تحالف الصدر والمالكي قد يخرق تعقيدات «البيت الشيعي»

احتمال لقائهما بعد خصام أكثر من 10 سنوات

TT

تحالف الصدر والمالكي قد يخرق تعقيدات «البيت الشيعي»

مثلما يبدو الحديث عن تحالف يجمع زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، وزعيم حزب «الدعوة» وائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، ضرباً من المستحيل في نظر كثيرين، يبدو كذلك بقاء حالة «العداء العميق» بين الرجلين مسألة مستبعدة غير واقعية، في ظل التباس الأوضاع، والتعقيد الحقيقي القائم فيما بات يعرف بـ«البيت الشيعي» الذي صار العرف السياسي، وليس الدستوري، يضع على عاتقه مسؤولية اختيار رئيس الوزراء، المسؤول التنفيذي الأول في البلاد، في ضوء أن الأغلبية العددية يملكها المكون الشيعي في البرلمان، على الرغم من أنها أغلبية متنافرة غير منسجمة، سواء على مستوى البرلمان أو في المجال السياسي العام.
احتمال تحالف «العدوان اللدودان» الصدر والمالكي غير مستبعد بالنسبة لكثيرين، لحصولهما على أكبر عدد من المقاعد النيابية داخل المكون الشيعي وخارجه تقريباً، فالكتلة الصدرية حصلت على 73 مقعداً نيابياً، وحلت أولاً على مستوى البلاد، فيما حصل ائتلاف المالكي على نحو 34 مقعداً، وحل في الترتيب الثالث على مستوى القوائم الفائزة، الأمر الذي يضع الجانبين أمام مسؤولية مباشرة تتعلق بتشكيل الحكومة. ومن دون اتفاقهما، حتى عبر مسار غير مباشر، لن يُكتب للحكومة المقبلة أن تبصر النور لأشهر طويلة جداً.
وعن إمكانية أن يكون تحالف الصدر - المالكي ممكناً عملياً، يقول مصدر مقرب من ائتلاف «دولة القانون» إن «تحالف الصدر، وكذلك المالكي، مع خصوم سياسيين لهم كان ممكناً سابقاً. وقد رأينا كيف تحالف الصدر في الدورة السابقة مع خصومه من الفصائل في تحالف (الفتح)، وكذلك فعل المالكي مع خمس الخنجر وقوى سنية معادية له في الدورة الماضية أيضاً».
ويضيف المصدر الذي يفضل عدم الإشارة إلى اسمه لـ«الشرق الأوسط» أن «تحالف الرجلين ربما تمليه حاجة المكون الشيعي، في إطار سعية للمحافظة على منصب رئاسة الوزراء، ذلك أن كتلة كبيرة مؤلفة من شيعة وكرد وسنة احتمال غير وارد، والسنوات الماضة أثبتت ذلك، وتشكيل كتلة شيعية كبيرة غير ممكن أيضاً دون تحالف الصدر والمالكي، بصفتهما أكبر الفائزين».
ويتابع المصدر أن «القوى الكردية والسنية تدفع بالصدر والمالكي لإيجاد صيغة ربما (مرة) للتفاهم بينهما، لأنها (القوى السنية والكردية) اعتادت على انتظار أن تتفق القوى الشيعية فيما بينها، قبل أن تتفاوض معها في مسألة الحصص والمشاركة في الحكومة».
ويرى أن «المالكي الذي يمثل أكبر طرف فائز ضمن قوى الإطار التنسيقي المعترض على نتائج الانتخابات يدرك تماماً أن حلفاءه في الإطار غير قادرين على تحقيق نسبة الكتلة الأكبر المؤهلة لتشكيل الحكومة، لقلة عدد مقاعدهم، ولعدم اتفاقه مع بعضهم حول عدد غير قليل من القضايا، وكذلك الأمر بالنسبة للصدر الذي يدرك أن مقاعده لا تسعفه في تشكيل الحكومة».
ويعتقد المصدر أن «الصدر بعث بوقت مبكر رسالة خشنة نوعاً ما إلى حزب الدعوة والمالكي، لكنها ربما كانت تمهيداً لترطيب الأجواء لاحقاً بين الجانبين، ومدخلاً للوصول إلى تفاهمات بشأن تشكيل الحكومة».
وكان مقتدى الصدر قد بعث، منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي بعد 5 أيام من إجراء الانتخابات البرلمانية، برسالة إلى حزب «الدعوة» والمالكي، نصحهم فيها بـ«إصلاح ما فـسد قبل فوات الأوان»؛ الأمر الذي فُسر في حينه على أنها محاولة منه لطي صفحة الماضي بينه وبين المالكي، وتدشين مرحلة جديدة من العلاقات.
ومن جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية إحسان الشمري أنه «من الصعب التكهن في هذه المرحلة بإمكانية تحالف الصدر مع المالكي، بالنظر لتعقيد العلاقة بينهما». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الرسائل المتكررة التي بعثها الصدر سابقاً ضد المالكي ربما تمثل مشكلة كبيرة، ومنها مثلاً تحميله مسؤولية الأخطاء التي ارتكبتها حكومته في قضية سقوط الموصل وضحايا معسكر (سبايكر)، ومطالبة الصدر بفتح ملفات الفساد في عهد المالكي».
ويضيف: «أظن أن محاولات المالكي وائتلافه لتصدر المشهد، والتركيز على مبدأ التوافق في الحكومة المقبلة، خلافاً لما يطرحه الصدر عن مفهوم الأغلبية السياسية، تبين حجم الفجوة والخصومة السياسية العميقة بين الجانبين».
لكن الشمري يرى أن «الطابع البراغماتي الذي يتميز به المالكي، الفائز بأعلى المقاعد ضمن الإطار التنسيقي، ربما سيجعله يفكر بواقعية أكبر، وقد يكون هناك قبول بالاشتراك في الحكومة المقبلة، لكن ليس على أساس اللقاء أو التحالف المباشر مع الصدر. وبغير ذلك، ربما يفضل وحلفاؤه الذهاب إلى خانة المعارضة».
وختم الشمري بالقول: «تجربة السنوات السابقة علمتنا أن كل شيء وارد في سياق السياسة العراقية المعاصرة؛ التحالفات والمواقف في تحول دائم».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.