فرنسا والاتحاد الأوروبي يعتبران «التطبيع» مع النظام السوري «خطاً أحمر»

باريس تدعو «البلدان المطبّعة» إلى الدفاع عن {مصالحها الاستراتيجية}

TT

فرنسا والاتحاد الأوروبي يعتبران «التطبيع» مع النظام السوري «خطاً أحمر»

تنظر باريس ومعها الاتحاد الأوروبي بـ«كثير من التشكيك» إلى عملية إعادة العلاقات الجارية حالياً بين عدد من البلدان العربية والنظام السوري، وبينها دول قريبة جداً من فرنسا.
ورغم أن باريس، كما تقول مصادرها، تنطلق من مبدأ أن الدول المعنية «سيدة قرارها»، فإنها في الوقت عينه لديها مآخذ وتحفظات في حين موقفها الخاص يعتبر أن تطبيع العلاقات مع دمشق «خط أحمر بالمطلق». ويكمن التحفظ الفرنسي - الأوروبي الأول في اعتبار أن الدول المطبّعة تقوم بهذه الخطوة بالغة الأهمية «من غير مقابل»، بمعنى أن النظام السوري يستفيد من التطورات الجارية في علاقاته مع عدد من العواصم العربية، إلا أنه بالمقابل «لا يدفع أي ثمن» لما حصل «ويحصل» عليه. ولذا؛ تقول باريس لمن يريد أن يسمع، إنها لا تفرض رأيها، كما أنها لا تدعو هذا الطرف أو ذاك إلى أن يذهب في اتجاه التطبيع أو أن يبقى بعيداً عنه، بل تدعوه لاشتراط اجتياز هذه الخطوة بتلبية النظام شروطاً تراها الدول المعنية أساسية أو استراتيجية بالنسبة إليها ولمصلحتها الوطنية.
تعتبر باريس ومعها الاتحاد الأوروبي، أن ما يصح على العلاقات الثنائية للأطراف الراغبة في التطبيع مع النظام السوري، يصح أيضاً في ملف المقاربة العربية الجماعية، أي عملية عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية. وفي هذا السياق، ترى باريس بداية، أن هذه العودة لن تحصل؛ لأنه إلى جانب الدول الراغبة فيها، ثمة دول أخرى رافضة بقوة لرؤية دمشق تحتل مجدداً مقعدها داخل حرم الجامعة. ولكن ثمة عنصراً آخر بالغ الأهمية فحواه أن الاتحاد الأوروبي أبلغ مسؤولي الجامعة العربية أن عودة سوريا إلى حضنها سيعني وقف الحوار القائم بينها وبين الاتحاد.
وفق الرؤية الفرنسية، ثمة أوراق ضاغطة تستطيع الأسرة الدولية ولكن أيضاً الدول العربية استخدامها في تعاملها مع ملف الأزمة السورية ويتعين أن تكون «فاعلة» ومؤثرة في مسار الخروج منها، وعلى رأسها ثلاثة. وأول هذه العناصر هو تحديداً عملية التطبيع، تليه المشاركة في عملية إعادة الإعمار لما هدمته الحرب، وهو يحتاج إلى أموال طائلة، وثالثها العقوبات المفروضة على النظام السوري وشخصياته ومؤسساته وشركاته. وتعد باريس أن هذه الأوراق ذات أهمية بالغة ويتعين أن يكون لها دورها وتأثيرها على أداء النظام السوري. ومن الأمثلة على ذلك، أن التطبيع الأردني - السوري كان يتعين ربطه بملف اللاجئين السوريين على الأراضي الأردنية لجهة الحصول على ضمانات من دمشق حول كيفية التعاطي مع العائدين واحترام حقوقهم والتعاطي معهم وفق منطوق القانون الدولي، لا بل السماح لهم بالمغادرة. وما يصح على الأردن يصح أيضاً على لبنان، حيث مسألة اللاجئين «استراتيجية» بالنسبة للطرفين. لذا؛ تقول باريس للمطبعين أو الراغبين في التطبيع، دافعوا عن مصالحكم الاستراتيجية وبحيث لا تكون خطوة التطبيع «مجانية».
واضح أن هذه المقاربة لا تأخذ بعين الاعتبار الأسباب التي تدفع عدداً من الدول العربية إلى التطبيع، وأولها أنها تعتبر عودة سوريا إلى الحضن العربي يعني إخراجها من الدوران في الفلك الإيراني. فبعد عزلة دامت عقداً كاملاً، وبما أن النظام السوري ما زال في مكانه وبما أن لا أفق لتغيير سياسي ممكن الحصول، فإن الأطراف المطبّعة تأخذ بعين الاعتبار المعطى الإقليمي، وترى أن مصلحتها السياسية والاقتصادية والتجارية تكمن في العودة إلى التقارب مع دمشق وقلب صفحة الحرب وتناسي ما حصل فيها من مآسٍ ومجازر. وينظر الغرب عموماً (أميركياً وأوروبياً) إلى حركة التطبيع بسلبية، إلا أنه لا يقدِم على خطوات من شأنها وضع حد لها أو إبطاء سرعتها.
ولذا؛ فإن الرأي السائد، أنها متواصلة رغم التحفظات المعروفة. ولكن اللافت بالمقابل، أن الجهود التي قامت بها روسيا لدفع الغرب لإظهار الليونة إزاء النظام وحثه على المشاركة في عملية إعادة الإعمار لم تفض إلى أي نتيجة ملموسة. وهذه العملية تحتاج انطلاقتها إلى أموال طائلة وظروف سياسية ملائمة عنوانها السير بالعملية السياسية. وفي الحالتين، لا يبدي حليفا النظام الرئيسيان (روسيا وإيران) رغبة أو قدرة على توفير شروطها وتحمل أعبائها؛ ولذا فإنها تراوح مكانها.



«لولا أميركا ما كانت»... ما دور الولايات المتحدة في قناة السويس؟

سفينة شحن تعبر قناة السويس (رويترز)
سفينة شحن تعبر قناة السويس (رويترز)
TT

«لولا أميركا ما كانت»... ما دور الولايات المتحدة في قناة السويس؟

سفينة شحن تعبر قناة السويس (رويترز)
سفينة شحن تعبر قناة السويس (رويترز)

أثار حديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه «لولا أميركا لما كانت قناة السويس»، تساؤلات بشأن دور الولايات المتحدة في القناة، وما إذا كانت هناك علاقات تاريخيّة بينهما.

وكتب ترمب على منصته الاجتماعية «تروث سوشال»: «يجب السماح للسفن الأميركية، العسكرية والتجارية على السواء، بالمرور بحرّية عبر قناتَي بنما والسويس. هاتان القناتان ما كانتا لتوجَدا لولا الولايات المتحدة». وأضاف: «طلبتُ من وزير الخارجية ماركو روبيو تولي هذه القضية».

وقناة السويس هي ممر مائي صناعي بمستوى البحر يمتد في مصر من الشمال إلى الجنوب عبر برزخ السويس ليصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وتعدّ أقصر الطرق البحرية بين أوروبا والبلدان الواقعة حول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي، بحسب موقع «هيئة قناة السويس».

ويرجع تاريخ قناة السويس إلى 30 نوفمبر ( تشرين الثاني) عام 1854 بصدور «فرمان الامتياز الأول»، الذي منح الدبلوماسي الفرنسي فرديناند ديليسبس حقّ إنشاء شركة لشقّ قناة السويس، تلاه «فرمان الامتياز الثاني» في 5 يناير (كانون الثاني) عام 1856، الذي أكّد «حياد القناة».

وفي 15 ديسمبر (كانون الأول) 1858، تأسست «الشركة العالمية لقناة السويس البحرية» برأس مال قدره 200 مليون فرنك فرنسي (8 ملايين جنيه مصري آنذاك)، مقسم على 400 ألف سهم، قيمة كل منها 500 فرنك، وكان نصيب مصر 92136 سهماً، ونصيب إنجلترا والولايات المتحدة والنمسا وروسيا 85506 أسهم، «غير أن هذه الدول رفضت الاشتراك في الاكتتاب، فاضطرت مصر إلى استدانة 28 مليون فرنك لشراء نصيبها، وبذلك أصبح مجموع ما تملكه مصر من الأسهم 177642 سهماً، قيمتها 89 مليون فرنك تقريباً، أي ما يقرب من نصف رأس مال الشركة»، وفقاً لموقع هيئة قناة السويس.

بدأ العمل في حفر قناة السويس في 25 أبريل (نيسان) 1859، واستغرق 10 سنوات، بتكلفة تجاوزت ضعف المبلغ المقرر، وبلغت 433 مليون فرنك.

وافتتحت القناة في 17 نوفمبر عام 1869. وفي 15 فبراير (شباط) 1875، اشترى رئيس الوزراء البريطاني من الخديوي إسماعيل، حاكم مصر آنذاك، 176602 سهماً من شركة القناة، وتنازلت الحكومة المصرية في 17 أبريل 1880 للبنك العقاري الفرنسي عن حقّها في الحصول على 15 في المائة من ربح الشركة مقابل 22 مليون فرنك، وبذلك أصبحت الشركة تحت السيطرة المالية لفرنسا وإنجلترا، الأولى تمتلك 56 في المائة من الأسهم، والثانية 44 في المائة.

وعقب احتلال بريطانيا لمصر عام 1882، بدأ الحديث عن تنظيم حرية الملاحة في قناة السويس، وأبرمت في هذا الصدد اتفاقية القسطنطينية في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1888، بين كل من فرنسا والنمسا والمجر وإسبانيا وإنجلترا وإيطاليا وهولندا وروسيا وتركيا.

وفى 26 يوليو (تموز) 1956، أعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس «شركة مساهمة مصرية»، لتنتقل ملكيتها بالكامل إلى مصر.

وفي أكتوبر من نفس العام، شنّت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عدواناً ثلاثياً على مصر، أدّى إلى توقف الملاحة في القناة، وعارضت العدوان دول عدة، بينها الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. وضغط الرئيس الأميركي أيزنهاور من بريطانيا للتفاوض مع مصر، كما مارست واشنطن ضغوطاً داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أدّت إلى وقف العدوان على مصر، وانسحاب بريطانيا وفرنسا في 23 ديسمبر 1956.

وطوال تاريخها، شهدت قناة السويس عمليات توسعة وصيانة، أبرزها إنشاء قناة السويس الجديدة التي افتتحت في أغسطس (آب) 2015، وشارك في أعمال الحفر تحالف ضم شركات أميركية وإماراتية وهولندية وبلجيكية.

وربما لم يكن ترمب يعني بحديثه دور بلاده التاريخي في القناة بقدر ما يشير إلى دور واشنطن الحالي في حماية الملاحة بالبحر الأحمر عبر مواجهة جماعة الحوثي.

وبدأت الولايات المتحدة، منتصف الشهر الماضي، هجمات على جماعة «الحوثي» في اليمن، بدعوى «حماية الملاحة في البحر الأحمر»، التي تأثرت بسبب هجمات «الحوثي» على السفن رداً على استمرار الحرب في قطاع غزة.

مقاتلة تُقلع من فوق متن حاملة طائرات أميركية لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

وكشفت تسريبات لمحادثات بين مسؤولين أميركيين على تطبيق «سيغنال»، نشرتها مجلة «ذي أتلانتك»، الشهر الماضي، عن مخطط الهجوم على «الحوثي»، ومن بين المحادثات رسالة من مستشار الرئيس الأميركي ستيفن ميلر، قال فيها: «سرعان ما سنوضح لمصر وأوروبا ما نتوقعه في المقابل. وعلينا إيجاد طريقة لتطبيق هذا الشرط. فماذا سيحدث مثلاً إذا لم تقدم أوروبا مقابلاً؟ إذا نجحت أميركا في استعادة حرية الملاحة بتكلفة باهظة، فستكون هناك حاجة إلى مكاسب اقتصادية إضافية في المقابل».

ويرى عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية في البرلمان) الدكتور عبد المنعم سعيد أن «الحضور الأميركي في البحر الأحمر وتنفيذ هجمات ضد (الحوثي) جعل ترمب يريد من مصر أن تلعب دوراً ما أو تدفع المقابل».

ويعتقد سعيد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن حديث ترمب «رسالة موجهة إلى مصر رداً على رفضها مخطط تهجير الفلسطينيين، وكذلك عدم مشاركتها بأي دور في الهجمات الأميركية على (الحوثي) في اليمن».