«ملفات شائكة» بين الحكومة التونسية و«اتحاد الشغل»

أبرزها تعديل القدرة الشرائية وقيمة الأجر الأدنى المضمون

جانب من المظاهرات الرافضة قرارات الرئيس قيس سعيد وسط العاصمة أول من أمس (إ.ب.أ)
جانب من المظاهرات الرافضة قرارات الرئيس قيس سعيد وسط العاصمة أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

«ملفات شائكة» بين الحكومة التونسية و«اتحاد الشغل»

جانب من المظاهرات الرافضة قرارات الرئيس قيس سعيد وسط العاصمة أول من أمس (إ.ب.أ)
جانب من المظاهرات الرافضة قرارات الرئيس قيس سعيد وسط العاصمة أول من أمس (إ.ب.أ)

استأنف «الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)»، أمس، رسمياً الحوار الاجتماعي مع الحكومة، وخصص اللقاء الرسمي الأول، الذي جمع الطرفين، لمناقشة عدد من القضايا الشائكة؛ في مقدمتها الملفات الاجتماعية والنقابية العالقة، والاتفاقات الموقعة مع الحكومة منذ فبراير (شباط) الماضي، وملف المفاوضات الاجتماعية، وضرورة تعديل القدرة الشرائية للأجراء في القطاع العام... علاوة على مراجعة قيمة الأجر الأدنى المضمون، وملف عمال الحضائر.
وانطلقت هذه المفاوضات، التي ستتواصل على جلسات عدة، بأهداف وتصورات مختلفة. فالحكومة تبحث عن ضمان سلم اجتماعي وتحقيق هدنة، من خلال التوصل إلى اتفاق مع اتحاد الشغل، وهو ما يضمن لها، حسب مراقبين، مناخاً اجتماعياً سليماً، ويسمح لها بالعمل بعيداً عن الضغوطات النقابية، والإضرابات والاحتجاجات وحالات الاحتقان.
في المقابل؛ يخضع «اتحاد الشغل» لضغوط منخرطيه، التي تدعوه لتنفيذ الاتفاقات التي بقيت حبراً على ورق، وتحثه على المطالبة بحقوق الأجراء، وضرورة تحقيق مكاسب اجتماعية تخوله الإعداد للمؤتمر الانتخابي المبرمج منتصف شهر فبراير (شباط) المقبل، والردّ على حملات التشويه، التي طالت خصوصاً المكتب التنفيذي بسبب تعديلات الفصل «20» من نظامه الداخلي، والرغبة في الترشح من جديد.
ويعول اتحاد الشغل على هذه الجلسات التفاوضية لاستئناف الحوار الاجتماعي المتوقف، وفتح مفاوضات حول الزيادة في أجور القطاع العام، التي بقيت جامدة منذ سنتين، ومعالجة الملفّات الاجتماعية بصفة تشاركية، وضمان تحديد آجال تنفيذ التعهدات الحكومية، ومنها مراجعة الأجر الأدنى المضمون، وتطبيق الاتفاقيات القطاعية المبرمة منذ سنوات دون أن ترى النور، ونشر الأوامر المتعلقة بها في الرائد الرسمي (الصحيفة الرسمية)، مع إنهاء كل أشكال العمل الهش، كالحضائر والاعتمادات المفوضة وصيغ التعاقد المعتمدة في قطاعي التعليم والصحة، والعمل على إنقاذ المؤسّسات العمومية، التي تعاني من صعوبات كثيرة.
وسبق هذا الاجتماع اتصال هاتفي بين الرئيس قيس سعيد، ورئيس «الاتحاد العام التونسي للشغل» نور الدين الطبوبي، الذي أعلن دعمه مؤسسة الرئاسة في قرارات 25 يوليو (تموز) الماضي. ورداً على تصريح ماهر مذيوب، النائب البرلماني والقيادي في «حركة النهضة»، بأن المكالمة تمت بطلب من الرئيس سعيد «المتخوف من الوقفة الاحتجاجية» الرافضة التدابير الاستثنائية الرئاسية أول من أمس، قال الطبوبي إنه هو من بادر بالاتصال برئيس الجمهورية لمناقشة تفاصيل الجلسة، التي ستنعقد بين الحكومة و«المكتب التنفيذي الوطني» لـ«اتحاد الشغل».
في السياق ذاته، أكد سامي الطاهري، المتحدث باسم «اتحاد الشغل»، أن الاتفاقات النقابية الموقعة مع الحكومات السابقة تجاوز عددها 26 اتفاقاً، وناشد الحكومة الحالية مواصلة الالتزام بما تضمنته، اعتماداً على مبدأ استمرارية الدولة. كما يطالب الاتحاد بنشر 27 اتفاقية سابقة بالرائد الرسمي حتى تجد طريقها للتنفيذ.
ويرى مراقبون أن الجلسة التفاوضية بين الحكومة و«اتحاد الشغل» لن تفضي إلى اتفاقات فعلية، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. عادّين أن «اتحاد الشغل» سيسعى من خلالها لإعادة الدفء للعلاقات التي كانت تربطه مع رئاسة الجمهورية، وقد يستعمل الحوار للضغط على الرئيس سعيد لإطلاق حوار وطني حول الوضع السياسي في تونس، والتوجه الرئاسي لقطع الطريق أمام الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية التي تتمسك بضرورة المشاركة في جلسات الحوار.
على صعيد متصل، أعلنت الهيئة الإدارية للجامعة العامة للتعليم الثانوي، التابعة لـ«اتحاد الشغل»، عن عقد اجتماع لها عقب حادثة العنف التي تعرض لها أحد المدرسين من قبل تلميذ. ونظرت الهيئة في العرائض التي تقدّم بها الأساتذة إلى النقابة والتي صاغوها خلال الإضراب العام في المدارس والمعاهد، على أمل أن يكون الملف التربوي على طاولة رئاستي الجمهورية والحكومة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».