تعويم حكومة «المراسيم الجوالة» يصطدم بشروط «حزب الله»

«الثنائي الشيعي» يجمّد مطالبته بتنحية محقق مرفأ بيروت لتمرير «التسوية القضائية»

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (الوكالة الوطنية)
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (الوكالة الوطنية)
TT

تعويم حكومة «المراسيم الجوالة» يصطدم بشروط «حزب الله»

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (الوكالة الوطنية)
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (الوكالة الوطنية)

قال مصدر وزاري لبناني إن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وإن كان يقاتل على أكثر من جبهة سياسية في محاولة لإخراج لبنان من التأزّم الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، يسعى جاهداً إلى إعادة تعويم حكومته بمعاودة جلسات مجلس الوزراء لأن هناك ضرورة ملحّة لإنهاء فترة التمديد القسري لتصريف الأعمال الذي يحاصرها على خلفية إصرار «الثنائي الشيعي» على تنحية المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بذريعة اتباعه الاستنسابية والانتقائية في ادعاءاته التي طاولت الوزراء السابقين النواب الحاليين علي حسن خليل ونهاد المشنوق وغازي زعيتر، إضافة إلى رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزير الأسبق يوسف فنيانوس.
وأكد المصدر الوزاري لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس ميقاتي ليس في وارد التدخّل في شؤون القضاء إيماناً منه بضرورة الفصل بين السلطات، فإنه في المقابل يترك للجسم القضائي تصحيح الخلل بتصويب مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت لإعادة الأمور إلى نصابها بتحييده عن التجاذبات والسجالات السياسية.
ومع أن دعوة ميقاتي، كما يقول المصدر الوزاري، لمعاودة جلسات مجلس الوزراء التي يتعامل معها بجدّية رئيس الجمهورية ميشال عون اصطدمت مجدداً بشروط «الثنائي الشيعي» وتحديداً «حزب الله»، الذي اشترط بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم معالجة الأسباب التي أدت إلى توقّف جلساته على قاعدة التخلُّص من المنظومة القضائية، فإنه يستقوي بالواقع المأساوي غير المسبوق الذي أصاب السواد الأعظم من اللبنانيين، لعل الحزب يضطر لمراجعة موقفه باتجاه الإفراج عن تعطيله جلسات مجلس الوزراء.
ورأى المصدر نفسه أنه من غير الجائز الإبقاء على الحكومة، بعد مرور شهر على ولادتها، في دائرة تصريف الأعمال، أُسوة بالحكومة السابقة التي أصدرت فور استقالتها المئات من القرارات والمراسيم التي أخذت الحكومة الميقاتية علماً بها من دون أن يتمكن مجلس الوزراء من مراجعتها والتدقيق فيها. وقال إن الفرق بين الحكومة الحالية وسالفتها يكمن في أنها تحظى بدعم دولي وبتأييد من معظم الكتل النيابية بخلاف حكومة دياب.
واعتبر أن تعطيل جلسات مجلس الوزراء قوبل بامتعاض واستغراب من قبل المجتمع الدولي، الذي أبدى كل استعداد لمساعدتها لإخراج البلد من التأزُّم، مع أن ميقاتي استعاض عن تعطيلها بتفعيل عمل اللجان الوزارية لملء الفراغ بشكل مؤقت شرط ألاّ تدوم فترة تصريف الأعمال بواسطة الاعتماد على «المراسيم الجوالة»، التي كان آخرها المرسوم الذي وقّعه عون وميقاتي ووزير المالية يوسف الخليل والرامي إلى صرف منحة اجتماعية للعاملين في القطاع العام قُدّرت بنصف راتب شهري.
وقال إن الضرورات وإن كانت تبيح المحظورات والتي كانت وراء صرف هذه المنحة الاجتماعية، فإن صرفها يحتاج إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار مشروع قانون في هذا الخصوص يحال إلى المجلس النيابي للتصديق عليه، مؤكداً أن البرلمان نأى بنفسه عن التدخّل دفاعاً عن صلاحياته، تقديراً منه للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها جميع المستفيدين من المرسوم من جهة وتفادياً منه لإقحام نفسه في صدام مع العاملين في القطاع العام في ظل استمرار تعطيل المؤسسات الدستورية.
وأضاف المصدر الوزاري أن هناك ضرورة لتفعيل العمل الحكومي طالما أن البديل الحكومي ليس في متناول اليد، وبالتالي من الأفضل للحكومة الميقاتية أن تتولى مهمة تصريف الأعمال من دون أن يستقيل رئيسها لقطع الطريق على أخذ البلد إلى الفراغ الذي يمكن أن يهدد إنجاز الاستحقاق الانتخابي النيابي في موعده بفتح سجال ليس في محله الآن يتعلق باعتراض فريق على إنجازه بإشراف حكومة مستقيلة. وبكلام آخر، ليس في مقدور أي فريق داعم للحكومة القيام بدعسة سياسية ناقصة باتجاه مطالبته باستقالة الحكومة لأنه لا يملك الثلث الضامن الذي يتيح له الخروج منها لتصبح حكماً مستقيلة، وبالتالي لن يُقحم نفسه في مغامرة غير محسوبة تضعه في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، إضافة إلى عدم قدرته، بحسب المصدر نفسه، على تحمّل التكلفة السياسية والاقتصادية المترتبة على استقالتها والتي ستؤدي إلى تدحرج البلد نحو المجهول وصولاً إلى الانهيار الشامل.
ودعا المصدر من لا يريد استقالة الحكومة ويتمسك بها إلى تقديم التسهيلات لإعادة تعويمها باستئناف جلسات مجلس الوزراء التي ما زالت تصطدم بشروط «الثنائي الشيعي»، وإن كان «حزب الله» أخذ على عاتقه بأن يكون رأس حربة بتعطيلها ما لم يؤخذ بشروطه، خصوصاً أن الجلسات كانت عُلّقت قبل تدهور العلاقات اللبنانية - الخليجية.
لذلك استبعد مصدر سياسي بارز بأن تحمل الأيام المقبلة مفاجأة تؤدي إلى إعادة الاعتبار لمجلس الوزراء بدلاً من الاستعاضة عن تعليق جلساته بإصدار المراسيم الجوالة التي يراد منها تدبير شؤون اللبنانيين بالتخفيف ما أمكن من الضائقة المالية والمعيشية التي يرزحون تحت وطأتها وقبل أن يفقدوا الأمل بالوعود الإنقاذية التي تعهدت بها الحكومة الميقاتية، مع أنه سأل ما إذا كانت الأزمة الناجمة عن تعليق الجلسات سترافق ميقاتي في زيارته الخميس المقبل إلى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس؟
وفي هذا السياق، كشف مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط» بوجود محاولة لتسوية النزاع مع «الثنائي الشيعي» تقوم على إحداث خرق يمهّد الطريق أمام إيجاد تسوية للنزاع القائم بين القاضي البيطار و«الثنائي الشيعي» تقضي بتجزئة التحقيق العدلي إلى ملفين: الأول يبقى في عهدته، والثاني المتعلق بدياب والنواب يُحال إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهذا الأمر لا يزال قيد البحث بداخل الجسم القضائي.
ولاحظ المصدر نفسه بأن «الثنائي الشيعي» يعطي فرصة للقضاء المختص لعله يتوصل إلى ما يحقق الفصل بين الملفَّين بما يعيد الروح إلى مجلس الوزراء، وهذا ما يفسر انكفاء «الثنائي الشيعي»، ولو مؤقتاً عن مطالبته بتنحية القاضي البيطار حرصاً منه على إعطاء فرصة للعبور بالتسوية القضائية إلى بر الأمان.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».