فرنسا: مسرحية عن السلام ومهرجان للأفلام الفلسطينية

بعد «شارلي إيبدو» وصعود اليمين في الانتخابات البلدية

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

فرنسا: مسرحية عن السلام ومهرجان للأفلام الفلسطينية

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

رغم انطفاء شرارة أحداث «شارلي إيبدو» وتحولها إلى تابو ثقافي يضاف إلى جملة التابوهات المعروفة، بقي الفرنسيون منشغلين تماما بهاجس تعدد الهوية وهاجس ما يميزهم عن باقي الأوروبيين، خاصة بعد مرور أسبوع انتخابي حاسم أرسى معالم حياة سياسية جديدة، سيحكمها ربما أعداء التعددية الثقافية، فاليمين لا يريد أحدا بأي شكل من الأشكال، وربما من سيأتي في الأيام القادمة سيكون من دعاة الهوية وسيثير نقاشا على المستوى الوطني بما يناسب طرحه الثقافي فقط.
بالمقابل، يدرك الكثير من النخب خطورة العيش فوق بركان من الاحتقان والتوتر الاجتماعي، فيدعو في كل مناسبة إلى تخفيف الاحتقان، مستخدما أدوات الثقافة المحقة. وكان آخر المناسبات، تبنيه لعرض مسرحي من النوع الهادف، يقول: «نعم للسلام بين الجميع»، ويدعو إلى السلام الديني بين مكونات ثقافية بات صراعها يؤرق المجتمعات الأوروبية أكثر من غيرها والدليل هو مجموعة الحوادث الأخيرة.
ولطالما بقيت الديانات في حالة غليان وتأجيج، ولو في كواليس الإعلام، مما خلف آثارا سلبية على الهويات، فيجب اليوم تبني طرق معالجة جديدة. هكذا جاءت رسالة يان غال Yan Gilg المسرحي المعاصر صاحب مؤسسة «ذكريات حية» الذي انتقد مرارا في عروض سابقة تراجع وتراخي دور الدولة الثقافي، وهو يطل اليوم بطابع مختلف كليا، وبرمزية بسيطة تنادي بسلام من شأنه الانفتاح على الآخر الثقافي ونبذ الكراهية تجاهه، فأصحاب العرض أرادوا توضيح أمر يتعلق بـ«لماذا يكرهون العرب» والأجانب عموما: أهو من باب الخوف على الهوية أم الخوف من تفشي ثقافة مغايرة تخالف علمانية الدولة؟
وكانت الرسالة ستنجح لو أنها سارت باتجاه توزيع المسؤوليات على الجميع، بدل تسليط الضوء على صدام بين ثقافات عدة، وهو، في حقيقة الأمر، مؤجل وليس آنيا.
مسرحية «سلام شالوم» ربما كانت الأقوى طرحا على صعيد المطالبة بالتزام قيم الإنسانية، وفي محاولتها كشف المخفي في الثقافات وجعلها حكاية مروية كباقي الحكايات، مقبولة في المجتمعات المنفتحة. لقد سمع الشباب أغنيات العرب كأغنية «دايما معاك» للراحل فريد الأطرش، وأعجب بها وصفق بحرارة، بدت الحقائق له أهم من كل بروباغاندا إعلامية تغسل الدماغ.
وبالتزامن مع الحضور الكثيف للعمل المسرحي: «سلام شالوم» الذي قال بأن الأرض تتسع لجميع المختلفين.
من جهة أخرى، جهدت الناشطة الفرنسية بيرين المرأة الأربعينية في تنظيم مهرجان الفيلم الفلسطيني، الذي انطلق في صالة مدينة ستراسبورغ التي لها خصوصية لجهة أنها ألمانية الطابع تحتفي كثيرا بمتاحف وذكريات ضحايا النازية. وتعرض في المهرجان مجموعة أفلام تروي لقصة النضال الفلسطيني الطويل في وجه احتلال مرير وعنيد، وتستخدم الناشطة عبارات حساسة عند بعض الفرنسيين من قبيل الاحتلال والاستيطان والحصار والتهويد في أول مؤتمر صحافي نظمته ليلة أمس وقالت فيه أمام مجموعة صحافيين وناشطين مدنيين إنّ «التسويات لن تكون سهلة كما هي في المخيلة».
وستعرض في المهرجان أفلام لرشيد مشهراوي وعلاء أشقر، وسيقرأ شيئا من أدب الانتفاضة. ترجمت لجنة العمل مجموعة الأفلام العشرة إلى الفرنسية وسيحتفى بها على مدار أسبوع كامل في منصة مدينة تضم أكبر الجاليات العربية واليهودية، ولم لا؟ تقول لجنة التنظيم، لطالما راج الفيلم الفلسطيني في كل العواصم من دبي إلى أبوظبي إلى برلين وأميركا ولندن وغيرها الكثير يرافق ذلك تعريفا عبر كتيب صغير وزع في ساحة عامة بأهمية الحركة النضالية الفلسطينية ومسيرة حياة أدباء وشعراء أوصلوا القضية إلى العالمية واللافت للنظر أن الناشطة بيرين تنتمي إلى عائلة فرنسية من أصول يهودية لكنها تقول: «يجب رؤية كافة أوجه الصراع».



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.