دعوات لتحرير قرار لبنان في استقلاله الـ78

تأكيد أهمية ترميم العلاقات مع الخليج وإنهاء وصاية السلاح

وزير الدفاع اللبناني يضع إكليلاً على ضريح الرئيس الراحل فؤاد شهاب (الوكالة الوطنية)
وزير الدفاع اللبناني يضع إكليلاً على ضريح الرئيس الراحل فؤاد شهاب (الوكالة الوطنية)
TT

دعوات لتحرير قرار لبنان في استقلاله الـ78

وزير الدفاع اللبناني يضع إكليلاً على ضريح الرئيس الراحل فؤاد شهاب (الوكالة الوطنية)
وزير الدفاع اللبناني يضع إكليلاً على ضريح الرئيس الراحل فؤاد شهاب (الوكالة الوطنية)

يحيي لبنان اليوم الذكرى الثامنة والسبعين لاستقلاله في مرحلة دقيقة من تاريخ البلاد التي ينقسم فيها اللبنانيون وتتعطل فيها الحياة السياسية وتتفاقم فيها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما تحدث عنه المسؤولون أنفسهم، كل انطلاقاً من خلفيته السياسية. وكانت دعوات لاستعادة الاستقلال والتخلص من وصاية السلاح والالتزام بالدستور كما ترميم العلاقات مع الدول العربية مع استمرار الأزمة مع دول الخليج من دون اتخاذ أي إجراءات للتخفيف من تداعياتها.
واعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون أن الاستغلال السياسي للأزمات لن ينتج إلا مزيداً من التأزم والتشرذم، مؤكداً الحرص على أفضل العلاقات مع الدول العربية، لا سيما دول الخليج. وتطرق عون في كلمة له بمناسبة الاستقلال إلى أزمة توقف الحكومة التي «اختلط فيها القضاء بالأمن بالسياسة»، معتبراً أن «المخرج هو عبر الدستور الذي نص على مبدأ الفصل بين السلطات».
ورأى عون إن «المعمعة الاتهامية التي يشهدها البلد ما كانت لتحصل لو لم يتقاعس قضاؤنا وقام بواجباته، ولو رُفعت يد السياسيين وغير السياسيين عنه، ولو تعززت استقلاليته بقانون لم ير النور بعد». وشدد على انه «لا يزال بإمكان القضاء أن يأخذ المبادرة، إن استطاع أن ينأى بنفسه عن كل المداخلات، ويلتزم النصوص القانونية». ودعا اللبنانيين إلى أن «يكون إيمانهم بوطنهم اكبر من أي تشكيك، وأن يجعلوا من صندوق الاقتراع سلاحهم ضد الفساد والفاسدين». وإذ شدد عون على أن «خيارنا كان ولا يزال، التفاوض غير المباشر (مع إسرائيل) لترسيم حدودنا البحرية الجنوبية»، لفت إلى «إشارات إيجابية بدأت تلوح للتوصل الى اتفاق يضمن مصلحة لبنان وسيادته على مياهه وثرواته الطبيعية، ويؤدي الى استئناف عملية التنقيب عن النفط والغاز».
من جانبه، اعتبر رئيس البرلمان نبيه بري أن «لبنان يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نحيي الاستقلال ليس كذكرى... إنما لنستعيد الاستقلال كتاريخ بدأ منذ ذلك اليوم كمحطة لتحمل المسؤولية الوطنية صنعت استقلالاً وتحريراً من الانتداب، واستكملت في محطات استقلالية عديدة مواجهة ومقاومة للعدوانية والاحتلال الإسرائيليين، وتكريساً لوحدة لبنان وعروبته كوطنٍ نهائي لجميع أبنائه».
وشدد على «أننا معنيون جميعاً في هذه اللحظة التي هي الأخطر وجودياً على لبنان واللبنانيين، أن نحصن لبنان واستقلاله بتحصين القضاء وتحقيق استقلاليته كسلطة تلتزم قواعد الدستور والقانون، بعيداً عن التسييس والاستنسابية والكيدية والتطييف والتمذهب، معنيون بتحرير الاقتصاد من التبعية والارتهان لسطوة الاحتكار والمحتكرين، معنيون بتحرير لقمة عيش المواطنين ودوائهم من تجار الأسواق السوداء، معنيون بتحرير ودائع الناس وجنى أعمارهم من المصارف بتشريعات وإقرار القوانين التي تحفظ هذا الحق وإعادته لأصحابه كاملاً، معنيون بإعادة ترميم الثقة بين المواطن والدولة ومؤسساتها، وثقة العالم بلبنان الموقع والدور والرسالة والإنسان، لبنان الملتزم بإنجاز استحقاقاته الدستورية بمواعيدها».
وصوّب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على «حزب الله» من دون أن يسميه، معتبراً أن «لبنان دولة تقف على حدود جهنم». وكتب على حسابه على «تويتر» قائلاً: «بأي كلام نتوجه إلى اللبنانيين بعيد الاستقلال؟ لو قيض للكلام الذي يتردد منذ سبعة عقود أن يتحقق لكان لبنان اليوم جنة الله على الأرض وليس دولة تقف على حدود جهنم. كاد لبنان في بعض المراحل أن يكون جنة الشرق ومنتدى العرب للحضارة والحوار والثقافة والديمقراطية، ومحزن جداً جداً أن يشعر المواطن اللبناني بعد 78 عاماً على الاستقلال أنه يحتاج إلى دولة حرة سيدة مستقلة ليست رهينة حزب أو طائفة أو منصة لحراس الحروب الأهلية العربية. ورغم هذا الواقع المرير، لا مجال سوى أن نردد في هذا اليوم، حمى الله لبنان وشعبه وجيشه واستقلاله من كل شر».
وفي السياق نفسه، دعا مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان إلى «عقد جلسة للحكومة المعطلة منذ أكثر من شهر». وقال: «ذكرى الاستقلال هذا العام تأتي ولبنان وشعبه يعيش في حال ألم وحرمان ومأساة معيشية لا مثيل لها في تاريخه رغم الجهود التي تقوم بها الحكومة ورئيسها الصابر والصامد حتى الآن في وجه العواصف التي تعتريه من كل حدب وصوب». وأضاف: «الأمور لا يمكن أن تستقيم إلا تحت سقف انعقاد جلسة لمجلس الوزراء والتزام الدستور والنظام واتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة ترتيب وترميم العلاقات مع الأشقاء العرب، وبخاصة المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، وإلا سيبقى الوطن خارج الحضن العربي، وهذا يؤثر سلباً على الوطن والمواطن».
من جهته، شكّك البطريرك الماروني بشارة الراعي بـ«استقلالية المسؤولين» في ظل الولاء إلى وطن آخر. وقال في عظة الأحد «إن الاستقلال يشكو اليوم من وجود لبنانيين غير مستقلين. واللبنانيون يشكون من وجود مسؤولين وقادة وأحزاب غير استقلاليين. لا يتعايش الاستقلال مع ولاء فئات من الشعب لوطن آخر، ولا مع ضعف الدولة أمام الخارجين عنها وعليها. لا يتعايش الاستقلال مع حكم لا يوفر لشعبه الحياة الكريمة والرفاه والعمل والعلم والعدالة والضمانات الصحية والاجتماعية. لا يتعايش الاستقلال في وطن تحول ساحة صراعات لجميع مشاكل الشرق الأوسط والعالم. لا يتعايش الاستقلال في مجتمع زادت فيه الفروقات الثقافية والحضارية وتباعدت أنماط الحياة فتركت انطباعاً أن هذا المجتمع صار مجتمعات متنافرة». وسأل الراعي: «إذا كانت جميع القوى السياسية قبلت بسياسة عدم الانحياز والنأي بالنفس الواردتين في البيانات الوزارية منذ الاستقلال إلى اليوم، فلماذا لا تلتزم بها وتطبقها؟ وإذا كانت هذه القوى آمنت جدياً بسياسة عدم الانحياز والنأي بالنفس، فلماذا لا تعتمد نظام الحياد الإيجابي لضمان استقلال لبنان واستقراره في إطار دستوري ثابت»، داعياً الشرعية اللبنانية إلى أن تبادر «لاعتماده وطرحه رسميا على المرجعيات الدولية وبخاصة على الأمم المتحدة ليكون مضمونا بقرار دولي يلزم جميع الدول باحترام سيادة لبنان».
وأمام كل ما يحصل في لبنان، يعتبر الوزير السابق بطرس حرب «وكأنه مكتوب على لبنان أن يحصل على استقلاله ليخسره ويخوض معركة استعادته من جديد»، ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «المطلوب اليوم أن نعمل على استرداد البلد من محور السلاح الذي صادر قراره وقرار شعبه ليتمكن اللبنانيون من تقرير مصيرهم».
وفيما يرى أن اللبناني لن يقبل باستمرار الوصاية المسلحة يعبر عن قناعته بأن التغيير لا بد أن يحصل في الانتخابات النيابية المقبلة، محملاً مسؤولية هذا الواقع «إلى حزب الله وحلفائه وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الذي غطّى وشرّع له سلاحه، وبات يتحكم بالقرار اللبناني في البرلمان والحكومة وبعقد جلساتهما من عدمها، كما يحصل اليوم».



القضاء العراقي يواجه أزمة بعد فوز ترمب لصدور مذكرة قبض بحقه

ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي (أ.ف.ب)
ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي (أ.ف.ب)
TT

القضاء العراقي يواجه أزمة بعد فوز ترمب لصدور مذكرة قبض بحقه

ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي (أ.ف.ب)
ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي (أ.ف.ب)

في الوقت الذي هنأ الرئيس العراقي الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد، ومحمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، دونالد ترمب بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بدأت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي تبحث عن كيفية التعامل مع ترمب المرحلة المقبلة في ظل وجود مذكرة صادرة من مجلس القضاء الأعلى في العراق بالقبض على ترمب بتهمة اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.

الرئيس العراقي الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد

وقال عضو اللجنة مختار الموسوي في تصريح صحافي إن «ترمب بالنسبة للعراق وحسب القوانين العراقية هو مجرم، لكن العراق سيتعامل معه بشكل طبيعي، فهناك مصلحة للعراق بذلك، ووصول ترمب إلى البيت الأبيض لن يؤثر على العلاقات بين بغداد وواشنطن». ورأى الموسوي، وهو نائب عن «الإطار التنسيقي الشيعي» الحاكم أن «أميركا دولة مؤسسات ولا تتأثر كثيراً برؤساء في التعاملات الخارجية المهمة». وأضاف: «ترمب لا يعترف بالحكومة العراقية ولا يحترم السلطات في العراق»، لافتاً إلى أن «زيارته للعراق أثناء ولايته السابقة اختصرت فقط على زيارة الجنود الأميركان في قاعدة (عين الأسد) بمحافظة الأنبار، لكن العراق سيتعامل مع ترمب بشكل طبيعي».

الجنرال الإيراني قاسم سليماني (أ.ب)

وختم عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية تصريحه قائلاً: «في حال زار ترمب العراق خلال المرحلة المقبلة، فهناك صعوبة في تنفيذ مذكرة القبض بحقه، فهناك مصلحة للدولة العراقية وهي تتقدم على جميع المصالح الأخرى، فهي تمنع أي تنفيذ لتلك المذكرة بشكل حقيقي بحق ترمب».

أبو مهدي المهندس (أ.ف.ب)

يشار إلى أن رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان أعلن صدور أوامر قبض بحق ترمب على خلفية أوامر أصدرها لقتل سليماني والمهندس في السابع من يناير (كانون الثاني) عام 2021. وأوضح بيان رسمي، صدر في ذلك الوقت أن «القرار يستند إلى أحكام المادة 406 من قانون العقوبات العراقي النافذ»، مؤكداً أن «إجراءات التحقيق لمعرفة المشاركين الآخرين في تنفيذ هذه الجريمة سوف تستمر سواء كانوا من العراقيين أو الأجانب».

القضاء العراقي وأزمة تطبيق القانون

قانونياً، وطبقاً لما أكده الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» فإأن «القضاء العراقي تحرك بناءً على الشكوى المقدمة من الطرف المشتكي، وبالتالي فإن القضاء ملزم وفق القانون باتخاذ الإجراءات القانونية بحق أي شخص سواء كان في الداخل العراقي أو الخارج العراقي».

وأضاف التميمي: «ولأن الجريمة التي ارتُكبت داخل العراق واستهدفت شخصيات في العراق وأدت إلى مقتلهم؛ فإن الولاية القضائية هنا هي التي تطبق وهي ولاية القضاء العراقي»، مبيناً أن «إصدار أمر قبض بحق ترمب في وقتها وفق مذكرة القبض الصادرة من القضاء العراقي وفق المادة 406 من قانون العقوبات العراقي وهي القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لكونه شريكاً في هذه العملية؛ ولذلك يعدّ الإجراء من الناحية القانونية صحيحاً».

مركبة محترقة في مطار بغداد أصابها أحد الصواريخ الثلاثة (خلية الإعلام الأمني)

ورداً على سؤال بشأن تنفيذ المذكرة، يقول التميمي إن «التنفيذ يكون عن طريق الإنتربول الدولي بعد تقديم طلب عبر وزارة الخارجية، وهو أمر صعب من الناحية الواقعية، والثانية هي انضمام العراق إلى اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1948 وهي تحاكم الأشخاص بمختلف الجرائم، ومنها جرائم العدوان التي تنطبق على عملية الاغتيال التي نُفذت بأمر ترمب وفقاً للمادة 6 من قانون هذه المحكمة التي تتطلب دخول العراق فيها أولاً». وأوضح التميمي أنه «مع كل هذه الإجراءات القانونية، لكن ترمب في النهاية أصبح رئيس دولة وهو يتمتع بالحصانة وفقاً اتفاقية فيينا».

أول المهنئين لترمب

وفي الوقت الذي تبدو عودة ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية مقلقة لبعض الأوساط العراقية، إلا أن العراق الرسمي كان من أول المهنئين؛ إذ هنأ الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد ترمب، وتطلع إلى أن «تعمل الإدارة الأميركية الجديدة على تعزيز الاستقرار الذي تشتد الحاجة إليه والحوار البنَّاء في المنطقة»، كما هنَّأ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني دونالد ترمب بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية لولاية جديدة، معرباً عن أمله في «تعزيز العلاقات الثنائية» خلال «المرحلة الجديدة». وكتب السوداني على منصة «إكس»: «نؤكد التزام العراق الثابت بتعزيز العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، ونتطلع لأن تكون هذه المرحلة الجديدة بداية لتعميق التعاون بين بلدينا في مجالات عدة، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة ويعود بالنفع على الشعبين الصديقين». كما أن رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني كانا أول المهنئين لترمب؛ نظراً للعلاقة الجيدة التي تربط الأكراد مع الجمهوريين. وكتب نيجرفان بارزاني على منصة «إكس» قائلاً: «أتقدم بأحرّ التهاني إلى الرئيس ترمب ونائب الرئيس المنتخب فانس على فوزهما في الانتخابات». وأضاف: «نتطلع إلى العمل معاً لتعزيز شراكتنا وتعميق العلاقات الثنائية بين إقليم كردستان والعراق والولايات المتحدة».

أما رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، فقد عبّر من جهته إلى أهمية «تعميق الشراكة بين إقليم كردستان والولايات المتحدة، والعمل معاً لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة».

اقرأ أيضاً