هجوم مسلح لحركة طالبان يهز محكمة في شمال أفغانستان

مقتل جندي أميركي في تبادل إطلاق نار بين جنود أميركيين وأفغان

قوات أمن أفغانية تعاين الدمار الذي لحق بمبنى المحكمة في مزار شريف بعد هجوم أمس (أ.ف.ب)
قوات أمن أفغانية تعاين الدمار الذي لحق بمبنى المحكمة في مزار شريف بعد هجوم أمس (أ.ف.ب)
TT

هجوم مسلح لحركة طالبان يهز محكمة في شمال أفغانستان

قوات أمن أفغانية تعاين الدمار الذي لحق بمبنى المحكمة في مزار شريف بعد هجوم أمس (أ.ف.ب)
قوات أمن أفغانية تعاين الدمار الذي لحق بمبنى المحكمة في مزار شريف بعد هجوم أمس (أ.ف.ب)

فر المارة للنجاة بأنفسهم عندما اقتحم متشددون مزودون بقذائف صاروخية وأسلحة أخرى محكمة في مدينة مزار الشريف بشمال أفغانستان أمس. وأنهت القوات الأمنية الأفغانية مساء أمس هجوما استمر 6 ساعات لحركة طالبان ضد محكمة في شمال أفغانستان أسفر عن مقتل 10 أشخاص. وقال قائد شرطة ولاية بلخ عبد الرازق قادري إن «5 رجال أمن و5 مدنيين قتلوا، وأصيب 66 آخرون».
وأعلن مسؤولون أفغان أن مسلحين يرتدون بزات عسكرية هاجموا محكمة للاستئناف في مزار شريف كبرى مدن شمال أفغانستان البعيدة عادة عن أعمال العنف التي تهز البلاد.
وسمعت أصوات انفجارات بعد إلقاء المهاجمين قنابل، قبل تبادل إطلاق النار مع القوات الأفغانية في أحد مباني المجمع، حسب ما أفاد مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية كان موجودا في المكان.
وبدأ الهجوم في الضحى حين اقتحمت مجموعة من المسلحين المحكمة واشتبكت مع قوات الأمن.
وتبنت حركة طالبان الهجوم؛ إذا أعلن المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد خلال اتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية أن الحركة نفذت عملية في مدينة مزار شريف، مضيفا أن المعارك لا تزال دائرة بين عناصر من الحركة وقوات الأمن الأفغانية في المنطقة.
وقبل عامين، كان مسلحون من حركة طالبان قد هاجموا محكمة في ولاية فرح في غرب البلاد، بهدف تحرير المتمردين الذين كانوا سيحاكمون. وأسفر ذلك الهجوم الذي استمر 7 ساعات، عن مقتل 46 شخصا وجرح المئات.
وقتل أول من أمس جندي أميركي خلال تبادل لإطلاق النار بين قوات حلف شمال الأطلسي وأفغان أمام مقر إقامة حاكم إقليم نانغارهار في الشرق على الحدود مع باكستان.
وكان هذا أول «هجوم من الداخل»، من رجال يرتدون زي الجيش الأفغاني ضد أولئك التابعين للحلف الأطلسي، منذ إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما في نهاية العام الماضي إبطاء وتيرة انسحاب القوات الأجنبية المنتشرة في أفغانستان.
وقال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر أمس إن «هذا الهجوم يذكر أن أفغانستان لا تزال مكانا خطيرا»، مضيفا: «لا يزال هناك عمل يجب القيام به لدعم قوات الأمن الأفغانية حتى تتمكن من الحفاظ على التقدم الذي أحرزناه في السنوات الأخيرة».
وصرح فضل أحمد شيرزاد، قائد شرطة نانغارهار، لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الجنود الأميركيين ردوا على النار وقتلوا مطلق النار وأصابوا اثنين من عناصر الجيش الأفغاني. ونحن نحقق لمعرفة الدافع وراء الحادث».
وأعلن مسؤولون أميركيون أن جندي حلف شمال الأطلسي الذي قتل في الهجوم أميركي الجنسية. وصرح المسؤولون لوكالة الصحافة الفرنسية أن «الجندي الأميركي كان يعمل في وحدة مخصصة لتدريب القوات الأفغانية وتقديم المشورة لها».
وقالت بعثة الحلف الأطلسي في أفغانستان في بيان إن «الحادث الذي وقع في جلال آباد أسفر عن مقتل واحد من عناصر (الدعم الحاسم)» وهو الاسم الجديد لبعثة الحلف.
وأنهى حلف شمال الأطلسي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي مهمته القتالية في أفغانستان، مع بقاء 12 ألفا و500 جندي أجنبي، بينهم 9 آلاف وثمانمائة أميركي لدعم وتدريب القوات الأفغانية.
وأعلن أوباما في أواخر شهر مارس (آذار) الماضي، أن «هؤلاء الجنود الأميركيين سيبقون في البلاد حتى نهاية العام»، في حين أن الخطة الأولية دعت إلى انسحاب نصفهم.
وشكلت الهجمات التي يشنها جنود أو رجال شرطة أفغان ضد القوات الدولية، مشكلة كبيرة خلال سنوات القتال الطويلة التي خاضها عناصر الحلف الأطلسي إلى جانب القوات الأفغانية.
وكان التدخل العسكري الدولي الكبير والأميركي خصوصا في أفغانستان إثر اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، انتهى رسميا في نهاية عام 2014.
ويحاول الرئيس الأفغاني أشرف غني حاليا إقناع طالبان بالانخراط في عملية السلام أملا في تحقيق استقرار في البلاد ينهي ما يقارب 35 عاما من الصراع.
ومن العوامل الأخرى التي دفعت واشنطن إلى تمديد انتشار القوات، القلق في كابل وواشنطن على حد سواء من انتشار تنظيم «داعش» في أفغانستان، خصوصا أن عناصر سابقين في طالبان بايعوا التنظيم الأصولي المتمركز في سوريا والعراق أخيرا.
وتشن طالبان تمردا دمويا منذ الإطاحة بها من السلطة في أواخر عام 2001، وحذرت من أن تمديد بقاء القوات الأجنبية سيضر بفرص محادثات السلام، وتعهدت بمواصلة القتال.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»