{المركزي} الإيراني يعلن عن إنفاق مليار دولار

إيرانيون يطالعون أسعار العملات في طهران أمس (رويترز)
إيرانيون يطالعون أسعار العملات في طهران أمس (رويترز)
TT

{المركزي} الإيراني يعلن عن إنفاق مليار دولار

إيرانيون يطالعون أسعار العملات في طهران أمس (رويترز)
إيرانيون يطالعون أسعار العملات في طهران أمس (رويترز)

أعلن البنك المركزي الإيراني، في وقت متأخر السبت، إنفاق مليار دولار على شراء السلع الأساسية، وذلك بعدما تدوولت تقارير عن إطلاق 3.5 مليار دولار من أصول إيران المجمدة بموجب العقوبات الأميركية. وقال مدير العلاقات العامة في البنك المركزي، مصطفى قمري وفا، في بيان لوسائل الإعلام الإيرانية: «خُصص اليوم مليار دولار لاستيراد السلع الأساسية»، مشيراً إلى أن «جزءاً من المليار دولار، يعود لعائدات حصل عليها البنك المركزي مؤخراً».
ولم يشر بيان المسؤول الإيراني إلى مصدر تلك العائدات، أو القيمة الإجمالية التي حصل عليها البنك المركزي الإيراني، ولم يعلق في الوقت نفسه على التقارير التي تحدثت عن حصول طهران على 3.5 مليار من الأصول المجمدة، لكن وسائل إعلام إيرانية اعتبرتها مؤشراً على جدية التكهنات.
من جهتها، نقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري»، عن محافظ البنك المركزي، علي صالح آبادي قوله: «لدينا استقرار نسبي في مجال سوق الصرف الأجنبي»، وأضاف: «تحسن وضع عائدات النقد الأجنبي، بسبب عودة عائدات الصادرات إلى عجلة التجارة».
والأسبوع الماضي، كرّر وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، طلباً سابقاً للإدارة الأميركية بالإفراج عن 10 مليارات دولار من أصول إيران المجمدة، كـ«مؤشر على جدية واشنطن بالعودة إلى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية».
وأفادت وكالات رسمية إيرانية عن البنك المركزي أن «مسار توفير العملة الأجنبية للتجارة يتواصل بسلاسة». وقال: «خُصص جزء من هذا بقيمة مليار دولار للسلع الأساسية، من موارد حصل عليها البنك المركزي».
جاء الكشف عن وصول الإمدادات المالية للبنك المركزي، بينما يسجل الريال الإيراني مستويات انخفاض قياسية مقابل الدولار في السوق الحرة، على مستوى العام 2021.
وتخطى سعر الدولار الواحد 287 ألف ريال في الساعات الأخيرة من إغلاق الأسواق يوم السبت.
وتفاعلت أسواق الذهب والعملة سلباً، مع ارتفاع مؤشرات التشاؤم في الداخل الإيراني بشأن إحياء الاتفاق النووي، رغم إعلان استئناف المفاوضات النووية بعد 5 أشهر. وقبل إغلاق الأسواق السبت، أفاد موقع «اقتصاد أونلاين» أن ارتفاع الدولار كسر رقماً قياسياً خلال العام الحالي، ووصل إلى 285500 ريال.
في الأثناء، شرع البرلمان الإيراني، أمس، في مناقشة قانون لحذف السعر الحكومي للدولار الذي أقرته الحكومة السابقة. وفي المحطة الأولى، لم يوافق المشروع على لائحة الإلغاء العاجل للقانون.
وخصصت الحكومة الدولار بسعر 42 ألف ريال للوزارات والمؤسسات التابعة للدولة، قبل أن تبدأ الإدارة الأميركية فرض عقوبات اقتصادية على طهران في مايو (أيار) 2018، ودخولها مسار التنفيذ في أغسطس (آب) من نفس العام.
وفقد الريال، وهو العملة الرسمية لإيران، نحو 75 في المائة من قيمته، في الشهر الأول من تطبيق العقوبات الأميركية، وذلك بعد تقلبات على مدى شهور بسبب ضعف الاقتصاد والصعوبات المالية التي واجهت البنوك المحلية والطلب القوي على الدولار من الإيرانيين قبل أن تبدأ المرحلة الأولى من فرض العقوبات النفطية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، وتوسيع نطاق تلك العقوبات في مايو 2019.
ويعرف السعر المدعوم حكومياً باسم «دولار جهانغيري»، في إشارة إلى خطة إسحاق جهانغيري، نائب الرئيس السابق، وبدأت الحكومة السابقة في 9 أبريل (نيسان) 2018 تطبيقها بهدف السيطرة على أزمة الدولار، قبل أن يخصص لدعم شراء السلع الأساسية، وتلبية حاجات بعض الوزارات، مثل وزارة الصحة.
وكانت مبادرة جهانغيري من القضايا المثيرة للجدل، في الولاية الثانية لحسن روحاني. ويلقي خبراء اقتصاديون باللوم على تلك الخطة بأنها ساهمت في تسريع الفساد والريع في المؤسسات الحكومية والاقتصادية الإيرانية، فضلاً عن تسريع وتيرة التضخم وغلاء الأسعار. ويرى المؤيدون لخطة الحكومة السابقة أنها «ساهمت في تخفيف الضغوط المعيشية». وفي المقابل، رفضت الحكومة التنازل عن السعر الحكومي للدولار، محذرة من تأثيره على موجة تضخم واسعة.
وحذّر ممثل مدينة تبريز، النائب محمد حسين فرانكي، من أن حذف العملة بالسعر الحكومي سيؤدي إلى إفلات التضخم. ولكنه بنفس الوقت قال إن الدولار المدعوم حكومياً «لم يؤثر على أسعار السلع»، لافتاً إلى أن تضخم السلع، التي يغطيها الدولار المدعوم حكومياً، بلغ 190 في المائة، خلال السنوات الأربع الماضية، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن السلع الأخرى شهدت تضخماً يصل إلى 433 في المائة في الفترة ذاتها، بحسب إحصاءات البنك المركزي. ومع ذلك، قال: «رغم نقاط الضغط في الإشراف، والريع والفساد، فإن الدولار المدعوم حكومياً ساهم في خفض التضخم، وإبقائه في أقل من 50 في المائة».
وحذّر خبراء اقتصاديون، الأسبوع الماضي، من إغراق الحكومة في مستنقع الديون، إذا أقرّ البرلمان حذف سعر الدولار المدعوم حكومياً، في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، حذّر رئيس الغرفة التجارية الإيرانية - الصينية، مجيد رضا حريري، من بلوغ معدل التضخم في إيران أخطر مستوياته طيلة العقود الأربعة الماضية، وقال لوكالة «إيلنا» الإصلاحية؛ سيكون من الصعب علينا التحكم بالتضخم إذا ما بلغ 50 إلى 60 في المائة.
وأظهر أحدث تقرير لمركز الإحصاء الإيراني أن التضخم وصل إلى 45.3 في المائة الشهر الماضي، في حين وصل تضخم السلع الغذائية إلى 61.4 مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي.



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.