«تجار الفوضى» يشوهون وجه ليبيا بـ«السكن العشوائي»

السلطات تسعى لاحتواء ظاهرة التوسع العمراني غير المدروس

عامل مصري يعمل في مشروع بناء غير شرعي بمدينة بنغازي في أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
عامل مصري يعمل في مشروع بناء غير شرعي بمدينة بنغازي في أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
TT

«تجار الفوضى» يشوهون وجه ليبيا بـ«السكن العشوائي»

عامل مصري يعمل في مشروع بناء غير شرعي بمدينة بنغازي في أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
عامل مصري يعمل في مشروع بناء غير شرعي بمدينة بنغازي في أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

تحوّلت ظاهرة البناء العشوائي في ليبيا إلى أزمة حقيقية في ظل استغلال مقاولين وتجار الفوضى التي تلت سقوط العقيد معمر القذافي قبل عشر سنوات، لوضع يدهم على أراضٍ بشكل غير قانوني أنشأوا عليها سكناً عشوائياً، ما تسبّب في تغيير ملامح معظم مدن البلاد، حسبما جاء في تحقيق لوكالة الصحافة الفرنسية أمس.
وبعد عشرة أعوام على رحيل القذافي، وبدء مسار سياسي قبل أشهر في محاولة لإعادة البلاد إلى سكة القانون والسلم، تجهد الدولة التي نهشتها الصراعات الأهلية والانقسام السياسي، لتلقف مشكلة البناء العشوائي خارج المخططات الحضرية المعتمدة، وإيجاد حلول لها.
وتعد مدينة بنغازي، ثانية كبرى مدن ليبيا، الشاهد الأكبر على حجم ظاهرة التوسع العمراني العشوائي، بعد أن شهدت عمليات عسكرية شرسة خلال الأعوام الماضية قضت على أجزاء كبيرة من أحيائها.
يقول مدير مكتب المشروعات في بلدية بنغازي (شرق) أسامة الكزة لوكالة الصحافة الفرنسية، إن مساحة مدينة بنغازي «كانت قبل عام 2009، 32 ألف هكتار، وتبلغ مساحتها الآن نتيجة للعشوائيات 64 ألف هكتار»، لافتاً إلى أن نصف بناء المدينة خارج المخطط العام الذي وضعته الدولة.
وعلى بعد ألف كيلومتر إلى الغرب، في العاصمة طرابلس، أقيمت أحياء جديدة كاملة من دون أي ترخيص بناء.
ويتحدث وزير الإسكان والتعمير في الحكومة الليبية أبو بكر الغاوي عن «عدم قدرة الدولة على مجاراة العشوائيات التي انتشرت بسرعة، كونها لم تعتمد مخططات حضرية جديدة»، ويشير إلى سلسلة اجتماعات تعقد مع المختصين وعلى رأسهم مصلحة التخطيط العمراني، للإسراع في إنهاء مرحلة «الجيل الثالث للمخططات الحضرية» في مختلف أنحاء البلاد، إضافة إلى التعاقد مع مكاتب هندسية محلية ودولية تعمل على تهذيب المخططات العشوائية التي توسعت على مدى الأعوام العشرة الماضية. واعتُمد الجيل الأول للمخطط العمراني بليبيا في عام 1966، فيما اعتُمد الجيل الثاني في عام 1980، ولم تُنفّذ مرحلة الجيل الثالث التي اعتُمدت في عام 2009 نتيجة تسارع الأحداث ودخول البلد في ثورة أطاحت بحكم القذافي في عام 2011.
وفي غفلة من الدولة الهشة، تمّ جرف آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية عند أطراف بنغازي وتقسيمها إلى مخططات عشوائية بمساحة 500 متر مربع لكل قطعة لتُبنى عليها مساكن وأحياء كاملة، رغم انعدام البنية التحتية للمخطط تماماً. وحتى الآن، لا تزال الدولة عاجزة عن احتواء توسع البناء العشوائي، وفشلت في إعادة تخطيط المناطق المتضررة عمرانياً في بنغازي بسبب الحرب التي تسببت في نزوح عدد كبير من قاطنيها منذ عام 2014 واستقرارهم في مساكن عشوائية بعد دمار منازلهم.
يقول جلال القطراني، وهو موظف في الثامنة والأربعين بنى مسكناً جديداً في حي جديد من بنغازي التي شهدت انطلاق الانتفاضة الشعبية ضد القذافي: «تركنا منازلنا التي كانت في وسط المدينة بسبب الحرب»، مضيفاً: «بعد انتهاء المعارك، كانت هذه المنازل مدمرة وغير صالحة للسكن».
ويتابع: «لم يكن في إمكاننا دفع الإيجار، فاضطررنا إلى بناء منزل صغير في قطاع أنشأه سكان بشكل عشوائي، في غياب خطة عامة من الدولة أو مساعدة لإعادة بناء الأحياء المدمرة». ويقول مسؤول المشروعات في بنغازي إن «هناك أكثر من 50 ألف وحدة سكنية خارج المخطط العام في المدينة لا يتوافر فيها الحدّ الأدنى من المعايير التخطيطية للتجمعات من حيث الطرق الرئيسية والفرعية وممرات المشاة والحدائق ورياض الأطفال والمدارس والمراكز الصحية والتجارية والإدارية». ويرى أن الأمر يشكل «خطراً على الاقتصاد الوطني لعدم جباية عوائد استهلاك الكهرباء والمياه، وغيرها من الخدمات العامة».
ويحاول جهاز الحرس البلدي المعني بتطبيق «الأمن الاقتصادي» جاهداً، الحد من البناء العشوائي. ويمكن خلال التجول في المخططات العشوائية رؤية لافتات كتب عليها بالطلاء الأحمر على جدران المباني «إيقاف البناء ومراجعة الجهاز».
ويقول وكيل وزارة الإسكان والتعمير للشؤون الفنية خالد العبدلي: «المخططات العشوائية تجاوزت الجيل الثالث من المخطط الحضري لبنغازي»، مؤكداً سعي الدولة لوضع خطط «قابلة للتنفيذ لتدارك الوضع القائم ومعالجته».
وفي طرابلس، الحاجة ماسة إلى مساكن. فقد تسببت المعارك في محيط العاصمة في 2019 و2020 بدمار كبير وحركة نزوح واسعة. ومنذ بضعة أسابيع، بدأت السلطات حملة كبيرة ضد البناء غير المرخص، لا سيما على طول الكورنيش، حيث تم جرف عشرات المحال التجارية والمساكن غير المرخصة.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.