أقنع الناخبين أنه سيكون مثل ميركل... لكن من هو أولاف شولتز؟

أولاف شولتز مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (رويترز)
أولاف شولتز مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (رويترز)
TT

أقنع الناخبين أنه سيكون مثل ميركل... لكن من هو أولاف شولتز؟

أولاف شولتز مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (رويترز)
أولاف شولتز مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (رويترز)

كان لتصوير أولاف شولتز، مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، نفسه على أنه امتداد لسياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وتقليد حركاتها أمام عدسات الكاميرات، في مؤتمراته الانتخابية، عاملاً حاسماً في فوزه بمنصب المرأة التي أعلنت اعتزال الحياة السياسية، العام الحالي، بعد رحلة مهنية في عالم السياسة استمرت لنحو ثلاثين سنة.
وارتكزت الحملة الانتخابية لشولتز، البالغ من العمر 63 عاماً، الذي يستعد لتولي المنصب الشهر المقبل، على تقليد أول مستشارة في تاريخ ألمانيا، حتى أنه أظهر يديه مجموعتين بشكل الماسة الشهيرة التي تجمع فيها ميركل يديها وتحولت إلى علامتها الخاصة.
https://twitter.com/Reuters/status/1463563061533425666
يتفق مع ذلك، روبن ألكسندر، محلل سياسي ألماني، الذي عايش فترات صعود ميركل وشولتز السياسية، الذي يرى الأخير، من واقع أحاديثه في المؤتمرات الانتخابية، أنه شبيه بلاعب كرة القدم الذي درس مقاطع فيديو للاعب آخر، وغير أسلوب لعبه، سواء في المزاج، الأسلوب السياسي، وصولاً إلى تعبيرات الوجه، بحسب ما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
قال: «إذا كان شولتز امرأة، لكان يرتدي بدلة بنطلون».

لكن يظل الاختبار الأكبر لشولتز هو مدى استعداده لقدرته على تجاوز العديد من الأزمات المشتعلة التي تشهدها بلاده، كوباء «كورونا»، والتوترات على الحدود البولندية البيلاروسية، كما نجحت ميركل خلال مسيرتها الطويلة في هذا المنصب، مع أزمات شبيهة.
وقالت جانا بوجليرين، باحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الحكومة الجديدة تتولى السلطة في وضع يزداد سخونة على جبهات متعددة. وعندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، يظل أولاف شولتز لغزاً نوعاً ما.
وسبق لشولتز، العمل مع ميركل من قبل، تحديداً عام 2007. حين انضم للمرة الأولى لحكومتها كوزير للعمل والشؤون الاجتماعية وبقي في منصبه حتى عام 2009. وبعد ذلك انتخب نائباً لرئيس الحزب وبقي في منصبه سنتين قبل أن يعود إلى هامبورغ عام 2011 ليصبح عمدة للمدينة حتى عام 2018، وخلاله عندما عاد إلى برلين ليشغل منصب وزير المالية الفيدرالي ونائب المستشارة.
ووُلد أولاف شولتز في مدينة أوزنابروك، بولاية سكسونيا السفلى في شمال غربي ألمانيا، يوم 14 يونيو (حزيران) 1958. وبدأ شولتز - المتزوج منذ عام 1998 - حياته بعيداً عن السياسة، إذ درس الحقوق في جامعة هامبورغ، ومن ثم مارس مهنة المحاماة لعدة سنوات كمحامي شركات قبل الانتقال إلى السياسة.

انتخب عام 1998 عندما كان في الأربعين من العمر، للمرة الأولى نائباً في البرلمان المحلي في هامبورغ، حيث نشأ وكبر مع والديه. واستقال من المقعد عام 2001 بعدما قبِل بمنصب وزير داخلية الولاية. غير أنه لم يدم أكثر من بضعة أشهر في المنصب الذي غادره بعد خسارة حزبه في الانتخابات.
وفي العام التالي، أي في 2002 نجح في دخول البرلمان الفيدرالي الاتحادي (بوندستاغ) الألماني في برلين، وأصبح أيضاً السكرتير العام في حزبه الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي)، وظل في المنصب لمدة سنتين حتى 2004 حين استقال إثر تقديم زعيم الحزب (آنذاك) غيرهارد شرودر استقالته من المنصب أمام انقسام الحزب عليه وتدني شعبيته.
ويعود طموح شولتز، الذي فقد 12 كيلوغراماً، وتوقف عن شرب الكحول قبل الانتخابات، لقيادة حكومة بلاده منذ عام 2011. بحسب حليف مقرب له، الذي أوضح أنه تعرض للتقليل من طموحاته في فترات سابقة، في ظل اعتياده على التزام الصمت دوماً.
ويتوقع المحللون، أنه إذا كان شولتز مشتتا للغاية بسبب التوترات الداخلية، فمن المحتم أن يشعر أوروبا والعالم بفقدان قيادة السيدة ميركل.
في المقابل، يعتقدون أيضاً، أنه إذا سارت الأمور بسلاسة، يمكن أن تتحول ألمانيا إلى قوة محورية للتماسك الأوروبي، ولمزيد من الوحدة عبر الأطلسي في مكافحة تغير المناخ ومواجهة المنافسين الاستراتيجيين مثل الصين وروسيا، من أجل إحياء الديمقراطية الاجتماعية في أجزاء مختلفة من العالم.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟