دراما «إيران النووية».. بين الخيال والواقع

من شعار «الموت لأميركا» إلى «قلوب قلقة»

دراما «إيران النووية».. بين الخيال والواقع
TT

دراما «إيران النووية».. بين الخيال والواقع

دراما «إيران النووية».. بين الخيال والواقع

في واحدة من المفارقات، التي تضيف بعض النكهة على التاريخ، عقدت آخر جولة من المحادثات النووية بين إيران ومجموعة دول «5+1»، بقيادة أميركية، في فندق الـ«بوريفاج» في مدينة لوزان بسويسرا. وكانت تلك المفارقة حاضرة عندما انتهت القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى من دفن الإمبراطورية العثمانية، ورسمت شرق أوسط جديدا، من خلال معاهدة لوزان عام 1923. مع ذلك كما نعرف فإن التاريخ لا يعيد نفسه إلا إذا كانت هناك مهزلة. هذه المرة لم يكن ما خرج من فندق الـ«بوريفاج» معاهدة، بل فتات دبلوماسي بائس في شكل عدد من البيانات الصحافية المتضاربة التي أصدرها المشاركون.

طلب الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال الأسبوع الماضي، من وسائل الإعلام الإيرانية عدم الحديث عن «اتفاق لوزان»، بل عن «محادثات سويسرا» حتى لا يعيد إلى الأذهان أحداث عام 1923. وبعد أسبوع من إعلان الرئيس أوباما «إنجازه الكبير» في إبرام اتفاق مع إيران بشأن مشروعها النووي المثير للجدل، بدأ الحماس الذي كان في نبرة الأطراف يخفت.
منذ البداية، زعمت إيران عدم التوصل إلى أي اتفاق، وأنه سيتم استئناف المحادثات بشأن اتفاق قريبا، أملا في كتابة مسودة اتفاق بحلول 30 يونيو (حزيران). وأسفر إصدار الولايات المتحدة، وإيران، والاتحاد الأوروبي، بيانات مختلفة وأحيانا متناقضة في نهاية المحادثات الماراثونية في لوزان بسويسرا عن كل أشكال التكهنات. وزعمت وزارة الخارجية الأميركية في بيانها أنه تم التوصل إلى اتفاق، وأن الجزء المتبقي يتعلق بالعمل على التفاصيل الخاصة بالتنفيذ. واستخدم عبارة «إيران وافقت» 18 مرة. مع ذلك لم يأت النص الإيراني على ذكر أي من الكلمات السبع التي توجد في اللغة الفارسية للتعبير عن أشكال الاتفاق المختلفة. واتهم محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، إدارة أوباما باللجوء إلى «التلاعب بالمعلومات» لتضليل الكونغرس والرأي العام الأميركي. وقال على تلفزيون طهران «لديهم مشاكل داخلية».

خطابا خصمين

وذهب حميد بعيدي نجاد، مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية، الذي كان ضمن الفريق الإيراني في لوزان، إلى أبعد من ذلك، حيث قال «للأميركيين خطابهم، ولنا خطابنا. على سبيل المثال، يقول الأميركيون إنه لن يكون هناك تخصيب لليورانيوم في منشأة فوردو، بينما نقول نحن إن التخصيب في فوردو سيستمر. ويقول الأميركيون إنه سيتم تدمير مفاعل الماء الثقيل في أراك، بينما نقول نحن إنه سيعاد تصميمه وسيتم تطويره».
من جانبهم، يؤكد الأميركيون أن «خطابهم» هو الصحيح، وأنه إذا كان الإيرانيون ينكرونه فهذا بسبب خوفهم من مواجهة معارضة داخل منظومة الخميني في طهران. الافتراض السائد الذي يتبناه أكثر المحللين هو أن المعارضة الوحيدة لاتفاق نووي تأتي من جانب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، والأغلبية من الأعضاء الجمهوريين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ في أميركا، وربما من بعض الدول العربية التي دائما لا تتم تسميتها. مع ذلك الحقيقة هي أنه توجد معارضة قوية لأي اتفاق داخل منظومة الخميني ذاتها، ناهيك عن المجتمع الإيراني ككل. وتأتي هذه المعارضة في خمسة أشكال:
الأول يمثل كل الذين يعارضون أي نوع من الاتفاق مع الولايات المتحدة التي يشيرون إليها بـ«الشيطان الأعظم» أو بـ«غرور العالم». ويقولون إنه رغم تخلي الرئيس أوباما عن كل الطلبات الأميركية السابقة، وكذلك عن الطلبات الواردة في ستة قرارات صادرة عن مجلس الأمن بشأن مشروع إيران النووي، فإنه لا يحق له منح إيران الحق في إنشاء صناعة نووية أو حتى تصنيع قنبلة. وقال حجة الإسلام رضائي، عضو البرلمان الإيراني، من طهران «لا يحق للأميركيين أن يملوا علينا أفعالنا. كيف يمكن أن نسمح لعدو الثورة رقم واحد بتحديد السياسات التي يحق لنا اتباعها؟». ويذهب أحد منظمي مؤتمر «الموت لأميركا» في طهران لأبعد من ذلك من خلال زعمه أن الهدف الأسمى للثورة الخمينية هو تدمير الولايات المتحدة مثلما دمرت حركة المجاهدين الأفغانية الاتحاد السوفياتي. ويقول اللواء نقدي، قائد قوات التعبئة «حتى استسلام الأميركيين غير المشروط ليس كافيا».
وتعد صحيفة «كيهان»، التي تخضع للإشراف المباشر لمكتب «المرشد الأعلى» علي خامنئي، هي رأس الحربة لهذا الشكل من المعارضة في طهران. ويقدم حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان»، تحليلا للسياسة العالمية يذكرنا بجماعة «عصابة الأربعة» المتطرفة داخل الحزب الشيوعي الصيني أثناء الثورة الثقافية. ورغم استخدام شريعتمداري لمصطلحات مماثلة غامضة، تقوم رؤيته للعالم على الزعم بأن الجنس البشري يواجه، في خضم صراع بين خطابات تحولية، خيارين: إما الحياة بالخضوع إلى الولايات المتحدة كقوة عظمى، أو الاحتشاد تحت لواء الثورة الخمينية في إيران من خلال صراع طويل الأجل يهدف إلى إنشاء عالم إسلامي جديد. لذا أي مواءمات تصل إليها كل من الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، حتى إذا حصلت من خلالها إيران على كل ما تريد في مشروعها النووي، لن تكون مرغوبا فيها إن لم تكن خطيرة، لأن هذا سوف يسبب «ارتباكا بشأن المعركة بين الخطأ والصواب». إضافة إلى تلك المعارضة الفكرية لسيناريو لوزان، هناك مجموعة أخرى تعارض اتفاقا محتملا بصورته التي ظهرت في عدة بيانات صحافية خلال الأسبوع الماضي.

قلوب قلقة

إنها تلك المجموعة التي يطلق عليها اسم «قلوب قلقة». وعقدت المجموعة خلال العام الماضي سلسلة من المؤتمرات في طهران، ومدن أخرى كبرى، في محاولة لحشد المعارضة ضد «التنازلات المجحفة» التي قدمها جناح رفسنجاني، الذي ينتمي إليه كل من الرئيس روحاني وظريف. وعبر علي رضا زاكاني، عضو البرلمان، وهو عضو بارز في المجموعة، عن قلقه من احتمال تجميد إيران لبرنامجها النووي على نحو يفرغه من معناه، لكن يجعله لعبة باهظة الثمن، في حين يستمر «الجانب الآخر» في شحذ سيف العقوبات، الذي يشبه سيف ديموقليس الذي يستخدم في الإشارة إلى أن لكل شيء ثمنا، لعقود إن لم يكن إلى الأبد. وفي بيان صدر الأسبوع الماضي، كتب زاكاني عن «12 خطا أحمر» على المفاوضين الإيرانيين مراعاتها في حال التوصل إلى اتفاق نهائي خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. المشكلة هي أن مراعاة تلك «الخطوط الحمراء» سوف تعني الاستسلام الكامل من جانب الولايات المتحدة وحلفائها دون تقديم الجمهورية الإيرانية لأي تنازل.
وكتب محمد سفاري، في مقاله الافتتاحي في صحيفة «السياسة اليوم»: «يقول ظريف إنه سيتم رفع العقوبات يوم التوقيع على الاتفاق. مع ذلك لا توجد أي إشارة في وزارة الخارجية الأميركية إلى رفع فوري لكل العقوبات. ولم يذكروا سوى تخفيف العقوبات على أساس تقارير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية». كذلك تعارض مجموعة «قلوب قلقة» أي شكل من أشكال التفتيش للمواقع حتى لو لم يكن هناك سوى صلة عسكرية ضعيفة. ويغطي هذا 14 من المواقع النووية في إيران والبالغ عددها 17. وحتى وقتها، سوف يوافقون على عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد موافقة إيران الكاملة على المفتشين، وطبقا لقواعد صارمة يتم إرساؤها تحت الإشراف الإيراني.
يأتي الشكل الثالث من أشكال المعارضة من جانب الذين يخشون أن تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الزجّ بالجمهورية الإسلامية في شبكة من العلاقات تقود إلى هيمنتهم على السياسة الإيرانية لأنهم أقوى من إيران. وتزعم المجموعة أنه لتحقيق ذلك ستدعم الولايات المتحدة جناح رفسنجاني، أملا في أن تكسب انتخابات المجلس التشريعي، ومجلس الخبراء، التي ستجرى العام المقبل والتي ستحدد اسم «المرشد الأعلى».
ولتولي السلطة بمساعدة قوى خارجية تاريخ طويل في السياسة الإيرانية؛ ففي بداية القرن التاسع عشر عقد فصيل داخل نظام قاجار اتفاقا مع روسيا القيصرية لترسيخ قوته. واتخذ الاتفاق شكل معاهدة تركمنجاي التي ينظر إليها الإيرانيون باعتبارها أحلك لحظة في تاريخهم الذي يصل إلى 3 آلاف عام. بموجب المعاهدة تم التنازل لروسيا عن كل الأراضي الإيرانية في جنوب القوقاز، ووضع الجوانب الأساسية للسياسة الإيرانية تحت الإشراف المشترك لروسيا وبريطانيا العظمى. والدور البارز، الذي اضطلع به الملالي، في كارثة تركمنجاي دفع البعض إلى عقد مقارنة بين ما حدث آنذاك وبين ما يحاول الملالي أن يفعلوه اليوم. وأطلق بعض المعلقين في إيران على بيانات لوزان وصف «لوزان جاي» في إشارة إلى معاهدة تركمنجاي. ويزعم حجة الإسلام مصطفائي أن «الأمر كله خدعة لتوجيه الجمهورية الإسلامية نحو العلمانية. سيتم الإبقاء على اسم الجمهورية الإسلامية، لكن من دون أن يحمل ذلك أي معنى. سنصبح جزءا من البدعة الأميركية».

اتفاق سري

يعتقد بعض المعلقين أن جناح رفسنجاني قد أبرم بالفعل اتفاقا سريا مع إدارة أوباما. ويأمل رفسنجاني أن يصبح مثل دينغ زيابوينغ في إيران، أي أن ينهي فصل الثورة، ويبدأ كتابة فصل جديد كحليف للولايات المتحدة يساعد في إقامة توازن جديد للقوى في الشرق الأوسط. وستكون هذه الخطة بمثابة صفقة رابحة لجميع الأطراف وعد بها روحاني؛ حيث ستربح الولايات المتحدة بإتمام انسحابها من الشرق الأوسط، في حين ستربح الجمهورية الإسلامية بأن تصبح «القوة العظمى» في الإقليم كما أشار أوباما. ورفضت صحيفة «راجا نيوز»، المقربة من الجناح المتشدد في طهران، في مقالها الافتتاحي يوم الجمعة الماضي، مزاعم ظريف بأن البيان الصادر في لوزان لم يكن سوى بيان صحافي لا يحمل أي قيمة قانونية. وطرح المقال تساؤلا مفاده «هل احتجنا تسعة أيام من المفاوضات للخروج ببيان صحافي؟ أم أنهم كانوا يعملون على معاهدة حقيقية لم يتم الإعلان عنها بعد؟».
أما الشكل الرابع لمعارضة سيناريو لوزان فيأتي من الذين يخشون من أن يعزز إنهاء الأزمة، ورفع العقوبات، نظام الخميني في أسوأ أشكاله ويطيل بقاءه. ومن المنتقدين أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية الإسلامية، والذي يقيم حاليا في منفاه في فرنسا. وقال بني صدر في مقال الأسبوع الماضي «يعني مصطلح الصالح القومي في إطار النظام السياسي الحالي صالح طبقة رجال الدين الحاكمة. وعوضا عن ذلك أنا أستخدم مصطلح الحقوق القومية الذي يشير إلى حقوق ومصالح كل الإيرانيين بوجه عام». ويصف بني صدر السياسات الإيرانية بأنها «كارثية»، ويزعم أن الشعب الإيراني لم يُخطر بحقيقة ما يحدث وما يتعلق بالمشروع النووي. كذلك يزعم بني صدر أن علي خامنئي «المرشد الأعلى» قرر «الانفتاح» على الولايات المتحدة، وقوى العالم، من أجل تفادي أي انفتاح في الداخل.

الولايات المتحدة تتودد إلى الجيش الإيراني

ويأتي الشكل الخامس من أشكال المعارضة من المؤسسة الأمنية ومؤسسة الجيش في إيران. إنهم يخشون أن يؤدي التوصل إلى اتفاق بشأن المشروع النووي يقتضي تفتيش مواقع عسكرية حتما إلى فتح قناة الاتصال بين الجيش الإيراني، والقوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأميركية. لذا ربما تستخدم الولايات المتحدة عمليات التفتيش كغطاء لإقامة علاقات مع عناصر في الجيش الإيراني، وأجهزة الأمن، وربما يتم إغواؤها بالاستيلاء على السلطة؛ فالانقلاب العسكري هو أكثر طرق تغيير الأنظمة شيوعا في الشرق الأوسط على مدى الأعوام الـ150 الماضية. لذا يخشى الكثيرون في إيران أن تساعد إدارة أوباما في إرساء وضع يحل فيه النظام العسكري محل نظام الملالي، وهو ما يعيد آمال إيران التي يمتد عمرها لـ150 عاما إلى الوراء مرة أخرى.
ويقول المحلل حميد زمردي، مسؤول سابق في البحرية «سوف يرغب الجيش الإيراني في التوصل إلى اتفاق يمكنه من التمتع بنفوذ أكبر في السياسة الداخلية مع بناء إمبراطورية في الشرق الأوسط. كذلك سيحبون الحصول على أفضل وأحدث أسلحة وأشياء لا يستطيع تقديمها سوى الأميركيين». واستخدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها طريقة عمليات التفتيش نفسها في العراق أثناء حكم صدام حسين وتمكنت من «تجنيد» عدد من الشخصيات البارزة في الجيش العراقي، كان من بينهم اثنان من أزواج بنات الحاكم المستبد صدام حسين. ويزعم مقدم فار، القائد في الحرس الثوري، أن الاتفاق سوف يمنح الجيش الإسرائيلي فرصة دخول «المواقع الحساسة» في إيران، وكذلك فرصة الاتصال بقادة إيرانيين. ويقول «لدينا مخاوف يجب التعامل معها بشأن البروتوكولات الإضافية الخاصة بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وعمليات التفتيش غير المعلن عنها، وإمكانية إطلاع جواسيس إسرائيليين وأميركيين على أسرارنا القومية».
ومع وضع الذين جاهروا بمعارضتهم لبيانات لوزان جانبا، فإن ما يهم المحللين هو صمت قطاعات مهمة في المؤسسة الإيرانية والمجتمع الإيراني بوجه عام. وأصدر اللواء حسن فيروز آبادي، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، بيانا مميزا أعرب فيه عن أمله في أن تسفر محادثات لوزان عن اعتراف بـ«كل حقوق إيران».. ولا يمكن النظر إلى هذا التصريح باعتباره دعما. وكان صمت قادة عسكريين آخرين، من بينهم قادة بارزون في الحرس الثوري الإيراني، ملحوظا. وفجأة لم يعد أحد يسمع أي تعليق من أشخاص كثيري الظهور على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد. كذلك كان جواب آيات الله العظمى في مدينة قم، ومن بينهم أشخاص تابعون للحكومة، هو الصمت. وزعمت وسائل إعلام مؤيدة لرفسنجاني خلال الأسبوع الماضي أن ناصر مكارم الشيرازي، إحدى آيات الله العظمى، قد أشاد بـ«نتيجة» محادثات لوزان، وشكر الفريق الإيراني بقيادة ظريف. مع ذلك اكتفى مكتب آية الله ببضع دقائق لنفي ذلك الزعم رسميا. وحتى هذه اللحظة، الشخصية الدينية البارزة الوحيدة التي قدمت التهاني إلى إيران على محادثات لوزان هي البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية. والأمر الأبرز هو أنه حتى وقت كتابة هذه السطور، حتى خامنئي لم يصرح بأي شيء يتعلق بنتائج محادثات لوزان. ونشر محمد باقر قاليباف، عمدة طهران، مقال رأي يتجنب فيه القطع برأي محدد؛ فهو لم يرحب بنتائج محادثات لوزان، لكنه دعا الجميع لعدم استغلال هذا الأمر في «إحداث فرقة». ولا يمكن أيضا النظر إلى هذا الموقف باعتباره دعما.
ورجل الدين الوحيد، الذي أثنى على «النصر العظيم للإسلام في لوزان»، كان رفسنجاني، حيث ظل يتحدث كل يوم في محاولة لدعم تلميذه روحاني في وقت عصيب. كذلك لم يسمع أحد صوت محمد خاتمي، الرئيس السابق، وهو من رجال الدين من الرتب المتوسطة. وربما يرجع ذلك إلى منع ظهور اسمه، وصوته، وصوره، في وسائل الإعلام الإيرانية. كذلك وجه علي أردشير لاريجاني، رئيس المجلس التشريعي، وزعيم مجموعة نافذة لديها اتصالات جيدة بالغرب، خاصة بريطانيا العظمى، الشكر إلى الفريق الإيراني المفاوض، لكنه كان حذرا، وتفادى دعم ما رشح عن المحادثات من نتائج. أما صادق لاريجاني، شقيق علي، وهو ملا ذو مرتبة متوسطة، ورئيس السلطة القضائية؛ فرغم أنه شخص كثير الكلام، فقد كان متكتما على غير العادة. واتسم المناخ العام في البلاد بالترقب الحذر، فقد سئم الناس العقوبات، ويعانون من مصاعب ومشاكل اقتصادية. مع ذلك، لا يبدو أنهم قد اتخذوا موقفا واضحا بشأن سيناريو لوزان، ومن أسباب ذلك الروايات المتضاربة لكل من طهران وواشنطن، والقلق من احتمال «قيام الطرفين بترتيب الأمور» لخداع شعبيهما.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.