«الخرطوم بحري» مدينة معزولة... ودعوات لمظاهرة مليونية اليوم

ارتفاع عدد قتلى احتجاجات السودان إلى 40 والجرحى بالمئات

محتجون يقيمون المتاريس في أحد شوارع الخرطوم بحري لمنع قوات الأمن من الدخول (أ.ف.ب)
محتجون يقيمون المتاريس في أحد شوارع الخرطوم بحري لمنع قوات الأمن من الدخول (أ.ف.ب)
TT

«الخرطوم بحري» مدينة معزولة... ودعوات لمظاهرة مليونية اليوم

محتجون يقيمون المتاريس في أحد شوارع الخرطوم بحري لمنع قوات الأمن من الدخول (أ.ف.ب)
محتجون يقيمون المتاريس في أحد شوارع الخرطوم بحري لمنع قوات الأمن من الدخول (أ.ف.ب)

ارتفع قتلى الاحتجاجات في السودان منذ استيلاء الجيش على السلطة في 25 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى 40 قتيلاً ومئات الجرحى، فيما تواصلت المظاهرات الاحتجاجية الغاضبة في كثير من أحياء مدينة «الخرطوم بحري» التي تعرضت لقمع مفرط من قبل الأجهزة الأمنية والشرطية، الأربعاء الماضي، وباتت المدينة معزولة بعد قيام المحتجين بوضع التروس في مداخل المدينة وشوارعها لمنع تحرك قوات الأمن.
وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إن أعداداً كبيرة من قوات الأمن والشرطة تحكم حصارها على ضواحي المدينة، وتطلق الغاز المسيل للدموع بكثافة تجاه المتظاهرين الذين تجمعوا بالمئات، وأغلقوا الشوارع بالحجارة، وحرقوا إطارات السيارات لمنع توغل قوات الأمن داخل الأحياء.
وأضاف شهود العيان أن المنطقة شهدت عمليات كر وفر بين المتظاهرين وقوات الشرطة التي انتشرت بكثافة من منطقة المؤسسة التي تتوسط الأحياء العريقة لمنطقة بحري، قبل انسحابها عصر أمس.
وقالت لجان المقاومة بأحياء مدينة بحري، في تصريح صحافي على صفحتها بـ«فيسبوك»، إن «الشرطة انسحبت من قسم الشرطة بحي الشعبية، مع تقاطع المؤسسة، وترك القسم خالياً حتى من أفراد الحراسة، إلا أن مجموعة منهم قامت بإعمال تخريبية وحرائق لصنع مبررات واهية لاستباحة الأحياء والبيوت والقمع المفرط».
وأضافت بالبيان: «نحن في لجان أحياء بحري نتهم بشكل واضح وصريح المؤسسة العسكرية بإحداثها لهذه الفوضى المقصودة، كما نحملهم تبعات ما يحدث جراء ذلك في أحياء بحري وعموم مدن السودان»، وأكدت أن «الحراك ضد النظام المعزول كان سلمياً، على الرغم من العنف المفرط والقتل، وسيستمر بالوسائل السلمية حتى الإطاحة بالانقلاب العسكري».
ولم يصدر أي بيان أو إفادات من الشرطة أو الجهات المسؤولة عن الأحداث التي جرت بمدينة «بحري» أمس.
وشهدت مناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم احتجاجات حاشدة تطالب برحيل قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، عن السلطة فوراً، وعودة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، لتشكيل حكومة مدنية في البلاد.
وفي غضون ذلك، دعت لجان مقاومة أم درمان الكبرى، أكبر مدن العاصمة السودانية، إلى مظاهرات مليونية، اليوم (الأحد)، بمنطقة «جاكسون» وسط الخرطوم، يتوقع أن تجد استجابة كبيرة بعد أن أعلن عدد من لجان المقاومة بالعاصمة، على حساباتها الرسمية بـ«فيسبوك»، عن المشاركة في المظاهرة المليونية.
ومن جهتها، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية (هيئة نقابية مهنية)، في بيان أمس، عن وفاة متظاهر يدعى محمد آدم هارون، يبلغ من العمر 16 عاماً، متأثراً بإصابته برصاص في الرأس والرجل في مليونية 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وقالت اللجنة إن عدد قتلى المظاهرات منذ اندلاعها الشهر الماضي ارتفع إلى 40 شخصاً.
وقالت الشرطة السودانية إن محاضرها لم تسجل أي حالة وفاة بالرصاص الحي في أثناء المظاهرات التي تشهدها الخرطوم وعدد من مدن البلاد الأخرى. ونفى مدير عام الشرطة، خالد مهدي، في تصريحات الخميس الماضي، تسليح الشرطة بالسلاح الناري خلال التعامل مع المظاهرات في البلاد، لكنه قال قد تكون هنالك جهات أخرى مسلحة، رفض البت في تفاصيلها.
ويتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي على «فيسبوك» و«تويتر» بكثافة مقاطع فيديو وصوراً لأفراد من القوات النظامية المختلفة يطلقون الرصاص الحي والغاز المسيل بكثافة في عدد من المناطق التي شهدت احتجاجات.
وفي السياق، سير المئات من المتظاهرين موكباً حاشداً إلى منزل قتيلة الاحتجاجات «ست النفور أحمد بكور» بضاحية الكدور شمال مدينة بحري، رددوا خلاله هتافات تنادي بإسقاط الحكم العسكري، ومحاكمة قادته المتورطين في جرائم قتل المتظاهرين منذ استيلاء الجيش وقوات الدعم السريع على الحكم في البلاد، والانقلاب على السلطة المدنية. وقتلت ست النفور (تبلغ من العمر 25 عاماً) بطلق ناري في الرأس في مليونية 17 نوفمبر (تشرين الثاني) بمنطقة شمبات بمدينة بحري.
وفي تغريدة على «تويتر»، دعا تجمع المهنيين السودانيين الذي لعب دوراً محورياً خلال الانتفاضة التي أدت إلى إسقاط عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، إلى مجموعة من التجمعات طوال الأسبوع، من بينها مظاهرة «مليونية» حاشدة اليوم (الأحد)، ومظاهرات مماثلة الخميس. وكانت مجموعات صغيرة من المحتجين قد تجمعت الجمعة بعد الصلاة في عدة أحياء، خصوصاً في ضاحية خرطوم بحري (شمال شرقي العاصمة)، حيث سقط العدد الأكبر من الضحايا الأربعاء. وأقام المحتجون متاريس في الشوارع، لكن قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. وقال تجمع المهنيين إن قوات الأمن «داهمت منازل ومساجد».
وأدانت الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي حملة القمع الدامية ضد المحتجين، ودعوا قادة السودان إلى عدم «الاستخدام المفرط للقوة». وطالب الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية بـ«محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات، بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين السلميين». وأضاف: «قبل المظاهرات المقبلة، ندعو السلطات السودانية إلى ضبط النفس، والسماح بالمظاهرات السلمية».
ومن جهته، قال الاتحاد الأفريقي الذي علق عضوية السودان بعد الانقلاب، في بيان السبت، إنه «يدين بأشد العبارات» العنف الذي وقع الأربعاء. وطالب موسى فكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، السلطات بـ«إعاده النظام الدستوري والانتقال الديمقراطي»، في إشارة إلى اتفاق تقاسم السلطة المبرم بين المدنيين والعسكريين في 2019.
ودعت لجنة حماية الصحافيين إلى إطلاق سراح الصحافيين الذين احتجزوا في أثناء تغطية المظاهرات، بمن فيهم علي فرساب الذي قالت إنه تعرض للضرب، كما أطلقت عليه النيران، واحتجز من قبل قوات الأمن الأربعاء.
وقال شريف منصور، منسق برنامج لحنة حماية الصحافيين في الشرق الأوسط، الجمعة، إن تعرض فرساب للضرب ولإطلاق النار من قبل قوات الأمن يتعارض «مع ادعاء حكومة الانقلاب التزامها بالانتقال الديمقراطي».
ويؤكد قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي قاد الانقلاب على شركائه المدنيين أنه لم يفعل سوى «تصحيح مسار الثورة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.