رواية كورية تكشف عن معاناة الفقراء زمن الاحتلال الياباني

رواية كورية تكشف عن معاناة الفقراء  زمن الاحتلال الياباني
TT

رواية كورية تكشف عن معاناة الفقراء زمن الاحتلال الياباني

رواية كورية تكشف عن معاناة الفقراء  زمن الاحتلال الياباني

تصور رواية «ملح» للروائية الكورية كانج كيونج آي، التي صدرت حديثاً عن «دار صفصافة»، مستوى الفقر الذي بلغ حده الأقصى من التدني في كوريا زمن الاحتلال الياباني لها. وتحكي الأحداث قصة سيدة فقدت زوجها بعد مقتله في ظروف غامضة جراء اندلاع مشاجرة بينه وبين أحد ملاك الأراضي الصينيين، وأفراد من إحدى العصابات التي كانت منتشرة خلال تلك الفترة بريف وقرى كوريا في بدايات القرن العشرين. كما تتابع المؤلفة تحركات «أم بونغ يووم» بطلة الرواية ورحلة معاناتها وهي تفقد أبناءها واحداً وراء الآخر، فضلاً عن ضياع أحلامها التي تتسرب من بين يديها تحت سيف الفقر والعوز والمرض الذي أوهن صحتها وقتل ابنتيها بعد أن أصيبتا بالتيفود.
وترصد الرواية؛ التي قدم نسختها العربية المترجمان: المصري الدكتور محمد جلال والكورية كاهو جيم، حياة العائلة ومعاناتها في بلدة «سانتاوكو» بعد مقتل الزوج، فحين يغادر الابن من أجل العمل ليوفر لنفسه مصروفات إكمال تعليمه، تضطر الأم وابنتها الصغيرة إلى اللجوء لمنزل «بانغ دونج» الثري الصيني الذي كان زوجها الراحل يعمل في فلاحة أرضه... هناك عاشت الأم وابنتها، وتولت خدمة أسرته، لكن في أحد الأيام انتهز الرجل غياب زوجته واغتصبها، ثم طردها بعد أن عرف أنها حملت منه، وقد فعل ذلك تحت ذريعة انضمام ابنها «بونغ شيك» إلى أعدائه من الشيوعيين، وهكذا دخلت المرأة وطفلتها من جديد في دوامة التشرد والخوف والجوع والإحساس بالظلم والقهر والاستغلال.
وتستخدم الكاتبة «الملح» الذي عنونت به روايتها، مستغلة غلاء ثمنه وندرته في بيوت فقراء كوريا، بطريقة رمزية، لتشير إلى أن معيشة الناس في تلك الأيام كانت بلا طعم، ولا معنى، مثل الطعام الذي يقومون بطهيه دون ملح ويبتلعونه كأنه الحصى رغماً عنهم.
وتشير الأحداث؛ التي توزعت على 6 فصول، إلى أن بطلة الرواية صارت تعيش بعد فقد زوجها حياة مأساوية، فلم يعد لديها ما يمكنها من توفير لقمة عيش لها ولابنتها «بونغ يووم»، كما استمرت معاناتها وأسرتها من أفراد الجيش الذين لم يمنعهم أحد من الهجوم على القرى والبيوت وسلب المال والمحاصيل المخزونة، فقاموا بقتل ابنها «بونغ شيك»، وأضاعوا أملها في أن يعود من غربته ويتحمل المسؤولية مكان والده. أما أفراد العصابات الذين كانوا وراء جريمة قتل زوجها، فلم يتوقفوا عند هذا الحد، واستمر أذاهم لتتعرض المرأة للاغتصاب على يد أحدهم.
ولم تمنع المعاناة التي تعرضت لها بطلة الرواية من مواصلتها أحلامها، وتطلعها لغد أفضل، أما مشاعر الكره التي كانت تكنها لـ«بنغ دونج» فلم تتغلب عليها ولم تجعلها تنفذ قرارها التخلص من طفلتها التي حملت بها منه، وفاضت أحاسيس الأمومة في قلبها بمجرد ولادتها، ولم يكن أمامها، للحصول على بعض المال، إلا العمل مرضعة في بيت أحد الأثرياء، لكنهم سرعان ما طردوها بعد أن علموا أنها تتسلل في الظلام لترضع طفلتها «بونغ هوي»، وبهذا ضاعت فرصة أخرى للعيش الآمن، وتنامى لدى المرأة الشعور بالقهر والغبن، وراحت تتساءل كيف تربي أطفال الآخرين ولا يسمح لها بتربية وإطعام ابنتها.
ولما لم تجد «أم يونغ يووم» وسيلة للعودة لرضيعها ابن الأثرياء «ميونغ سو»، نصحتها صديقتها بأن تعمل في تهريب الملح، وقد قبلت بالعرض رغم علمها بخطورة ما ينتظرها حال اكتشافها والقبض عليها... تعرف المرأة أن الشرطة سوف تصادر الملح، وقد تتعرض للقتل على يد أحد أفرادها، ورغم كل هذا؛ فإنها ذهبت وعادت بالملح، وبنجاحها في المهمة نمت في رأسها طموحات الربح والقيام بمشروع يحقق لها بعض الأمان، لكن حظها العاثر يجعلها تقع في قبضة رجال الشرطة الذين يكتشفون أن ما لديها من ملح غير مرخص، وأنها بهذا تخالف القانون ويجب أن تعاقب.
ويكشف المشهد الأخير في الرواية عمّا يمكن أن يفعله الإنسان من أجل وضع حد لما يقاسيه من أزمات، فبعد أن تقتحم قوات الشرطة حجرة «أم بونغ يووم»، ترفع المرأة صوتها، وترفض أن تتخلى عمّا لديها من ملح، وتصرخ في وجوههم وهي تقول إن أصحاب الأموال الكثيرة هم من يسلبون الملح... «اندلع الصراخ كاللهب الحارق، وهبت واقفة في تحفز».
وهكذا أنهت الكاتبة الرواية بنهاية مفتوحة لتضع القارئ أمام كثير من التصورات لما يمكن أن تؤول إليه الأحداث.



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.