النواب الفرنسيون يوافقون في قراءة أولى على قانون حول «مأساة الحركيين»

مقر البرلمان الفرنسي (أرشيفية - رويترز)
مقر البرلمان الفرنسي (أرشيفية - رويترز)
TT

النواب الفرنسيون يوافقون في قراءة أولى على قانون حول «مأساة الحركيين»

مقر البرلمان الفرنسي (أرشيفية - رويترز)
مقر البرلمان الفرنسي (أرشيفية - رويترز)

بعد ستين عاما على انتهاء حرب الجزائر، وافق النواب الفرنسيون، اليوم (الخميس)، في قراءة أولى على مشروع قانون للاعتراف بـ«مأساة الحركيين» وطلب «الصفح» من هؤلاء الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي قبل أن يصلوا إلى فرنسا «في ظروف غير لائقة»، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.
وتم تقديم ما يقرب من 130 تعديلاً على النص الذي من المفترض أن يشكل ترجمة تشريعية لخطاب ألقاه الرئيس إيمانويل ماكرون في 20 سبتمبر (أيلول) في قصر الإليزيه أمام ممثلي هذه المجموعة.
وصوت 46 نائبا على النص مقابل صوت واحد ضده، وامتناع ستة نواب عن التصويت. ويفترض أن يصوت عليه أيضا مجلس الشيوخ الفرنسي.
وبعد ستين عاما من نهاية حرب الجزائر، جاء القانون ليجمع بين بُعد الذاكرة المعنوي وبُعد التعويض المادي.
وقالت الوزيرة المنتدبة للذاكرة وشؤون المحاربين القدامى جنفياف داريوساك إنها تريد طي إحدى «أحلك الصفحات في تاريخ فرنسا»، وأن تكون «على الموعد مع الحقيقة والشرف»، وأشارت إلى أن القانون سيشكل «نقطة تحول تاريخية في الاعتراف» بما عاناه الحركيون.
وأشارت إلى أنه «لا يقصد به سرد التاريخ أو وصف المعاناة». إذ «إن التصحيح ليس قادرا على كل شيء، ولا يمحو الذكريات المؤلمة».
وتحت أنظار ممثلي الحركيين الحاضرين في المجلس، أطلق عدد من المتحدثين من مجموعات سياسية، وبعضهم من أحفاد المرحلين من الجزائر، العنان لعواطفهم، مثل النائب باتريسيا ميراليس من الأغلبية الرئاسية.
وغلب التأثر على نواب مثل ديفيد حبيب (يسار) أو أليكسي كوربيير (أقصى اليسار) الممثلين لدوائر انتخابية سكنها العديد من أحفاد هؤلاء الجزائريين لدى حديثهم عن الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي قبل أن يعودوا إلى فرنسا «في ظروف غير لائقة».
وصرح النائب كوربيير مستهدفاً ضمنياً السياسي اليميني المتطرف إريك زيمور قائلا: «الحرب انتهت والويل لأولئك الذين يعيدون إيقاد الصراع إلى ما لا نهاية».
وأشار النائب اليميني جوليان أوبير إلى تصريحات زيمور، قائلا: «هؤلاء الرجال الذين لم يكن لديهم اسم فرنسي وكانوا من المسلمين دافعوا عن فرنسا أفضل من بعض الخونة للأمة».
ومن خلال القانون، يمضي ماكرون أبعد من الرؤساء السابقين منذ جاك شيراك، عبر الاعتراف بـ«دين» فرنسا تجاه هؤلاء الرجال وكذلك عائلاتهم.
وللمرة الأولى، طلب رئيس الجمهورية الفرنسي «الصفح» في خطوة نادرة ومهمة في إطار النزاع الجزائري، وهو موضوع لا يزال ساخنا على جانبي البحر الأبيض المتوسط كما تبين من الخلافات الأخيرة بين باريس والجزائر بعد تصريحات مثيرة للجدل لإيمانويل ماكرون بشأن الأمة الجزائرية.
وقالت الوزيرة المنتدبة لشؤون الذاكرة والمحاربين القدامى جنفياف داريوسيك: «إنها صفحة سوداء لفرنسا».
ويشمل مشروع القانون خطوات رمزية وأخرى عملية، ويعترف بـ«الخدمات التي قدمها في الجزائر الأعضاء السابقون في التشكيلات المساندة التي خدمت فرنسا ثم تخلت عنهم أثناء عملية استقلال هذا البلد».
وجُند ما يصل إلى 200 ألف من الحركيين في الجيش الفرنسي خلال الحرب بين عامي 1954 و1962.
كذلك يعترف النص بـ«ظروف الاستقبال غير اللائقة» لتسعين ألفا من الحركيين وعائلاتهم الذين فروا من الجزائر بعد استقلالها.
وقالت داريوسيك إن «نصفهم تقريبا تم ترحيلهم إلى مخيمات وقرى» أنشئت خصيصا لهم.
وينص مشروع القانون على «تعويض» عن هذا الضرر أساسه مبلغ يأخذ في الاعتبار مدة الإقامة في هذه المنشآت.
ويشمل التعويض «المقاتلين الحركيين السابقين وزوجاتهم الذين استقبلوا بعد عام 1962... في ظروف غير لائقة، وكذلك أطفالهم الذين جاؤوا معهم أو ولدوا هنا»، وفق ما أوضحت مقررة مشروع القانون باتريسيا ميراليس المنتمية لحزب الرئيس «الجمهورية إلى الأمام».
ورُصد مبلغ خمسين مليون يورو في مشروع موازنة عام 2022 لصرف التعويضات.
وأوضحت ميراليس «نتوقع أن يتم البت بستة آلاف ملف اعتبارا من 2022»، مؤكدة أنها ستدفع باتجاه تعديل «لإدراج حالات محددة لا يشملها حاليا تعويض».
في 2018 تم إنشاء صندوق تضامن بقيمة 40 مليون يورو على مدى أربع سنوات لأحفاد الحركيين.
ويتضمن مشروع القانون إجراءات لمصلحة أرامل هؤلاء المحاربين القدامى. وسيتم إنشاء لجنة مسؤولة عن المساهمة في جمع ونقل ذاكرة الحركيين وأقاربهم والبت في طلبات التعويض.
في صفوف اليسار، سخر ديفيد حبيب من «الخطوة الظرفية للرئيس المرشح» إلى الانتخابات، لكنه أكد «أهمية تقديم رد على إخواننا الحركيين ملائم للمعاناة التي عاشوها».
وسيصوت الحزب الاشتراكي لمصلحة النص.
وعبر أليكسي كوربيير (يسار متطرف) عن قلقه من إجراءات متفاوتة يمكنها إحياء الجروح بين الحركيين، لكنه أكد أن مجموعته لن تعارض «نصا يشكل من وجهة نظر تاريخية تقدما».
في اليمين واليمين القومي الذي يتودد تقليديا للناخبين الحركيين، بدت المواقف أكثر تفاوتا وحتى حادة.
وسخرت زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن من «السخاء الانتخابي لإيمانويل ماكرون».
في يوليو (تموز) الماضي، طلب 33 نائباً جمهوريا (من اليمين) بقيادة جوليان أوبير من إيمانويل ماكرون دفع «تعويض خاص» لمصلحة الحركيين.
وقدم أوبير وكتلته «الجمهورية خصوصا» سلسلة من التعديلات التي تعترف بـ«المسؤولية الكاملة والتامة» لفرنسا في التخلي عن الحركيين في الجزائر أو «الفصل الاجتماعي» الذي تعرض له هؤلاء المقاتلون وأفرادهم في فرنسا.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».