ما بعد الانتخابات العراقية... دماءٌ على بوابات «المنطقة الخضراء»

المسيّرات المفخّخة أخطأت مصطفى الكاظمي

مظاهرات أنصار القوى الخاسرة على أطراف المنطقة الخضراء
مظاهرات أنصار القوى الخاسرة على أطراف المنطقة الخضراء
TT

ما بعد الانتخابات العراقية... دماءٌ على بوابات «المنطقة الخضراء»

مظاهرات أنصار القوى الخاسرة على أطراف المنطقة الخضراء
مظاهرات أنصار القوى الخاسرة على أطراف المنطقة الخضراء

بينما كان الجميع في العراق يعوّل على الانتخابات المبكرة التي حددها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في العاشر من شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2021، فإن النتائج التي انتهت إليها عقّدت المشهد السياسي تماماً.
لقد كان الهدف من إجرائها في وقت يسبق موعدها الدستوري بنحو 6 أشهر (الانتخابات الدورية في العراق في الشهر الخامس من عام 2022)، هو بدء مسار جديد في الحياة السياسية في البلاد في ظل ما ترتب على انتفاضة أكتوبر 2019 من نتائج غير متوقعة. فالمظاهرات التي اندلعت في ذلك العام والتي قدمت مئات القتلى وعشرات آلاف الجرحى، حاولت تغيير قواعد العمل السياسي في العراق عبر سلسلة من المتغيرات بدءاً من إقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتغيير قانون الانتخابات وتغيير مفوضية الانتخابات.
وعلى أثر تلك التغييرات اتُّفق على تشكيل حكومة انتقالية برئاسة مدير جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، كان الهدف من تشكيلها إجراء انتخابات مبكرة. وبالفعل، اتُّفق على تحديد موعد الانتخابات المبكرة واستعدت جميع القوى السياسية المؤسسة للنظام السياسي لمرحلة ما بعد عام 2003 لخوضها. ومن ثم، خاض الجميع الانتخابات عبر قانون جديد يعتمد الدوائر المتعددة والفوز بأعلى الأصوات. بيد أن ترتيبات القوى الفائزة والخاسرة كانت هي المفاجأة التي لم يستوعبها الخاسرون، وكذلك لم يستوعبها بعض الفائزين أنفسهم ممن لم يكونوا يتوقعون حصولهم على المقاعد التي حصدوها.
احتلت الكتلة الصدرية بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر المرتبة الأولى في الانتخابات العراقية بواقع 73 مقعداً، تلاها حزب «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي الذي حصد 43 مقعداً في المحافظات الغربية ذات الأغلبية السنية، وجاء الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني في المرتبة الثالثة حيث حصل على 32 صوتاً.
ومع أن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي حل في المرتبة الثانية بين القوى الشيعية، بحصوله على 37 مقعداً، فإن تحالف الفتح بزعامة هادي العامري -الذي يضم عدداً من الفصائل المسلحة- يعد الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات. وهذا بعدما كان قد احتل المرتبة الثانية بعد كتلة الصدر في انتخابات 2018 التي كانت قد حصلت على 54 مقعداً، بينما حصل «الفتح» على 47 مقعداً. ولكن هذه المرة فاز الصدر خلال انتخابات 2021 بـ73 مقعداً بينما لم يحصل «الفتح» إلا على 16 مقعداً.

الكاظمي يفوز قبل العد والفرز
على الرغم من أن حادث استهداف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بثلاث طائرات مسيّرة مفخخة استهدفت منزله فجر الأحد الماضي كادت تودي بحياته، طبقاً لما هو مصمّم، فإن نجاته منها صبت في صالحه تماماً. فقبل ساعات من محاولة اغتياله بثلاث طائرات مسيّرة مفخخة كانت حظوظه قد تراجعت كثيراً على صعيد إمكانية الظفر بولاية ثانية.
ذلك أن التداعيات التي ترتبت على المواجهات بين المتظاهرين قرب بوابة «المنطقة الخضراء» من جهة بوابة وزارة التخطيط القريبة من جسر الجمهورية والقوات الأمنية وسقوط عدد من القتلى والجرحى، ما كانت في مصلحة الكاظمي كرئيس وزراء وقائد عام للقوات المسلحة، بل ترافق ذلك مع تهديدات واضحة من بعض قادة «الفتح» بمحاكمة الكاظمي، فضلاً عن قولهم إن «النجوم» أصبحت أقرب للكاظمي من الولاية الثانية.
غير أن مخرجات ما حصل جاءت لصالح الكاظمي، ومطابقة للمثل الشعبي العراقي الشهير «الضربة التي لا تقضي عليك تقوّيك». فالكاظمي الذي نجا من الحادثة بدا في أول تسجيل تلفزيوني له بعد أقل من ساعة من نجاته مسيطراً وهادئاً. ولم يوجه أي اتهام لجهة أو طرف بل دعا إلى الهدوء، وكل ما قاله شاجباً أسلوب المفخخات هو أن هذا الأسلوب لن «يبني الأوطان».
وطبقاً لردود الفعل السريعة، إن كان على المستوى السياسي أم الشعبي، بات واضحاً الآن للشارع العراقي أن استهداف الكاظمي يأتي في سياق خلط الأوراق من أجل تسهيل عملية تقاسم السلطة والنفوذ من جديد في محاولة لتخطي نتائج الانتخابات.
وبالتالي، فإنه وفقاً لكل هذه المعطيات، فإن الكاظمي يبدو الآن هو الفائز الأول في الانتخابات، رغم أنه لم يرشح نفسها فيها، وليست لديه كتلة برلمانية... لكن مع هذا فاسمه بات الآن الأكثر تداولاً في الأوساط السياسية على صعيد إمكانية التجديد له لولاية جديدة.


مناصرون للفصائل الخاسرة يتظاهرون في بغداد الجمعة (أ.ف.ب)

رابح وخاسر وما بينهما
وفي حين لم يكن تحالف الفتح هو الخاسر الأكبر شيعياً، فإنه أعلن رفضه الاعتراف بالنتائج غير النهائية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. ولكن من ناحية ثانية، كان هناك خاسرون آخرون ما كان متوقعاً خسارتهم (التي كانت قاسية) مثل تحالف قوى الدولة بزعامة عمار الحكيم... الذي يضم ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور حيدر العبادي. فالحكيم، الذي كان لديه 22 مقعداً خلال انتخابات 2018 وكان يأمل في مضاعفتها خلال هذه الانتخابات لم يحز إلا مقعدين.
أيضاً العبادي، الذي حصل خلال انتخابات 2018 على 42 مقعداً، قبل انشقاق فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، عنه -وبالتالي أصبح لديه 12 مقعداً- لم يحصل خلال هذه الانتخابات إلا على مقعدين أيضاً.
الجبهتان الكردية والسنية حصل فيهما اختلال على مستوى النتائج أيضاً بين رابح وخاسر. فبينما حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني على 32 مقعداً فإن شريكه وخصمه معاً الاتحاد الوطني الكردستاني -المنقسم على نفسه على مستوى القيادات- حصل فقط على 17 مقعداً. وطبقاً لهذا التفاوت فإن فرص الحزب الديمقراطي تعززت على صعيد التفاوض مع بغداد... بدءاً من منصب رئاسة الجمهورية، الذي يشغله حالياً الدكتور برهم صالح القيادي البارز في الاتحاد الوطني، وصولاً إلى باقي المناصب الأخرى. غير أن المشكلة التي تواجه الحزب الديمقراطي، الفائز الأول في كردستان، أن شركاءه من الأحزاب الكردية في إقليم كردستان -الذي يتمتع بشبه استقلال عن بغداد- لا يمكن أن يقاس فقط على مستوى المقاعد، بل طبقاً لمجموعة أسس ومعايير قد يختل معها التوازن داخل الإقليم.
وعلى صعيد العرب السنة قد لا يختلف الأمر كثيراً. فحزب تقدم بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي حلّ بالمرتبة الأولى في المحافظات الغربية بواقع 43 مقعداً مقابل حصول خصمه في المناطق السنية نفسها (تحالف عزم بزعامة رجل الأعمال خميس الخنجر) على 14 مقعداً.

المفوضية وسط النيران
لم تواجه كل مفوضيات الانتخابات في العراق، منذ أول دورة انتخابية أُجريت عام 2005 وإلى آخر دورة أُجريت عام 2018، هذا الكم من النيران الصديقة وغير الصديقة بدءاً من لحظة إعلانها النتائج وحتى اليوم.
الحقيقة أن هذه المفوضية تختلف عن المفوضيات السابقة كونها مكونة من قضاة مستقلين ولم تكن نتيجة لترشيح الأحزاب والقوى السياسية. ومع أن هذه هي التجربة الأولى لها ولكادرها سواء كان المتقدم وحتى المتوسط، حيث جرى تغيير الجميع باتفاق سياسي على صعيد إجراء الانتخابات، فإنه طبقاً للقانون الجديد فإن الطبقة السياسية هي الأخرى تخوض الانتخابات لأول مرة طبقاً لهذا القانون. وطبقاً لذلك فإن الفائزين عدوا إجراءات المفوضية أنها الأفضل والأكفأ والأنزه، بينما عدّها الخاسرون أسوأ مفوضية... وبالتالي، حمّلوها كامل المسؤولية عن خسارتهم.
ولذا تصاعدت حدة الاحتجاجات من القوى الخاسرة، لا سيما تحالف الفتح بزعامة هادي العامري إلى حد انطلاق مظاهرات قرب بوابة «المنطقة الخضراء» من جهة الجسر المعلق. ومن ثم تحولت المظاهرات إلى اعتصامات مفتوحة حيث تم نصب الخيام وقطع الجسر المعلق بالكامل. وعلى الأثر وجدت المفوضية نفسها تحت «مرمى النيران» وسط مطالبات المطالبين بإعادة العد والفرز اليدوي، بينما هي تطالب بأدلة واقعية موثقة لكي تبتّ بالطعون... وفي هذه الأثناء، لا تزال النتائج معلقة بانتظار الحسم من الهيئة القضائية داخل المفوضية، قبل رفعها إلى المحكمة الاتحادية العليا لغرض المصادقة عليها.
ومن ناحية ثانية، يحاول المتظاهرون التصعيد. وكان آخره ما جرى الأسبوع الماضي عبر ما سموها «جمعة الفرصة» الأخيرة حين سعوا إلى اقتحام «المنطقة الخضراء»، الأمر الذي أدى إلى حصول مواجهات راح ضحيتها قتلى وجرحى بين الطرفين المتظاهرين والقوات الأمنية.

شغل تحت الطاولة
مع كل التصعيد الذي جرى، والذي بلغ مرحلة متقدمة من المواجهة الشيعية - الشيعية على بوابات المنطقة الخضراء فإن جميع القوى السياسية «تشتغل سياسة»، بعضها فوق الطاولة مثلما يعمل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي فاجأ الجميع بزيارته المفاجئة للعاصمة بغداد، وبعضها الآخر تحت الطاولة.
وبين ما هو فوق الطاولة وما تحتها، فإنه في الوقت الذي عدّ الجميع أن التصعيد يوم الجمعة الماضي كان مقصوداً به تحركات الصدر في بغداد. فالصدر الذي تزامن وصوله إلى بغداد مع وصول وفد كردي برئاسة هوشيار زيباري، القيادي البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني... الفائز الأول كردياً. كذلك فإن الصدر ابتدأ لقاءاته في بغداد بلقاء الحلبوسي، زعيم حزب تقدم، الفائز الأول سنياً. وكان الصدر قد أعلن أنه سيعمل على تشكيل حكومة «غالبية وطنية» وهو ما استفز خصومه في البيت الشيعي.
خصوم الصدر في البيت الشيعي نوعان ينتظمهما الآن فيما يسمى «الإطار التنسيقي»:
الأول يمثله نوري المالكي، زعيم دولة القانون الفائز الثاني شيعياً بعد الصدر، لكنه بسبب خصومته الدائمة مع الصدر فإنه لا يمكن أن يلتقي به على مستوى التحالف. أما الآخر فهم القوى الخاسرة، وفي مقدمتهم تحالف الفتح فضلاً عن تحالف قوى الدولة بزعامة عمار الحكيم ومعه حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق. وبينما يحاول «الفتح» الحصول على ما يعتقدها مقاعده التي أخذت منه بسبب التزوير، فإن المالكي يحاول الانسجام معهم لأنه لا يريد أن يخسر أصواتهم لأنه يعمل أيضاً على تشكيل كتلة أكبر توازي إن لم تتفوق على كتلة الصدر. كلا الفريقين الشيعيين حاول الزجّ باسم المرجعية الشيعية العليا في النجف بأمر التحالفات وتشكيل الحكومة. لكن رد المرجعية لم يتأخر حين رفضت زجّها كطرف في المباحثات الخاصة بتشكيل الحكومة القادمة.
إذ قال حامد الخفاف، مدير مكتب السيستاني، في بيان له إن «المرجعية الدينية العليا ليست طرفاً في أي اجتماعات أو مباحثات أو اتصالات أو استشارات بشأن عقد التحالفات السياسية وتشكيل الحكومة القادمة». وأضاف البيان: «لا أساس من الصحة بتاتاً لأيٍّ من الأخبار التي تروّج لخلاف ذلك من بعض الأطراف والجهات في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي».
وبشأن مفهوم حكومة الغالبية السياسية أو الوطنية الذي يتبناه الصدر، يقول السياسي العراقي عزت الشابندر، في بيان أرسل نسخة منه لـ«الشرق الأوسط»، إن «مشروع الغالبية السياسية أو الوطنية أو الكتلة الأكبر هو النتاج الطبيعي لأي نظام ديمقراطي في العالم، ومن دونه ليست هناك حاجة للانتخابات وتكاليفها أصلاً». وأضاف الشابندر أنه «ينبغي ألا يفوتنا أن هذا المشروع (الغالبية الحاكمة والأخرى المعارضة) مرتبط بشكل وثيق بالواقع الانتخابي ونتائجه التي تحدد الكتلة الأكبر من غيرها. بمعنى أن الانتخابات الشفّافة والخالية من الطعون الكبيرة في إدارتها أو نزاهتها هي المدخل الطبيعي لأحقيّة الكتلة في تشكيل الحكومة وإدارتها».
وحسب الشابندر فإن «الحل للخروج من المأزق الراهن يتمثل في التوافق بين القوتين الشيعيتين الرئيستين، الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي لاختيار رئيس وزراء مستقل، بينما تتوزع المناصب الوزارية وفقاً للاستحقاق الانتخابي بحيث تكون الوزارة منصباً قيادياً وسياسياً، بعيداً عن قضية الوزير المستقل أو التكنوقراط».
وبشأن تحركات الصدر، الذي سرعان ما عاد إلى النجف غاضباً بعد محاولة اقتحام «المنطقة الخضراء»، يقول أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية الدكتور فاضل البدراني، لـ«الشرق الأوسط» إنه «من الواضح أن الصدر بتحركه السياسي ولقاءاته الشخصية مع الحلبوسي والحكيم، ووفد يمثله بدأ يتفاوض مع وفد من الحزب الديمقراطي الكردستاني، إنما أراد أن يعلن الشروع ببدء مرحلة الحوارات الجدية لتشكيل الحكومة وإسدال الستار على مرحلة الركود والتشكيك بنتائج الانتخابات».
وأضاف البدراني أن «الصدر سيذهب إلى خيار حكومة وحدة وطنية لتجاوز معضلة المعترضين على الانتخابات وترضيتهم بحقائب وزارية، مقابل أن يكون له الرأي الفاعل في اختيار رئيس حكومة لن يكون صدرياً، لكنه مخلص لهم، وأقرب لهم من الجميع». وبيّن أنه خلال «ماراثون اللقاءات كان الصدر مفتاحها، لذلك سيجرّ الجميع للتفاوض بحكم التأثير العددي والوزن السياسي، وواضح أن لديه طموحاً بقطع الطريق على التدخلات الإقليمية والدولية في تشكيل أركان العملية السياسية».
وفيما يتعلق بالكرد، يرى البدراني أن «خيارهم سيكون مع الجميع، وليس مع طرف محدد لكن بشروطهم المحددة في الكابينة (مجلس الوزراء) الحكومية ورئاسة الجمهورية». وبشأن الكتل السنية فإنها «تتمحور مع تحالفي تقدم بزعامة محمد الحلبوسي، وعزم بزعامة خميس الخنجر، ويبدو أنهما ينتظران حسم الموقف الشيعي لطرح طموحاتهما في رئاسة البرلمان أولاً، ثم الكابينة الحكومية ثانياً، وكذلك بطموح جديد لتولي منصب نائب رئيس الجمهورية».
من جهته يرى الدكتور إحسان الشمري رئيس مركز التفكير السياسي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الهدف من زيارة لبغداد يأتي في سياق تحريك الجمود السياسي، خصوصاً أن الأمر -ظاهراً- متوقف بانتظار نتائج الانتخابات النهائية، بينما تبدو هذه الزيارة بمثابة إعلان رسمي لبدء مفاوضات تشكيل الحكومة والخريطة السياسية القادمة».
وأردف الشمري أن «الهدف أيضاً هو التحرك نحو الأقوياء لغرض التحاور معهم من أجل بلورة تصور لحكومة أغلبية وطنية. لكنّ هذا لا يعني العمل على تهميش بقية الأطراف». وأكد أن «الصدر سيمضي وفق لقاءاته باتجاه تحقيق نحو 75% من الإجماع الشيعي، ومن ثم الانتقال إلى ما يتيسر التوصل إليه من اتفاقات داخل البيتين السني والكردي». وتابع الشمري أن «المؤشرات تقول إن الثلاثة الأقوياء هم من سيحددون مسارات الخريطة القادمة، لكن ليس على أساس الإملاءات بل وجود هامش كبير لما يمثلونه من داخل مكوناتهم. وبالتالي، فإن المشهد يبدو توافقياً في النهاية، بسبب عدم وجود كتلة تمتلك النصف زائد واحد».

المرجعية الشيعية غير راضية
كان قد جرى تسريب أنباء أن المرجعية الشيعية لا تؤيّد عودة الرئاسات الثلاث (الجمهورية، والوزراء، والبرلمان). وفي الوقت الذي يراد من هذه الأخبار خلط الأوراق أو الترويج لصالح طرف على حساب طرف آخر، أو الإيحاء بأن للمرجعية رأياً بهذا المفصل أو ذاك، فإن نفي المرجعية مثل هذه الأخبار قطع الطريق أمام أي محاولات استغلال قادمة... سواء لاسم المرجع الأعلى علي السيستاني، أو بعنوان المرجعية.
اليوم يرى المراقبون السياسيون في العراق أن بيان المرجعية أكد حياديتها تماماً حيال ما يجري. وهو ما يعني أنها ليست راضية عن المسار الذي تلا الانتخابات البرلمانية الأخيرة. ويرى سياسي عراقي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «المرجعية باتت تشعر بأن النهج لن يتغير في الحكومة القادمة، وبالتالي فإنها تريد النأي بنفسها عن أي اتفاق سياسي». ثم أشار إلى أن «المرجعية كانت قد دعت إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات الأخيرة، لكن نسبة المشاركة لم تكن بمستوى الطموح، وهو ما يعني أن الجمهور لم يعد يثق بالأحزاب الإسلامية».



وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

 زارا فاغنكنيشت (رويترز)
زارا فاغنكنيشت (رويترز)
TT

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

 زارا فاغنكنيشت (رويترز)
زارا فاغنكنيشت (رويترز)

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في المائة مقابل 33 في المائة للديمقراطيين المسيحيين، و15 في المائة للاشتراكيين، و11 في المائة لحزب «الخضر».

لكن اللافت أن الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي لا يحظى حتى الآن بنسبة كافية لدخوله البرلمان الفيدرالي، فتأييده يقف عند 4 في المائة فقط، علماً بأن القانون يشترط الـ5 في المائة حداً أدنى لدخول البرلمان. كذلك سقط حزب «دي لينكا» اليساري المتشدد دون عتبة الـ5 في المائة، إذ يسجل حالياً نسبة تأييد لا تزيد على 3 في المائة بعد انقسامه، وتأسيس زارا فاغنكنيشت حزبها الشعبوي الخاص، الذي لا يبدو أيضاً -حسب الاستطلاعات- أنه سيحصل على نسبة أعلى من 4 في المائة. بالتالي، إذا صدقت هذه الاستطلاعات، فإن أربعة أحزاب فقط ستدخل البرلمان المقبل من أصل سبعة ممثَّلة فيه اليوم. وسيقلص هذا الاحتمال الخليط المحتمل للمشاركة في الحكومة الائتلافية القادمة، بسبب رفض كل الأحزاب التحالف مع حزب «البديل لألمانيا» رغم النسبة المرتفعة من الأصوات التي يحظى بها. وعليه، قد يُضطر الديمقراطيون المسيحيون إلى الدخول في ائتلاف مع الاشتراكيين و«الخضر» مع أنهم يفضلون أصلاً التحالف مع الليبراليين الأقرب إليهم آيديولوجياً.