أريغو ساكي: حوّلت فان باستن من «متعجرف» إلى أسطورة

المدير الفني السابق لميلان يصف في كتابه الجديد النجم الهولندي صاحب الموهبة الفريدة من نوعها

الثلاثي الهولندي خوليت وفان باستن وريكارد في ميلان عام 1989 (غيتي)
الثلاثي الهولندي خوليت وفان باستن وريكارد في ميلان عام 1989 (غيتي)
TT

أريغو ساكي: حوّلت فان باستن من «متعجرف» إلى أسطورة

الثلاثي الهولندي خوليت وفان باستن وريكارد في ميلان عام 1989 (غيتي)
الثلاثي الهولندي خوليت وفان باستن وريكارد في ميلان عام 1989 (غيتي)

كان اللاعب الهولندي الفذّ ماركو فان باستن يمتلك شخصية استثنائية للغاية، وكان يمكن أن يتأثر حرفياً بتغير الطقس، لدرجة أن الاختلاف في ضغط الهواء أو درجة الحرارة كان يمكن أن يتسبب في إصابته! لكنه كان أيضاً لاعباً فذاً لم أكن لأتخلى عنه مقابل الحصول على خدمات أفضل مهاجم في العصر الحديث، البرازيلي رونالدو. لقد كان فان باستن رجلاً جيداً وبطلاً استثنائياً يمتلك موهبة فريدة من نوعها حقاً. في البداية، عملت بجد لكي يفهم أننا نحن الإيطاليين لسنا وحوشاً بدائية. فلو كان يعاني من أي ألم بسيط في قدمه كان يذهب إلى طبيب أقدام هولندي، وإذا كان يعاني من ألم في أسنانه، كان يذهب إلى طبيب أسنان هولندي، وإذا كان يحتاج إلى أن يقص شعره كان يذهب إلى حلاق هولندي، ولم يكن يعتمد على الإيطاليين على الإطلاق!
كنت أقول له دائماً: «يتعين عليك أن تتذكر فقط يا ماركو أنه عندما فزنا نحن بكأس العالم، لم تكن أنت قد حققت أي شيء». وفي النهاية، أقنعناه بتغيير طريقة تفكيره، حتى وصل إلى المكانة التي وصل إليها مع ميلان. إنه لم يفز قط بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم وهو يلعب في هولندا. وفي إحدى المرات عندما عاد فان باستن من المشاركة مع منتخب هولندا، قال لي: «سيدي، ميلان يلعب بشكل أفضل من منتخب هولندا، وأنا أستمتع أكثر باللعب هنا».
وفي مناسبة أخرى، كنا نشاهد بيسكارا يلعب أمام نابولي على شاشة التلفزيون معاً في ميلانيلو (ملعب تدريب ميلان)، وكان بيسكارا، بقيادة غيوفاني غالوني، يحاصر نابولي، الذي لم يكن قادراً على الخروج من مناطقه الدفاعية، ونقل الكرة إلى خط الهجوم، فقلت حينها لفان باستن: «ماركو، هل كنت تود اللعب مع نادي نابولي في عصر مارادونا؟» ردّ فان باستن قائلاً: «لو كانت هذه هي الطريقة التي يلعبون بها، فسأرحل على الفور».
لقد استغرق الأمر بعض الوقت لكي نكسب ثقته ونكسر غروره الهولندي الشديد، لكنه في نهاية المطاف أصبح أحد أفضل اللاعبين على الإطلاق، لأنه أدرك أن الطريقة التي نلعب بها جعلته لاعباً رائعاً. كان بإمكان لاعب آخر مثل فرانك ريكارد أن يقدم مستويات رائعة لو لعب في نادٍ إيطالي آخر غير ميلان، كان يمكن لهذا النادي أيضاً استغلال قدراته البدنية الهائلة، لكن لم يكن بإمكان فان باستن أن يجد فريقاً آخر يلعب دائماً بهذا الشكل الهجومي، الذي يبقيه دائماً قريباً من المرمى ويقدم له كل أشكال الدعم في الخط الأمامي.
كنت أقول له في التدريبات: «ماركو، سألعب أنا بفريق مكون من 4 مدافعين، وقم أنت باللعب بفريق من 10 لاعبين، لن تحتاج إلى حارس مرمى. سوف يشتت فريقي الكرة عند منتصف الملعب، ثم ستحصل عليها أنت وتذهب للهجوم، وإذا تمكنت من تسجيل هدف واحد فقط خلال 15 دقيقة فإنني سأعلن أنك قد فزت باللقاء». لقد أردت أن أوضح له أن اللعب بـ4 لاعبين بشكل منظم أفضل من اللعب بـ10 لاعبين يلعبون بارتجال وعشوائية. لقد كان فريقه يهاجم دائماً، لكنه لم يكن يسجل أبداً. ولو حصلت أنا على كل عبوات الشمبانيا التي راهنت عليها فان باستن، فإنها كانت ستكفيني للشرب حتى الآن!
ولكي أُعلّم فان باستن كيف يتمركز بشكل صحيح عندما نمارس الضغط على الفريق المنافس، كان يتعين عليّ أن أصرخ في مكبر الصوت ألف مرة، بل وصل الأمر لدرجة أنني كنت أرسم له رسماً بيانياً. كان يتعين عليّ أن أجعله يفهم أنه عندما تنتهي هجمتنا فإنه لا ينبغي له أن يكتفي بالحصول على قسط من الراحة فحسب، بل يتعين عليه أن يواصل الركض بنشاط، وأن يكن مستعداً لتسلم تمريرة جديدة أو يعمل على استخلاص الكرة من الخصم. وعندما استوعب فان باستن الدرس وأصبح مقتنعاً تماماً بقيمته كمهاجم فذ، تحول إلى ظاهرة، حتى فيما يتعلق بالضغط على المنافسين.
ولا يزال الجميع يتذكر الطريقة التي كان يركض بها المدافع الرائع فرانكو باريزي للأمام، وكيف كان يقود خط الدفاع وهو يوجه زملاءه داخل الملعب بذراعيه على نطاق واسع في حركة تجعله يشبه الطائرة التي تحلق في السماء. وما زال الجميع يتذكر أيضاً كيف كان رود خوليت يلعب الكرة وضفائره تتطاير في مهب الريح. لكن ربما لا يتذكر كثيرون الشراسة التي كان يضغط بها فان باستن على مدافعي الفرق المنافسة.
ومنذ وقت ليس ببعيد، وأثناء تناول العشاء في الخارج مع ريكارد، اعترف ماركو قائلاً: «فرانك، يتعين علينا أن نضع تمثالاً لساكي لأنه علمنا كيف نضغط على المنافسين». وكمدير فني، تعلم فان باستن الدرس بشكل كامل، وأدرك أخيراً السبب وراء سوء الفهم الذي جعلنا نتجادل ونختلف في الأيام الأولى. وعندما رحلت عن ميلان، وجّهت كلمة للاعبي الفريق. وعلى الرغم مما كتبه البعض، فليس صحيحاً أنني قلت: «بدوني، لن تفوزوا بأي شيء بعد الآن». لقد قلت شيئاً مختلفاً تماماً؛ حيث قلت: «لا يزال بإمكانكم الفوز بالألقاب والبطولات، لكن ليس بنفس الطريقة، ولا بالأسلوب الذي كنا نلعب به».
لكن يجب أن نعرف أن البطولات ليست الشيء الوحيد الذي يصنع الفريق، فالأمر يتعلق أيضاً بهوية الفريق والطريقة المميزة التي يلعب بها. ثم قلت شيئاً آخر؛ حيث قلت لهم: «بعد كل الذي تعلمتموه أصبحتم الآن أساتذة في عالم كرة القدم، ويمكن لأي منكم أن يصبح مديراً فنياً جيداً». وظهر من هذا الفريق 3 مديرين فنيين للمنتخب الوطني (روبرتو دونادوني وريكارد وفان باستن)، بالإضافة إلى اثنين من المديرين الفنيين الفائزين بدوري أبطال أوروبا (كارلو أنشيلوتي وريكارد). ومع ذلك، فالمعرفة وحدها لا تكفي لأن تصبح مديراً فنياً جيداً.
فالمدير الفني الجيد بحاجة أيضاً إلى الشغف والاحترافية، فرود خوليت، على سبيل المثال، لم يكن لديه الشغف الذي يمكّنه من تحقيق النجاح في هذه المهنة. وبطبيعة الحال، أنا مغرم جداً بأنشيلوتي، الذي بدأ التدريب بجانبي، لكن يجب أن أقول إن الفرق التي تولى تدريبها فان باستن هي التي كانت تلعب بنفس الطريقة التي كنت أعتمد عليها وتؤدي بشكل جيد. ذات مرة، عندما كان فان باستن يدرب هولندا، اعترف لي قائلاً: «سيدي، الآن وبعد أن انتقلت إلى الجانب الآخر من مسيرتي المهنية، يمكنني أن أرى عدد المشكلات التي سبّبتها لك». ورددت عليه قائلاً: «ماركو، إذا كان هناك أي عزاء، فيجب أن تعلم أنك نجحت في حل كثير من المشكلات بالنسبة لي أيضاً».



مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».