فرنسا تحتفل بشاعرها ومطربها جورج براسنز

مائة عام مرت على مولده واتسمت أغانيه بنزعة فلسفية

جورج براسنز
جورج براسنز
TT

فرنسا تحتفل بشاعرها ومطربها جورج براسنز

جورج براسنز
جورج براسنز

أعرف أن الزمن تجاوزنا وتخطانا، أعرف أننا بلغنا من العمر عتياً، أعرف أنه أكل علينا الدهر وشرب، أعرف أننا أصبحنا في خبر كان وأخواتها، أعرف أننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى!! كل هذا أعرفه وأكثر منه... ولكن مع ذلك دعونا نتحدث عن أجمل قصائد الحب في الشعر العربي، والشعر الفرنسي، وربما الشعر العالمي. وبعدئذ سوف نتحدث عن مطرب فرنسا الأكبر في هذا العصر: جورج براسنز.
لن أتحدث لكم عن نونية ابن زيدون الشهيرة التي يعرفها الجميع. ولكني سأتحدث لكم عن مقطوعة أخرى قد لا يعرفها الكثيرون. لنستمع إليها:
«ودع الصبر محبٌّ ودعك
ذائعٌ من سره ما استودعك
يقرع السِّن على أن لم يكن
زاد في تلك الخطى إذ شيعك
يا أخا البدر سناء وسنى
حفظ الله زماناً أطلعك
إن يكن قد طال ليلي فلكم
بت أشكو قصرَ الليل معك»
السؤال المطروح هنا: لماذا تمر الساعات وكأنها دقائق أحياناً؟ لماذا يتوقف الزمن؟ ثم لماذا تكاد تطلع روحك أحياناً أخرى حيث تتحول الدقائق إلى دهور؟ هناك شخص أكاد أموت إذا ما فرض علي اللقاء معه أكثر من خمس دقائق، أكاد أصاب بالسكتة القلبية... متى سنطبق نظرية النسبية لأينشتاين على الزمن؟ متى سنفهم أن الزمن نسبي؟ «في كل ثانية محيطٌ من القرون»! كما يقول هنري ميشو في بيت خارق رائع. الزمن شيء نفسي، سيكولوجي: أحياناً يمر وأحياناً لا يمر. نقطة على السطر. ثم لاحظوا معي هذا البيت:

حفظ الله زماناً أطلعك!
لكأنه يقول لها: سبحان الذي خلقك ما خلق غيرك! شكراً لك لأنك موجودة يا سيدتي، فقط لأنك موجودة. لا نريد أكثر من ذلك. نورت العالم.
هذا هو ابن زيدون. إنه يذهب دائماً إلى ما هو جوهري، ما هو أساسي. لا يضيع وقته في التفاصيل الثانوية. كان شخصاً مجروحاً من الداخل، كان شخصاً معطوباً، وكان صوته يملأ بأصدائه الأندلس كلها. كان يسجل جرحه على صفحة التاريخ ويمضي. من يستطيع أن يفهم ابن زيدون، لواعج ابن زيدون؟ من يستطيع أن يرتفع إلى مستوى ابن زيدون؟
لن أستطيع التوقف مطولاً عند أجمل قصائد الحب في الشعر الفرنسي. فهي عديدة جداً وتتجاوز مقدرتي وإمكانياتي. لكن لنذكر إحداها فقط على سبيل الذكرى: «إلى الحلوة المتعجرفة» (فيكتور هيغو). ولكن هل يمكن أن تكون الحلوة إلا متعجرفة؟ يبدو أنها استعصت عليه وحرقت أنفاسه. نقول ذلك ونحن نعرف مدى «تهورات» فيكتور هيغو ومغامراته في هذا المجال. لن ندخل فيها لأنها تتطلب مجلدات.

من أراغون إلى جورج براسنز
أما لويس أراغون فقد لخص الموضوع كله بقصيدة واحدة: «لا يوجد حب سعيد على هذه الأرض». بالمختصر المفيد: الحب أوله بلسم وآخره علقم. وقد غناها المطرب الشهير جورج براسنز الذي تحتفل فرنسا بمرور مائة عام على ولادته (1921 - 2021). ولكنه لم يعش منها إلا ستين عاماً فقط لأنه مات عام 1981. لم يكن مطرباً كبيراً فقط وإنما كان شاعراً أيضاً. والدليل على ذلك أن الأكاديمية الفرنسية منحته الجائزة الكبرى للشعر الفرنسي عام 1967. ولكنه بعد أن شكرهم اعترف بكل تواضعه الجم بأنه لا يستحقها.
وهذه أول مرة أسمع مبدعاً يقول إنه لا يستحق الجائزة التي منحت له. قال بالحرف الواحد: «لا أعتقد أني شاعر... الشاعر يحلق إلى أعلى مني بكثير... لست شاعراً... كنت أتمنى أن أكون شاعراً مثل فيرلين»... ولكنك شاعر يا صديقي بل أكثر من شاعر لأن أغانيك تملأ شوارع فرنسا ومقاهيها وبيوتها. بل تجاوزت قصائدك حدود بلادك وأصبحت عالمية مثل أغاني فرانك سيناترا. يبدو أن هذا الشخص كان إنساناً طيباً كريماً، شهماً. ثم بالأخص، يبدو أنه كان صادقاً لا يحب الكذب. وهو صاحب أغنية شهيرة كثيراً ما استمع إليها في خلواتي: «المارات». لكأنه يقول: يا للعابرات المجهولات! يا للفاتنات الخاطفات! يا للقصص الضائعات! يا خسارة! ثم يطرح الشاعر المطرب سؤالاً آخر: هل سُرقت منا حياتنا قبل أن تبتدئ ؟ هل غُدرنا يا ترى؟ هل عشنا بما فيه الكفاية؟ هل شبعنا من العيش أم شبع العيش منا؟ لماذا الرحيل قبل الأوان؟ ستون سنة فقط! قالت له إحداهن مرة: رجاء وفر علينا فذلكاتك الفارغة التي شبعنا منها. بصراحة أفكارك السوداوية أصبحت تضرب على نافوخنا! ألا توجد عندك معزوفة أخرى؟ فلم يرد. وما نفع الرد؟ أتذكر أني سمعت أغنية جورج براسنز هذه لأول مرة في مدينة بيزانسون القريبة من الحدود السويسرية فلم أفهم منها شيئاً.
كنت لا أزال غراً مبتدئاً أتعلم أبجديات اللغة الفرنسية. أعترف بأنه لزمني ثلاثون سنة لكي أستطيع أن أفهم هذه الأغنية عن جد وأن أتذوقها كما ينبغي. وهي أغنية فلسفية إذا جاز التعبير. ثلاثون سنة فقط لا غير. ولست نادماً على شيء: فهي تستحق الانتظار. الآن أفتح عليها متى أشاء وأشتهي. كما أفتح على أغنية إيف مونتان: «الأوراق الذابلة والحب المنصرم»، التي تسحرني سحراً، تذيبني ذوباناً. لا تنسوا: نحن في فصل الخريف الآن والأوراق الصفراء المتساقطة التي ندهس عليها أغلى من الذهب! أقول ذلك رغم أنه ليس من السهل أن تتذوق آداب لغة أخرى غير لغتك الأم، ناهيك عن أشعارها وأغانيها. بل تلسعك أحياناً بعض الخيانة.
كانت أغنية «المارات» تعجب لينو فانتورا كثيراً، وتعجب الملايين أيضاً. ولد هذا المطرب الكبير جورج براسنز ذو الصوت الساخن الدافئ الذي يحدث قشعريرة أخاذة من أول نبرة في مدينة «سيت» المستلقية بكل غنج ودلال على شواطئ البحر المتوسط. ومنها انطلق لفتح باريس والعالم. والآن تحتفل به بلاد فيكتور هيغو احتفالاً كبيراً وتتأسف لأنه رحل قبل الأوان. الشاعر يموت شاباً كما قال رينيه شار: بودلير 46 سنة، فيرلين 52 سنة، رامبو 37 سنة، لوتريامون 24 سنة!
الشعر عابر، الحب عابر، الحياة ذاتها عابرة. «فإذا الكل باطل في باطل وقبض الريح»، كما يقول سفر الجامعة التوراتي. ولكن أفضل عليه ما ورد في القرآن الكريم: «كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام». أتذكر أني كنت معجباً جداً في شبابي الأول بعناوين إبراهيم عبد القادر المازني: حصاد الهشيم، قبض الريح، خيوط العنكبوت... هذه الكتب وأمثالها هي التي شكلت حساسيتي الأدبية لأول مرة في البكالوريا والجامعة.
شكراً للمازني، ونجيب محفوظ، وطه حسين، وتوفيق الحكيم، وجورجي زيدان، وجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة وعشرات غيرهم... بعدئذ أتيح لي أن أضيف إلى الآداب العربية الآداب الأجنبية من خلال اللغة الفرنسية وكتابها الكبار: فولتير، جان جاك روسو، فيكتور هيغو، بلزاك، ستندال، فلوبير، وغيرهم. تحت مظلة هذا الزاد الثقافي خصصت لفولتير ثلاثين صفحة بالتمام والكمال في كتابي الأخير الصادر مؤخراً عن «دار المدى» بعنوان: «العرب بين الأنوار والظلمات... محطات وإضاءات».



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.