العراق يسيّر الخميس أوّل رحلة لإعادة مهاجرين من بيلاروسيا

عائلة كردية من السليمانية تروي كيف وصلت إلى بولندا ثم رُحِّلت

نعش كردي توفي على الحدود البيلاروسية - البولندية في مسجد بأربيل أمس (أ.ف.ب)
نعش كردي توفي على الحدود البيلاروسية - البولندية في مسجد بأربيل أمس (أ.ف.ب)
TT

العراق يسيّر الخميس أوّل رحلة لإعادة مهاجرين من بيلاروسيا

نعش كردي توفي على الحدود البيلاروسية - البولندية في مسجد بأربيل أمس (أ.ف.ب)
نعش كردي توفي على الحدود البيلاروسية - البولندية في مسجد بأربيل أمس (أ.ف.ب)

أعلن المتحدث باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف للقناة العراقية الرسمية أن العراق سيسير أول رحلة لإعادة مهاجرين عراقيين عالقين على الحدود في بيلاروسيا الخميس المقبل. وأوضح في تصريح للقناة العراقية الرسمية ليل الأحد أن «العراق سيسير رحلة أولى للراغبين بالعودة الطوعية يوم 18 من الشهر الجاري ونحن مع العودة الطوعية».
وذكر المتحدث أن الخارجية «رصدت تسجيل 571 عراقياً في مقاطعتين ضمن 8 مخيمات» على الحدود في بيلاروسيا، بدون أن يحدد ما إذا كانت الرحلة ستشمل الـ571 جميعهم، «مضيفاً أنه لا يمكن إحصاء الأعداد كاملة لأن الشريط الحدودي يمتد 680 كلم وهناك إعراض عن العودة لدى البعض».
وكان الصحاف قد أكد لوكالة الصحافة الفرنسية الجمعة «بدء تسجيل الراغبين في العودة الطوعية» استعداداً «لاكتمال الأعداد الخاصة برحلة ستتوجه من مينسك إلى العراق خلال الأيام القليلة القادمة». وقال حينها إن العراق «على استعداد تام وكامل للقيام بأكثر من رحلة».
ويشكل المهاجرون من إقليم كردستان العراق غالبية العالقين على الحدود البيلاروسية - البولندية وسبق أن أعيد بعضهم ومنهم كرمان محمد الذي حاول الهجرة مع زوجته وأبنائه الثلاثة الشهر الماضي من السليمانية تحت ستار السياحة. وحسب وكالة «رويترز» تبين وثائق وروايات شهود أن أسرة محمد كانت ضمن آلاف حصلوا على تأشيرات سياحية في الشهور الأخيرة بمساعدة وكالات للسفريات في الشرق الأوسط تعمل من خلال شراكة مع شركات سياحية في بيلاروسيا.
لم تكد تمضي أيام على وصول الأسرة إلى مينسك حتى شقت طريقها إلى الحدود الفاصلة بين روسيا البيضاء وبولندا لتنضم إلى موجة من العراقيين والسوريين والأفغان وغيرهم ممن يحاولون العبور المحفوف بالمخاطر إلى الاتحاد الأوروبي. قال محمد يوم الخميس الماضي وهو يجلس في بيته بمدينة السليمانية في شمال العراق: «الطائرات تنقل السياح المتوجهين للسياحة». وأضاف «حكومة بيلاروسيا تعلم جيداً أن هؤلاء الناس ليسوا سياحاً لكنهم ذاهبون إلى الحدود البولندية».
وصل محمد وأسرته إلى بولندا بالفعل لكنهم لم يمكثوا فيها سوى فترة قصيرة، فقد تم ترحيلهم إلى العراق يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) لتصبح الأسرة دليلاً حياً على أن إنفاق آلاف الدولارات والمخاطرة بالأرواح لا يضمنان الاستقرار في الاتحاد الأوروبي.
وأظهرت الوثائق التي نشرتها بولندا أن قرابة 200 عراقي حصلوا على دعم في إصدار التأشيرات من شركة سفريات تديرها الدولة في بيلاروسيا للسفر من أجل الصيد البري وأغراض أخرى. وتحدث مهاجرون ووكلاء سفريات في العراق وتركيا عن السهولة النسبية التي حصلوا بها على وثائق للسفر إلى بيلاروسيا في الشهور الأخيرة.
ورغم التكلفة التي أوضح مهاجرون عراقيون أنها تراوحت بين 1250 و4000 دولار للوصول إلى مينسك، فقد أكمل الآلاف الرحلة بالحصول على التأشيرات بمساعدة شركات من بيلاروسيا واستقلال رحلات جوية تجارية بعد أن تزايدت وتيرتها منذ فصل الربيع. وساعدت في تحقق هذه الزيادة في أعداد المهاجرين وكالات سفريات وشركات صغيرة ومهربون وسائقون يسعون لتحقيق الاستفادة المالية وذلك وفقاً لما قاله مسافرون متجهون إلى الحدود أو وصلوا إليها بالفعل.
وقال عدد من المهاجرين قرب الحدود لـ«رويترز» إن حرس الحدود في روسيا البيضاء ساعدهم في العبور إلى بولندا أو غض الطرف عنهم وهم يحاولون العبور. وقال اثنان من المهاجرين في لقاءين منفصلين إن حرس الحدود سلمهما أدوات لقطع الأسلاك. ولم ترد السلطات في بيلاروسيا على طلبات للتعليق على الاتهامات الموجهة لها بأنها سهلت أزمة المهاجرين.
وعرض وسطاء ووكلاء خدماتهم على المهاجرين. ومن هؤلاء حسين الأصيل العراقي المقيم في أنقرة الذي يوفر خدمات السفر للراغبين من السياح والمهاجرين. وقال الأصيل إنه رتب دعوات لزبائنه من ثلاثة شركاء في بيلاروسيا وتولى استخراج تأشيرات على جوازات سفر مرسلة من العراق. وبمجرد عودة الجوازات أصبح بإمكان أصحابها السفر إلى مينسك عن طريق تركيا. وقال إنه تقاضى 1250 دولاراً عن الفرد الواحد وزعم أن ذلك يجعل منه واحداً من أرخص وكلاء السفر. وأضاف أن سفارة روسيا البيضاء «بالطبع تعلم أن هذا الشخص ليس ذاهباً للسياحة. أي نوع من السياحة هذا الذي يحجز فيه المرء تذكرة طائرة مقابل 800 دولار ويحصل على تأشيرة مقابل 1250 دولاراً؟ هم يعلمون أن هؤلاء الناس قادمون للذهاب إلى أوروبا».
وتوفي ثمانية أشخاص على الأقل من المهاجرين في محاولات العبور وجرت في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، أمس، مراسيم تشييع أحدهم. وتتزايد المخاوف على سلامة الآخرين مع اقتراب الظروف الجوية الشتوية القاسية.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».