الإجمالية 185 ألف كلم مربع) ومعظم الثروات الاستراتيجية من نفط وغاز ومياه وزراعة شرق الفرات، إضافة إلى دعم روسي ظهرت معالمه في تسليم وزارة الدفاع مسودة دستور للأطراف السورية في 2017، نصت على «جمعية مناطق» إلى جانب البرلمان، فيما اعتبر قبولاً للإدارة الذاتية واللامركزية في سوريا.
يضاف إلى ذلك أنه بعد قرار ترمب في نهاية 2019، وقع عبدي وسبان ومملوك مذكرة تفاهم تضمنت نشر قوات من الجيش وحرس الحدود في مناطق عدة على الحدود وشرق الفرات، وهي المنطقة التي تقلصت حصة الأكراد وأميركا فيها لصالح توسع حصص دمشق وأنقرة وموسكو.
فجوة عميقة
أظهرت المفاوضات الكردية - السورية عمق الفجوة بين الطرفين. ذلك أن دمشق ترفض ضم «قوات سوريا الديمقراطية» ككتلة عسكرية في الجيش، وتقترح حلها وذوبانها في الجيش، كما أنها تتمسك برفع العلم الرسمي في كل أنحاء البلاد، وبأن الأسد هو الرئيس السوري، إضافة إلى رفض «تقديم تنازلات دستورية» للأكراد أو الاعتراف بـ«الإدارة الذاتية»، مع استعداد لقبول مبدأ الإدارات المحلية بموجب القانون 107 وتخصيص حصص مدرسية للغة الكردية.
أما بالنسبة إلى الثروات الاستراتيجية الموجودة شرق الفرات، فإن دمشق تريد أن يكون قرارها مركزياً، مع إعطاء حصة أكبر من عائداتها للمنطقة. يضاف ضمناً إلى ذلك أن دمشق تريد أن يكون الحوار مع الجانب الكردي باعتباره طرفاً وليس الطرف الوحيد الذي يمثل الأكراد.
وإزاء التشدد السياسي الاستراتيجي، هناك مرونة في دمشق في الوصول إلى صفقات عملياتية، إذ لم تمنع التوصل إلى اتفاقات وصفقات مثل تمرير نفط خام إلى مصفاة حمص أو بانياس لتكريره وإعادة جزء منه، أو تشغيل سدود للطاقة وللمياه، واتفاقات اقتصادية تخص المحاصيل الرئيسية.
من جهتها، بقيت «الإدارة الذاتية» تراهن على الجانب الروسي. وفي صيف العام الماضي، جرى توقيع مذكرة تفاهم بين «مجلس سوريا الديمقراطية»، برئاسة إلهام أحمد و«حزب الإرادة الشعبية»، بقيادة قدري جميل. وفسر مراقبون أكراد المذكرة بأنها تضمنت الاعتراف بـ«وحدة سوريا أرضاً وشعباً»، وأن «الإدارة الذاتية جزء من النظام الإداري»، وأن «قوات سوريا الديمقراطية» جزء من جيش سوريا الوطني.
وخلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دمشق في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أبدى «استعداد بلاده لمواصلة العمل من أجل تهيئة ظروف ملائمة للتعايش المنسجم والتقدم لكل المكونات الدينية والعرقية في المجتمع السوري». كما أكد أن «الوثيقة» التي لم تكن روسيا «طرفاً فيها»، ووقعت في موسكو «أكدت الالتزام بمبدأ وحدة وسيادة الأراضي السورية». لكن وزير الخارجية السوري وليد المعلم رفضها، وقال رداً على هذه المذكرة إن «أي اتفاق يتعارض مع الدستور السوري لا ندعمه». وكانت دمشق رفضت «مسودة روسية» للدستور تضمنت تأسيس «جمعية مناطق» يشارك فيها الأكراد.
جولة جديدة
منذ لقاء القمة بين بوتين وبايدن في جنيف منتصف يونيو (حزيران) الماضي، عقدت ثلاث جولات غير علنية بين مبعوثي الرئيسين في سويسرا. وتمثل الهدف الرئيسي في الاتفاق على تمديد قرار دولي للمساعدات الإنسانية «عبر الحدود» و«عبر الخطوط» في بداية يوليو الماضي. لكن، في هذه المنصة ومنصات أخرى، كان بينها زيارات بواسطة إلهام أحمد إلى واشنطن وموسكو، تجددت الدعوات إلى استئناف الحوار بين دمشق والقامشلي. وأظهرت هذه المناقشات أن هناك رغبة روسية - أميركية باستئناف الحوار السوري - الكردي، بحيث تشجع واشنطن الأكراد على ذلك بـ«رعاية» روسية. وهناك قناعة واسعة بأن مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك من أكثر المتحمسين لذلك.
وهناك مستويان للجولة الجديدة من المفاوضات بين دمشق والقامشلي:
- مستوى عملياتي، مثل تشغيل معبر اليعربية على حدود العراق، بإدارة سورية - كردية، لإيصال المساعدات الإنسانية، وتنسيق ميداني عسكري بما يحول دون توغل تركي إضافي، باعتبار أن عدم حصول ذلك هو نقطة تفاهم أميركية - روسية حالياً، إضافة إلى صفقات خدمية واقتصادية لصالح الطرفين.
- مستوى سياسي، يخص نقاطاً رئيسية تتعلق بمستقبل «الإدارة الذاتية» وعلاقتها مع الدولة المركزية، و«قوات سوريا الديمقراطية» ودورها في الجيش، والقومية الكردية حيث لاتزال الفجوة كبيرة حولها، مع جسر الفجوة إزاء قضايا أخرى مثل وجود العلم السوري والرئيس السوري والموقف من الأكراد عموماً.
ولا شك أن النظرة إلى مستقبل الوجود العسكري الأميركي من جهة والتفاهمات الأميركية – الروسية من جهة ثانية والتفاهمات التركية – الروسية – الأميركية، تخيم على الموقف التفاوضي لكل من دمشق والقامشلي.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».