تفصل كثير من الدراسات الآثار السلبية للمستويات العالية من الضوضاء على صحة الإنسان والبيئة، مثل زيادة مخاطر التسبب بفقدان السمع.
آثار الضوضاء
ولكن على مدى العقد الماضي، أشارت بعض الدراسات إلى أن آثار الضوضاء قد لا تقتصر على مشكلات الأذن فقط. فمثلاً، أشارت إحدى الدراسات إلى أن ضوضاء حركة المرور قد تكون أحد مسببات الضغط النفسي التي تسبب تغيرات فسيولوجية. كما ربطت بعض الدراسات بين ضجيج الطائرات ووسائل المواصلات والطرق وارتفاع مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وتشير التقديرات في كثير من المدن الكبرى حول العالم إلى أن شرائح كثيرة من سكانها يتعرضون بانتظام لمستويات غير صحية من الضوضاء. ولك أن تتخيل -على سبيل المثال- حال السكان الذين يعيشون بالقرب من المطارات، فهؤلاء يتعرضون لصخب وضجيج وضوضاء الطائرات الذي قد يصل إلى 120 ديسيبل أو أكثر.
وفي هذا الاتجاه، أتاح نهج محاكاة جديد إجراء أول حساب عملي عالي الدقة لخصائص الضجيج في تصاميم مقطع جناح طائرة مركب ثلاثي الأبعاد تحت ظروف التشغيل القصوى. ويمكن لهذا الأسلوب الجديد تسريع تطوير تصاميم لمقطع جناح أقل ضجيجاً، من خلال تقليل مدة المحاكاة من بضعة شهور أو أسابيع إلى بضعة أيام أو ساعات، بما يفتح المجال أمام تطوير جيل قادم من الطائرات والمركبات الجوية الموجودة فوق المدن.
يقول الدكتور رضوان بوخارفاني، وهو باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست): «يمثل ضجيج الطائرات مشكلة لكثير من الأحياء القريبة من المطارات الكبرى، وسوف تتفاقم هذه المشكلة مع التوسع في استخدام الطائرات دون طيار (الدرونز) وسيارات الأجرة الجوية والمركبات الجوية الخاصة في المستقبل».
وعادة ما يجري تصميم مقاطع الأجنحة وتحسينها التي تتكون من الأجنحة والمراوح وشفرات التوربين، باستخدام أساليب الرياضيات التطبيقية السريعة نسبياً، غير أن بعض الخصائص التي تدخل في تصميم تلك الأجزاء، مثل الضجيج الناتج عنها، يكون أكثر تعقيداً. فهذه الخصائص تتطلب عادة إجراء اختبارات باستخدام نماذج تجريبية، لأن المحاكاة العددية المباشرة القادرة على حل تلك الخصائص تكون مكثفة حسابياً لدرجة أن استكمالها قد يستغرق شهوراً، حتى مع استخدام أسرع أجهزة الكومبيوتر المتاحة اليوم.
يقول بوخارفاني: «في المشكلات الهندسية المتعلقة بالصوتيات الجوية على أرض الواقع، تكون للتفاعلات بين تدفق الهواء المضطرب والسطح أهميتها. كان أحد التحديات الرئيسية التي واجهتنا: كيفية نمذجة تدفقات الهواء المضغوط عبر السطح في ظل الاضطراب الجوي الشديد، بدرجة دقة تكفي للتنبؤ بانفصال تدفق الهواء على سطح منحنٍ، وإعادة اتصاله بالقرب من الحافة الخلفية».
نهج محاكاة
وبدلاً من المحاكاة المباشرة لمجال التدفق الكامل بدقة عالية، طبق بوخارفاني -مع زميليه الدكتور ماتيو بارساني وجوليان بودارت- نهج محاكاة الدوامة الكبيرة على شكل الجدار، المعروف اختصاراً بـ(WMLES)، لنمذجة التدفقات القريبة من السطح بدقة عالية، مع تقليل الكثافة الحسابية الإجمالية، من خلال الاكتفاء بنمذجة هياكل تدفق أكبر بعيداً عن مقطع الجناح.
يقول بوخارفاني: «يتيح لنا هذا النهج إعادة إنتاج كثير من السمات النوعية الرئيسية لتدفق الهواء المرصود في التجارب، إضافة إلى الخصائص المتعلقة بالضجيج، مثل ترددات ضغط الجدار. والأهم من ذلك أننا أثبتنا أن هذه الطريقة تصلح للتدفقات عالية السرعة شديدة الاضطراب».
وتُعد الخوارزمية المشار إليها في هذا البحث الأحدث بين مجموعة أدوات طورها الفريق استناداً إلى التعاون مع المعهد العالي للملاحة الجوية والفضاء في فرنسا، في إطار مشروع مشترك تابع للاتحاد الأوروبي باسم «سماء نظيفة». وحالياً، تعمل وكالة «ناسا» وشركة «إيرباص» والمعهد الوطني للفضاء الجوي في فيرجينيا على استخدام بعض هذه الأدوات واختبارها.
جدير بالذكر أن مشروع «سماء نظيفة» يعد أكبر برنامج بحثي أوروبي يسعى إلى تقليل انبعاثات الطائرات ومستويات الضوضاء بشكل كبير، بميزانية تبلغ 4 مليارات يورو.
وفي هذا البرنامج، يعمل الباحثون والعلماء من مختلف الدول في مشاريع بحثية واسعة النطاق تتطلب موارد كبيرة وخبرات كثير من أصحاب المصلحة.
يقول بارساني: «يعمل فريقنا عند نقطة يتقاطع فيها التحليل العددي والفيزياء والحوسبة عالية الأداء، بهدف تطوير خوارزميات جديدة فعالة تراعي الظواهر الفيزيائية على نحو أفضل، وتستخدم البِنى الحاسوبية الحديثة بكفاءة».