مراكز الحمية تشهد تراجعاً... والزبائن يعدون للمائة قبل تناول المعجنات والسكريات

في ظل أزمة لبنان الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع

TT

مراكز الحمية تشهد تراجعاً... والزبائن يعدون للمائة قبل تناول المعجنات والسكريات

الحفاظ على الصحة والوزن المثالي يشكّلان مطلبين أساسيين لدى شريحة من اللبنانيين تعاني من السمنة الزائدة. ومنذ سنوات عديدة انتشرت المراكز الخاصة بالحمية الغذائية في مختلف المناطق. وهي تأخذ على عاتقها إرسال الوجبات الغذائية إلى منازل الزبائن. وعادةً ما تتعاون هذه الشركات مع زبائنها وفق اشتراكات شهرية. وكذلك حسب الزبون ورغباته، فهي تؤمّن له ثلاث وجبات يومياً أو عدد وجبات يحددها بنفسه.
مؤخراً بدأت أعمال هذه المراكز بالانحسار في ظل أزمات متراكمة يشهدها لبنان. بعضها قرر إقفال أبوابه إثر تراجع نسبة الزبائن لديه، وغيرها قرر الاستمرار في عمله، ولكن بعد أن صرف عدداً لا بأس به من موظفيه. فسير العمل في هذه المراكز يتطلّب خدمة توصيل إلى المنزل (ديلفري) وكذلك عدم انقطاع التيار الكهربائي من أجل حفظ مكونات أطباق الحمية طازجة. وهما عنصران أساسيان غير متوفرين حالياً في لبنان. ومن ناحية ثانية فهي اضطرت إلى أن ترفع أسعارها مقابل ارتفاع سعر الدولار. فمكونات الطعام التي كانت تستوردها من خارج لبنان كي تتمتع أطباق الحمية بالجودة المطلوبة، تضاعفت أسعارها وأحياناً أخرى باتت غير متوفرة.
وتشير اختصاصية التغذية ساندرا خوري صاحبة مركز «نوتريشين هاوس» للحمية الغذائية، إلى أن هناك تراجعاً ملموساً في نسبة الزبائن عندها تصل إلى 70%. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا اليوم معاناة كبيرة في عملية تسيير أعمالنا. فالوقود غير متوفر وكذلك التيار الكهربائي وهما مطلبان أساسيان ومهمان في مهنتنا. ففي غياب الثلاجة حيث نحفظ المكونات والأطباق بسبب تقنين قاسٍ للتيار الكهربائي، تنعكس المشكلة علينا وعلى زبائننا معاً. حتى الشاب الذي يؤمّن خدمة الديلفري يُمضي ساعات طويلة في طوابير الذل على محطات الوقود كي يعبئ خزان دراجته النارية أو المركبة الخاصة لنقل عدد كبير من الأطباق إلى عناوين الزبائن».
وترى ساندرا التي تعمل في هذه المهنة منذ فترة طويلة أنه لم يسبق أن مر مركزها بهذا النوع من المشكلات من قبل. كما أن هناك مكونات عدة فُقدت من الأسواق اللبنانية. وتوضح: «إن كيلوغراماً واحداً من لحم الفيليه الخاص بالحمية كان يكلفني 12 دولاراً على سعر 1500 ليرة. اليوم يصل سعره إلى 19 دولاراً على سعر دولار يناهز العشرين ألف ليرة». وحسب ساندرا فإن عدداً لا يستهان به من زبائن المركز توقفوا عن دفع اشتراكاتهم الشهرية في ظل توقف أعمالهم والوقوع في البطالة، «حتى أنا كنت أشتري أغراضي عن طريق التقسيط، صرت اليوم مضطرة لأن أدفع أسعارها عداً ونقداً، وهو شرط أساسي لدى التجار اليوم».
تحضير الطعام بمجمله يتطلب توفير مكونات طازجة، فما مخاطر تعرض طعام نظام الحمية لتقنين في التيار الكهربائي؟ ترد ساندرا: «هناك هاجس الإصابة بتسمم فيما لو تم حفظ الطعام في ثلاجة تنقطع عنها الكهرباء لساعات طويلة. ولذلك نشهد يومياً تراجعاً في نسبة الزبائن التي باتت لا تثق بمدى جودة أطباق الحمية التي تطلبها من هذه المراكز».
يواجه أصحاب مراكز الحمية في لبنان تحديات عدة بسبب طبيعة عملهم. وتشير ستيفاني التي تعمل في عيادة خاصة لتنظيم الغذاء الصحي: «لا شك أن هناك تراجعاً ملموساً في نسبة الزبائن التي تقصدنا اليوم في العيادة. حتى إن هؤلاء باتوا لا يزوروننا من أجل استشارات أسبوعية حول أوضاعهم كما في الماضي، وصارت زياراتهم تقتصر على مرة واحدة كل 45 يوماً. والأسباب تعود إلى عدم توفر مادة الوقود وارتفاع كلفة الاستشارة».
وتقول ريتا أبي نادر، وهي زبونة دائمة في أحد مراكز الحمية: «بتُّ اليوم أعدّ للمائة قبل تناولي السكريات والمعجنات والحلويات. فأن أبقى على وزني المثالي بواسطة إرادتي القوية وممارسة بعض الرياضة لهو أمر يوفر عليّ كلفة اشتراك مرتفعة في مركز حمية غذائي. وأقوم شخصياً بتحضير طعامي الصحي والسليم من مكونات بسيطة متوفرة في الدكاكين والسوبر ماركت».
وترى ميريام من مركز «دايت ديلايت» للحمية الغذائية أن أنواع الأطباق الخاصة بهذا النوع من النظام الغذائي يجب أن تُحفظ في درجة حرارة باردة كي تبقى صالحة للأكل. وتوضح: «غالبية أطباق الحمية الغذائية تتألف من السلطات واللحوم المشوية من سمك ودجاج ولحوم حمراء. وجميعها ارتفعت أسعارها بشكل كبير. فمن البدهي أن نؤمّن حفظها بشكل سليم كي تصل إلى الزبون بأعلى جودة». وتتابع: «لهذا السبب كان علينا شراء مولد خاص بمركزنا. فأصحاب المولدات فرضوا علينا رسوماً كبيرة مقابل اشتراكنا معهم. وفي ظل انقطاع مادة المازوت طبّقوا علينا تقنيناً قاسياً، وهو ما دفعنا إلى اقتناء مولد خاص بنا».
وحسب ميريام فإن تراجع نسبة الزبائن في مركزهم يصل إلى الـ50% «غالبيتهم سافروا ومَن بقي منهم فهو ينتمي إلى الطبقة الاجتماعية المرفهة، والتي تحصل على أجرها بالعملة الصعبة. فصندوق الطعام الذي كانوا يحصلون عليه في الماضي مقابل مبلغ 140 ألف ليرة في اليوم الواحد، ارتفع حالياً ليصل إلى الـ180 ألف ليرة. وهو مبلغ لا يستطيع حتى اللبناني المتوسط الحال أن يدفعه يومياً».
ترفض غالبية أصحاب مراكز الحمية الغذائية الاعتراف بلجوئها إلى التوفير واختيار مكونات وعناصر طعام أقل جودة من السابق. وتؤكد ميريام: «لا نستطيع المخاطرة باسمنا وبمسيرتنا في هذه المهنة. وفي حال اضطررنا إلى ذلك فإننا نفضل إقفال أبوابنا على أن نغيّر مبادئنا مع زبائننا».


مقالات ذات صلة

بريطانيا: الأطفال يعيشون حياة أقصر بسبب الوجبات السريعة

صحتك التقرير يوضح أنه من الأقل احتمالاً أن يكون أمام الأطفال في وسط المدن فرصة للحصول على خيارات غذائية صحية وبتكلفة مقبولة (رويترز)

بريطانيا: الأطفال يعيشون حياة أقصر بسبب الوجبات السريعة

كشف كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا عن أن «الصحاري الغذائية» في المدن إلى جانب إعلانات الوجبات السريعة تتسببان في عيش الأطفال حياة «أقصر وغير صحية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة جديدة تشير إلى إمكانية علاج مرض قصور القلب (ميديكال إكسبرس)

علاج ثوري جديد لقصور القلب... والتعافي غير مسبوق

تاريخياً، عُدَّت الإصابةُ بقصور القلب غير قابل للعكس، لكن نتائج دراسة جديدة تشير إلى أن هذا قد يتغير يوماً ما.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».