الرياض.. هيبة الدولة ضد الميليشيات الأصولية

دول التحالف تخوض حربًا سياسية لا طائفية

الرياض.. هيبة الدولة ضد الميليشيات الأصولية
TT

الرياض.. هيبة الدولة ضد الميليشيات الأصولية

الرياض.. هيبة الدولة ضد الميليشيات الأصولية

لم تكن السياسة الإقليمية التي انتهجتها المملكة العربية السعودية، ولا تزال تنتهجها، تحمل أبعادا سوى الأبعاد السياسية التي يخضع تحديدها ورسم أهدافها إلى تقديرات الأمن الوطني والمجال الحيوي للرياض. هكذا تعاملت السعودية مع «انقلاب عام 1962» الذي أطاح بحكم الإمام محمد البدر في اليمن، ولقد تحدث الملك فيصل بن عبد العزيز أثناء ذلك المخاض الطويل والعسير إلى وسائل الإعلام، فقال بوضوح أن المملكة العربية السعودية لا تسمح أن يقوم نظام مجاور بتهديدها وزعزعة أمنها، وكان يشير في حديثه إلى نظام عبد الله السلال، العقيد اليمني الذي كان قائدا للحرس الإمامي، وانقلب على سيده بتحريض ودعم من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وأعلن قيام النظام الجمهوري في اليمن.
يومذاك، كان عبد الله السلال زيدياً، وكانت الإمامة أيضا زيدية. وفي حين كان جل أبناء المدن الذين وقفوا إلى صف النظام الجمهوري وقاتلوا دفاعا عنه من الشوافع (السنة)، كانت حركة المقاومة الإمامية التي تلقت كل الدعم السعودي الممكن زيدية بكاملها. وبالتالي عندما دربت المملكة العربية السعودية وسلحت قوات محمد البدر فإنها فعلت على أسس من تقدير المصلحة السياسية والأمنية وتأمين المجال الحيوي السعودي وليس على أسس طائفية أو عاطفية. وبعدها قال الملك فيصل بن عبد العزيز، ذلك السياسي المحنك والصعب المراس إذا ما تعلق الأمر بالمصلحة السعودية، لوسائل الإعلام عقب لقائه الرئيس عبد الناصر خلال القمة العربية في الإسكندرية، وبعدما لاحت في الأفق تباشير حل سلمي لأزمة اليمن «إنني أغادر مصر وقلبي مملوء حبا للرئيس عبد الناصر». ومن هنا، يتضح أن المملكة العربية السعودية تنتهج الواقعية السياسية، بل إن الواقعية السياسية من الثوابت السعودية، أما المتحولات في السياسة السعودية، فتتضح من خلال مكونات المحاور التي تكون المملكة قائدة لها.
في ستينات القرن العشرين، كان نظام عبد الناصر وحلفاؤه يشكلون التهديد الأعظم لأمن ومصالح المملكة، أما اليوم، فمصر في محور المملكة، إذ تجمع بين الدولتين مشتركات عليا لم تكن هي ذاتها إبان حقبة ستينات القرن العشرين. والعكس بالعكس فيما يتعلق بالاشتباك السياسي السعودي - الإيراني الحالي اليوم عبر غالبية مساحة المنطقة العربية. فإيران ستينات القرن العشرين كانت إلى جانب المحور السعودي في الأزمة اليمنية، أما إيران اليوم فهي محور الأزمة اليمنية.

يرى متعقبو تاريخ النظرية السياسية أن «الميليشيات المسلحة» غير مؤهلة لتأسيس وقيادة حالة سياسية مستقرة، وآمنة، تنعكس بدورها على الاستقرار الجغرافي - السياسي للدول الواقعة في مجالها الحيوي. ذلك أنها تكتسب أسباب بقائها من قدرتها على خوض الصراعات المسلحة خارج أطر الدول، وتدعم صراعاتها تلك، بخطاب ديماغوغي - عاطفي، فيما تقوم مفاهيم بناء وإدارة المجتمعات الحديثة على احتكار القوة من قبل الدولة.
عادة ما تملك هذه «الجماعات المتطرفة المسلحة» نواة انهيارها داخلها، كونها عاجزة عن التعاطي الإيجابي مع «الجدليات النقاشية» حول دورها ومشروعها السياسي. وهو ما تجلى في خطاب حسن نصر الله، أمين عام حزب الله في لبنان أخيرا، حول حرب «عاصفة الحزم» المدافعة عن شرعية الدولة اليمنية.
كان نصر الله حالة مثالية لـ«الخطاب الديماغوغي» وهو يقدم في كلمته سلة طافحة بالأكاذيب التي ينهيها كل مرة بأنها «رأي غير قابل للنقاش». حتى وهو يقدم طهران كجمعية خيرية متخصصة في التبرع بالسلاح لكل الجماعات المتطرفة، والإرهابية في المنطقة، من القاعدة إلى حزب الله. هذه المنطقة التي بفعل سياسة طهران غدت «الميليشيات المسلحة» فيها تنمو كما ينمو العشب في الخرائب.
ليس سرا أن بعض أروقة (لوبيات) الضغط والمراكز البحثية الأميركية وبعض الدول الغربية كانت تتحدث عن الرياض كمؤسسة سياسية «هرمة»، وأهمية إيجاد بدائل سياسية مستقبلية في المنطقة. وكان ذلك واضحا من دعم واشنطن لقوى «الإسلام السياسي»، وتحديدا جماعة «الإخوان المسلمين» التي قادت «ربيعا» في المنطقة زاد من حدة التطرف والأعمال المسلحة، مما دفع غالبية دول «الاستقرار» لتصنيفها جماعة إرهابية.
على النسق ذاته، كانت مقال الباحث المهم ديفيد غولدمان، من مركز دراسات الشرق الأوسط في لندن - نُشرت أخيرا - حول هذه السياقات التقليدية في نقاش الحالة الإقليمية وموضع السعودية منها. غير أن غولدمان الذي تجاوز «الاستخفاف» البحثي بالرياض، وقع في فخ آخر في مقاله، بتصوير السعودية تقود تكتلا دوليا سنيا ضد التكتلات الشيعية، وكأن الرياض تغذي بُعدا طائفيا للرد على بعد طائفي آخر.
والحال، أن ليس أسوأ من أن تكون أصما إلا أن لا تريد أن تسمع. فالرياض يراد لها أن توضع في إطار طائفي ليس فقط لا يشبهها سياسيا، بل والشواهد التاريخية والمعاصرة تشير إلى عكس ذلك تماما. لقد دعمت الرياض «العراق - الدولة» في عهد نوري المالكي في أكثر أوقاته نقدا للبيت السياسي السعودي. وهي تدعم اليوم الجيش العراقي في عهد العبادي لبنائه كمؤسسة، لا كميليشيا مرتهنة لقرار خارجي، كما هو الحال في علاقتها مع طهران. وهذا دون أن ننسى، بالطبع، أن الرياض رأس الحربة إقليميا في دك حصون تنظيم داعش الإرهابي «السنّي» مع قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
لم تنجر الرياض لفخ الطائفية ولو لمرة واحدة، ولم تدعم داخل الدول إلا المؤسسات لا الميليشيات المسلحة. وبينما كان هاجس دول وأنظمة، بعضها لصيق وبعضها الآخر مجاور، تقسيم المحيط... كان هاجس البيت السياسي السعودي الحفاظ على استقرار الجغرافيا، والحفاظ على البنى التحتية السياسية من الانهيار في الدول الواقعة ضمن مجالها الحيوي.
الرياض التي كان ينظر لها خصومها على أنها «هرمة»، فاجأت المجتمع الدولي 3 مرات في ظرف الأربع سنوات الأخيرة، ابتداء من فتحها نافذة ضوء سياسي على القاهرة عندما كانت العتمة السياسية تخيم عليها بعد الثورة الشعبية العارمة على حكم «الإخوان» ممثلاً بالدكتور محمد مرسي، الذي رفض الحلول السياسية، ورفض التوجه إلى صندوق الاستفتاء، ورفض التنحي، وما تبعها من عزل له من قبل الجيش المصري. ثم كانت خطوتها في هندسة انهيار أسعار النفط لصالح مصلحتها الاقتصادية. وأخيرا في الإعلان عن فجر عسكري جديد في المنطقة قادر على إعادة ترتيب الإقليم ووقف حالة الميوعة السياسية في مواجهة «الإرهاب الثوري» للميليشيات المنتشرة في العالم العربي.
في عجالة سريعة قبل العودة إلى محاولة فهم سرديات زوايا الحرب البازغة، لا بد من الإشارة هنا إلى أنه بدا واضحا أن أساطين التنظير الإعلامي «الإخواني» يريدون الدفع نحو تصوير حرب دول التحالف بقيادة الرياض على أنها حرب طائفية، ويصرون على أنه لا حل لوقف المد الطائفي «الشيعي» سوى بتبني أجندة مشابهة سنية. وهم هنا بالطبع يقصدون العودة للاتكاء على مجاميع «الإخوان المسلمين» المتشظية، والمتناثرة، بعد تهدم مشروعهم السياسي الذي لم يصمد سنة واحدة في سدة الحكم.
بقايا المجاميع «الإخوانية» ترقب تحولات المنطقة من ثقب الباب بأعين جاحظة لتحول كبير تقوده الرياض التي كانت إلى ما قبل سنة تبدو هدفا للجماعة ذاتها، مع المجاميع الشيعية المتطرفة، فضلا عن «القاعدة» و«داعش». الأكيد أن نهج السعودية حازم فيما يتعلق بالأمن الوطني والأمن الإقليمي، وهي لا تتوانى عن اتخاذ كل التدابير التي تكفل لها استئصال الأخطار المحيطة بها وبالإقليم. ويجب أن يُتَنبه إلى أن السعودية اليوم مكتملة النضج كدولة محورية لها مجال حيوي يشكل اختراقه تهديدا لمصالحها وأمنها. وهذا ما أعلنته عملية «عاصفة الحزم». إن عملية «عاصفة الحزم» تقدم السعودية كقوة عسكرية - سياسية قادرة على تشكيل وقيادة المحاور السياسية، وحمايتها بقوى عسكرية تستطيع خلق أوضاع راهنة ملائمة، وتعطي - القوى العسكرية - للسعودية ومن يحالفها، القدرة على رفض وتغيير الأوضاع الراهنة التي يخلقها الغير، ولا تجدها السعودية ملائمة لها، ولا هي مقبولة في ميزان أمنها الوطني ومصلحتها العليا.
لم تكن السعودية في ستينات القرن العشرين تمتلك الإمكانيات المالية والعسكرية التي تمتلكها في الوقت الراهن، إلا أن ذلك الواقع لم يمنع السعودية من أن تقف بحزم وثبات مدافعة عن أمنها واستقرارها ووحدتها.
في أوائل النصف الثاني من ستينات القرن العشرين، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر عن استراتيجيته في اليمن وأسماها «استراتيجية النفس الطويل»، فأثبتت السعودية له وللعالم، حينذاك، أنها الدولة القادرة على تبني وتطبيق استراتيجية «النفس الطويل»، إذ انتهت الأزمة اليمنية نهاية الستينات وبداية السبعينات، وبدأت السعودية تقديم الدعم الهادف لتنمية اليمن وتحقيق استقراره، عندما لم يعد اليمن مصدر خطر على أمن السعودية واستقرارها.
إن استئصال الخطر هو الهدف السياسي اليوم من عملية «عاصفة الحزم»، والعملية العسكرية ليست هدفاً في ذاتها، بل إن دقة الأهداف توضح أن العملية برمتها تسعى لعلاج الأزمة اليمنية علاجا جذريا يمهد الأرض من أجل بناء يمن مستقر مؤهل للتنمية الشاملة الكفيلة بإنهاء حالة مزمنة من البؤس والشقاء سببتها الحروب التي لا تضع أوزارها إلا استعداداً لتكرارها جولات تلو جولات.
منذ اعتلاء رجال الدين سدة الحكم في طهران، وإيران تسعى بكل إمكاناتها لبناء أحصنة طروادة في منطقة الشرق الأوسط، وكان بناء هذه الأحصنة يأتي دائما على حساب الشيعة العرب في المقام الأول، إذ ينتج علاقة متوترة بين الشيعة العرب وأوطانهم ومواطنيهم، نتيجة ضرب الثقة والتشكيك في الولاء الوطني. إلا أن الظرف السياسي الراهن يشكل فرصة مواتية للغالبية الصامتة من الشيعة العرب، في منطقة الخليج والعراق والشام، للمبادرة باتجاه الداخل وعمل كل ما في الوسع من أجل ردم فجوة الثقة، وإعادة بناء جسور العلاقة مع الأوطان. ربما الأمر ليس كله بيد المواطنين الشيعة وحدهم دون حكوماتهم، ولكن الأكيد أن المبادرة الشجاعة الطويلة النفس والحكيمة ستثمر خيراً، وإن لاح انسداد في الأفق أحيانا.
على الأحزاب السياسية والقوى المعتدلة الوطنية في دول الاضطراب، التي لم تكن تملك حلولا غير التواصل مع طهران كأمر واقع تفرضه الحالة السياسية، أن تتنبه اليوم إلى أن فجرا جديدا يلقي بنوره على المنطقة. فلا يوجد بديل استراتيجي عن التماهي وإعلاء قيم الدولة لتصبح كيانات مؤسساتية تجد حاضنة عقلانية غير طائفية تستطيع قيادة تحالف بين «دول الإقليم المستقرة» لحماية البنى التحتية السياسية الواعدة فيها، وتلك التي تريد التخلي عن السلاح والآيديولوجيا المتطرفة، وبالتالي الخروج للضوء.
لا يجوز أن تمر هذه المرحلة من دون اغتنامها للعمل على عزل الداخل بكل ما يحتويه عما يدور في الإقليم من صراع سياسي يتخذ من المذهبية رافعة وحافزا، فإيران - منذ تسلم رجال الدين حكمها - وهي تراهن على الأقليات الشيعية العربية لإحداث قلق وتوتر لجاراتها في منطقة الخليج. وللأسف، حققت بعض الاختراقات الناجحة في الماضي. وتلك النجاحات التي حققتها إيران ما كانت لتتحقق لو كان الصف الوطني العربي الداخلي مُنجز التحصين على وجه التمام. إيران اعتمدت في خروقها على معاملة بعض الشيعة العرب كمواطنين من درجة أدنى في أوطانهم (بالمناسبة، هو الواقع نفسه الذي استغله «داعش» عندما وجد المواطن السني نفسه مواطنا من الدرجة الثانية عندما تولت قوى شيعية طائفية سدة الحكم في العراق مثلا)، وهذه ثغرة ممكنة السد والتعزيز بالطرائق التقليدية التي سادت علاقة الحاكم بالمحكوم، وشادت بينهما ثقة متينة تكفلت بحلحلة أكثر القضايا تعقيدا واستعصاء.
لا يقصد بالعزل المزيد من إجراءات الرقابة على الممارسات السلمية في التعبير عن الرأي، لكن أن يُسعى إلى امتلاك القدرة الفائقة على تحديد ملامح الخطاب الذي يروج الكراهية، ويضعف معنى «الوطن الواحد» على المستوى الإجرائي، وعلى مستوى الحقوق والواجبات.
هذا على المستوى العربي.
أما على المستوى الداخلي الوطني السعودي، فيجب العمل على توعية أبناء الجيل الجديد من السعوديين الشيعة بحقيقة أن إيران تشتغل - منذ الإطاحة بنظام الشاه - على ربط التشيع بها حصرا، وإقصاء كل ما يتعلق بالشيعة في العالم ما لا يدور في فلكها. ويمكن دعم هذه المحاججة بأدلة دامغة؛ كسوق جريمة تفجير منشآت شركة صدف في مدينة الجبيل الصناعية، وجريمة تفجير مصفاة الجعيمة، وخصوصا محاولة التفجير الفاشلة لبرج التصعيد بمعمل فرز الغاز عن الزيت في رأس تنورة؛ لأن محاولة تفجير برج التصعيد في معمل فرز الغاز عن الزيت في رأس تنورة لو كانت نجحت - لا قدر الله - لقتلت آلاف السعوديين الشيعة. والقصد هنا أن هذه المحاولة دليل دامغ على أن إيران لا يهمها من أمر الشيعة العرب سوى استخدامهم ورقة ضغط على أنظمة الدول العربية الخليجية المجاورة لإيران.
في المملكة العربية السعودية اليوم مبادرة قائمة للحوار الوطني، ولكن هذه المبادرة لم تعطِ بعدُ الثمارَ المرجوة منها. إلا أن هذه ليست نهاية الطريق، إذ ما زالت أمامنا الفرص لترقية مهام المبادرة، وإعادة هندستها عبر تكليف الكفاءات المشهود لها بصدق الإخلاص لمعنى «الوحدة الوطنية» تقديم مشاريع تهدف إلى إعادة عمق المعنى لمفاهيم في غاية الحيوية؛ مثل: «السعودية الواحدة»، و«السعودي الواحد»، على أن تُقيَّد هذه المشاريع بأطر زمنية تُلغي النهايات المفتوحة، وأن تكون من الواقعية إلى الدرجة التي يمكن أن تُزعج أحيانا.
هذه اللحظة التاريخية يجب ألا تمر من دون استثمار يحصن الوطن من داخله، ويجعل من كل صلحاء الوطن شركاء في صيانته وحمايته. علينا ألا نصغي كثيرا لتلك الأصوات التي تقول: إن هزيمة الخطاب الطائفي مستحيلة؛ لأن الداخل يتأثر بما يجري في الإقليم. المحاولة في لجم الخطاب الطائفي على مستوى الإقليم أمر محمود، لكن الربط المطلق بين الداخل والإقليم لا يخلو من يأس وعجز وإقرار بقلة الحيلة، وتقليل - ربما غير مقصود - من قيمة المملكة، وتشكيك في قدرتها على صنع القدوة والمثال.
لا نجرؤ على زعم أن الأمر سيكون مجرد نزهة أو ما يُشبه النزهة، ولا نجرؤ على ادعاء أن هذه الأهداف السامية يمكن تحقيقها في مدة زمنية قصيرة، لكننا نجزم بأن آمالنا الوطنية قابلة للتحقق إذا ما توافرت لدينا العزيمة القوية الصادقة، ووظِّفت لتحقيقها كل الإمكانيات اللازمة.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.


«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».


ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.