هادي يقيل رئيس هيئة الأركان اليمني.. وشبوة ومأرب تفتحان جبهة جديدة ضد المتمردين

سكان عدن يستميتون في الدفاع عن مدينتهم والحوثيون يقصفون عشوائيا منازل * رجال قبائل يستعيدون المكلا من «القاعدة»

مسلحون حوثيون في عدن بعد قصف مواقع في حي كريتر أمس (أ.ف.ب)
مسلحون حوثيون في عدن بعد قصف مواقع في حي كريتر أمس (أ.ف.ب)
TT

هادي يقيل رئيس هيئة الأركان اليمني.. وشبوة ومأرب تفتحان جبهة جديدة ضد المتمردين

مسلحون حوثيون في عدن بعد قصف مواقع في حي كريتر أمس (أ.ف.ب)
مسلحون حوثيون في عدن بعد قصف مواقع في حي كريتر أمس (أ.ف.ب)

أقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي كلا من رئيس هيئة الأركان اللواء عبد الله خيران ونائب رئيس الأركان زكريا الشامي وقائد قوات الأمن الخاصة عبد الرزاق المروني من مناصبهم العسكرية والأمنية.
وقضت القرارات اليمنية بإحالة تلك القيادات العسكرية والأمنية الموالية للحركة الحوثية إلى محاكمة عسكرية بتهمة الخيانة والتعامل مع ما وصفته مصادر في الرئاسية اليمنية بـ«انقلاب الميليشيات الحوثية على السلطة الشرعية في البلاد». وجاء إعلان الإقالات على الصفحة الرسمية للرئيس هادي على موقع «فيسبوك» مساء أمس.
وجاءت هذه القرارات بينما استمرت التطورات الميدانية المتعلقة بالمواجهات مع المتمردين الحوثيين الذين يواصلون مساعيهم للسيطرة على كل مناطق البلاد، ويخوضون حربا شرسة من أجل السيطرة على محافظة عدن التي واجهوا فيها هزائم متكررة على يد المقاومة الشعبية ذات الإمكانيات المحدودة. وبموازاة مواجهة اللجان الشعبية للحوثيين في عدن، واصل طيران قوات التحالف في عملية «عاصفة الحزم» قصفه لمواقع الحوثيين والقوات المتحالفة معهم والموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، إذ استهدف الطيران بعض الأهداف في صنعاء وبالتحديد في شرق صنعاء (منطقة نقم)، حيث دوّت التفجيرات في تلك المنطقة بصورة قوية.
وشهدت عدن، أمس، مواجهات عنيفة بين المقاومة الشعبية من جهة، والميليشيا الحوثية والقوات الموالية لصالح من جهة أخرى. وحسب مكتب صحة عدن، فقد قتل 150 شخصا وسقط عشرات الجرحى في تلك المواجهات. وضمن التطورات الميدانية في عدن، تمكن عدد من الدبابات من بقايا اللواء المنسحب من معسكر بدر المجاور لمطار عدن الوصول إلى مشارف مدينتي المعلا وكريتر. وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إن طلائع هذه الدبابات دخلت إلى تخوم ميناء المعلا وبوابة كريتر من جهة الشرق وفتحت نيران مدافعها على المساكن والمنشآت الواقعة على جانبي الشارع الرئيسي المؤدي إلى مدينة التواهي غرب المعلا. وأضاف شهود عيان أن الدبابة المرابطة في طريق العقبة المعروف بـ«بوابة عدن» شوهدت وهي تضرب تارة صوب المعلا والقلوعة غربا، وتارة أخرى نحو أحياء مدينة كريتر جنوبا.
وأكد مصدر في المقاومة الشعبية لـ«الشرق الأوسط» أن المقاومة تصدت لهذه القوات المتحالفة مع الحوثيين ومنعتها من التقدم صوب الميناء وإعاقة حركتها من المرور إلى مدينة التواهي التي توجد بها قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، وكذا معسكرات البحرية والشرطة العسكرية والعمليات الحربية، فضلا عن كونها مركزا للمقاومة الشعبية والإذاعة والتلفزيون.
وعلى ذات الصعيد، قال قائد عسكري ميداني لـ«الشرق الأوسط» إن البوارج البحرية قصفت بعض الدبابات المتمركزة بجوار جبل حديد شرق المعلا في عدن. ولفت إلى أن المقاومة الشعبية، بعد تسلحها، خاضت أمس اشتباكات بالأسلحة المتوسطة والخفيفة في المعلا والقلوعة اللتين توغلت فيهما طلائع ميليشيات الحوثي وقوات الرئيس السابق صالح التي فشلت في العبور بدبابتها فلجأت إلى أسلوب الاحتماء في الأحياء المأهولة والتمترس بالمباني السكنية. وبخصوص المناطق التي تسيطر عليها قوات صالح والحوثي، أوضح القائد العسكري لـ«الشرق الأوسط» أن المقاومة تسيطر على معظم مساحة عدن باستثناء وجود نقاط موالية لصالح والحوثي على الطريق البحري الممتد من فندق الرحاب بخور مكسر إلى مقربة من سوق «عدن مول» عند مدخل كريتر، ناهيك بجزيرة العمال وجبل حديد وطريق العقبة. وهذه المواضع الثلاثة توجد بها دبابات اللواء المنسحب من معسكر بدر الواقع في نطاق مطار عدن الدولي وبمحاذاة الأماكن التي انتشرت بها دبابات اللواء، فعدا هذه المساحة الضئيلة تكاد مدن عدن تحت سيطرة المقاومة الموجودة الآن وعلى نطاق واسع يمتد من عمران غربا وحتى منطقة العلم شرقا.
ودخلت في خط المواجهات مع المتمردين الحوثيين، أمس، جبهة جديدة في محافظتي شبوة ومأرب، حيث قالت مصادر قبلية لـ«الشرق الأوسط» إن 6 من مسلحي الحوثي قتلوا وجرح 5 آخرون في هجوم نفذته القبائل على مواقع لميليشيا الحوثيين. وذكرت المصادر أن الهجوم استهدف تلك المواقع في مديرية بيحان القريبة من المحافظتين والتي تتبع محافظة شبوة الجنوبية. وأشارت المصادر إلى تحالفات قبلية واسعة بدأ التنسيق لها بين القبائل في المحافظات اليمنية الشمالية والجنوبية معا، ضد تمدد حلف الحوثيين وصالح الذي يسعى إلى بسط سيطرته، بالقوة المسلحة، على كل مناطق اليمنية شمالها وجنوبها. ويتداخل سكان تلك المناطق قبليا، رغم التقسيم الإداري الحالي وكون تلك المناطق كانت حدودية قبل قيام الوحدة اليمنية منتصف عام 1990.
في سياق متصل، قالت مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط» في مديرية لودر بمحافظة أبين الجنوبية إن مسلحي المقاومة الشعبية تمكنوا، خلال 24 ساعة من القتال، من دحر مسلحي الحوثي والقوات الموالية لصالح من المديرية ومنطقة الحضن وإرجاعهم إلى منطقة «ثرة»، حيث يتمركزون حاليا. وأشارت المصادر إلى أن نحو 11 مسلحا من المقاومة قتلوا وجرح العشرات، وبينما قتل العشرات من المسلحين الحوثيين وأنصار صالح في تلك المواجهات التي وصفت بالعنيفة. وذكر شهود عيان أن الحوثيين قاموا بنقل قتلاهم إلى محافظة البيضاء، بينما يقومون بقصف مدينة لودر من منطقة «ثرة». وتعد لودر من المديريات الهامة في محافظة أبين وهي منطقة تفصل بين شمال اليمن وجنوبها وتحد محافظة البيضاء بوسط البلاد.
من جهة ثانية، جددت اللجنة الأمنية بمحافظة مأرب ومعها السلطة المحلية وكل قيادات الوحدات العسكرية والأمنية تأكيد التزامها بالوقوف مع الشرعية الدستورية للرئيس عبد ربه منصور هادي. وقالت: «يعتبر هذا الموقف امتدادا للمواقف السابقة التي تم إعلانها من خلال البيانات الرسمية الصادرة عن اللجنة». ودعت اللجنة الأمنية بمحافظة مأرب، في بيان لها حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، خلال اجتماعها برئاسة المحافظ سلطان العرادة «إلى الوقوف إلى جانب إخوانهم أبناء القوات المسلحة والأمن من أجل الحفاظ على المنشآت الحيوية ومؤسسات الدولة والتصدي لكل محاولات الميليشيات والتنظيمات الإرهابية وعناصر التخريب التي تسعى للعبث بأمن واستقرار المحافظة».
وأكدت اللجنة الأمنية على «ضرورة العمل من أجل تجنيب محافظة مأرب الصراعات بما يخدم المواطن اليمني والذي سيتضرر من انقطاع الاحتياجات الأساسية».
وفي نفس السياق، أكدت مصادر قبلية خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن جماعة الحوثي المسلحة خرقت الاتفاق بينهم وبين قبائل أبناء مأرب بعدم تجدد أي مواجهات بينهم وبين القبائل. وقالت المصادر: «إن المسلحين الحوثيين خرقوا الاتفاق وتجددت الاشتباكات بين المسلحين القبائل والمسلحين الحوثيين في منقطة قانية، على الحدود بين مأرب والبيضاء». وقال مصدر قبلي لـ«الشرق الأوسط» إن «إحدى النقاط في مفرق محافظة الجوف، شمال غربي مأرب التي يقوم عليها جنود يمنيون، رفضت طلب قيادي حوثي بضم مسلحين حوثيين إلى النقطة ليشاركوا الجنود مهمتهم في النقطة، وإن القيادي الحوثي حاول فرضهم بالقوة إلا أن أفراد النقطة رفضوا ذلك وانتشروا مستعدين لأي مواجهة قد يخوضونها مع المسلحين الحوثيين، مما اضطر القيادي بعد ذلك الانتشار إلى الانسحاب من النقطة».
وأكد المصدر: «حاول القيادي الحوثي فرض المسلحين الحوثيين هم وعرباتهم والسلاح الثقيل الذي كان بحوزتهم للضغط على الجنود المرابطين في مفرق محافظة الجوف ليضع الجنود أمام الأمر الواقع، حيث إنهم قد جاءوا بعتادهم العسكري الثقيل والخفيف، غير أن الضباط والجنود رفضوا ذلك وبقوة». وتابع: «بعد مشادات كلامية بين الطرفين وانسحاب القيادي الحوثي ومسلحيه، جرى لقاء بين قائد القطاع العقيد عبده صالح حمود والقيادي الحوثي لبحث مسألة رفض الجنود السماح للمسلحين الحوثيين مشاركتهم في النقطة، غير أن العقيد وجميع الضباط والجنود رفضوا التسليم وفضلوا المواجهة على تسليم موقعهم لأي جماعات مسلحة».
وفي حضرموت، اتهم حلف قبائل حضرموت قوات الجيش في المحافظة بالتواطؤ مع عناصر تنظيم القاعدة وتسليمهم كل المعسكرات دون مقاومة. وقال صالح مولى الدويلة، الناطق باسم حلف القبائل، لـ«الشرق الأوسط» إن مسلحي قبائل الحلف تراجعت، مؤقتا، عن مهاجمة مدينة المكلا لاستعادتها من قبضة عناصر «القاعدة»، وذلك بعد أن وصلت إليهم معلومات مؤكدة، تفيد بقيام المسلحين المتشددين بتلغيم كل مداخل مدينة المكلا وتفخيخ الطرقات ونشر كثير من القناصة على أسطح المنازل والجبال المحيطة بالمكلا. وأضاف الدويلة أن الانسحاب من المناطق التي كان مسلحو الحلف قد وصلوا إليها في المكلا «هو انسحاب تكتيكي من أجل إعادة ترتيب صفوفنا ودراسة كل الخطط قبل الإقدام على اقتحام المدينة». وأشارت الدويلة إلى أن قبائل حلف حضرموت لم تشتبك، حتى اللحظة، مع عناصر «القاعدة»، وإلى أن تسليح القبائل محدود للغاية. وطالب الناطق باسم الحلف قوات التحالف بمساعدتهم بالسلاح، مؤكدا التأييد الكامل لعمليات «عاصفة الحزم» وقال إنهم، في حال تسلحوا جيدا، قادرون على دحر كل الفئات التخريبية من حضرموت، وطالب بإخراج قوات الجيش من المحافظة ووصفها بأنها جزء من العناصر التخريبية.
ومنذ بدء عملية «عاصفة الحزم» في اليمن، قبل 12 يوما، والمطالبات تتواصل من قبل سكان المناطق التي تشهد مواجهات عنيفة بالتدخل البري. وفي هذا السياق قال خبراء عسكريون في اليمن لـ«الشرق الأوسط» إن الحوثيين يراهنون على التدخل البري لاعتقادهم أنهم سيلحقون خسائر بالقوات العربية التي ستتدخل بريا. وأكد الخبراء أن «التدخل البري ممكن ومطلوب، ولكن في ضوء دراسة متأنية وفي مناطق محددة»، وأن «على قوات التحالف السيطرة على المناطق الساحلية، حيث يجب أن يبدأ التدخل من عدن ثم يشمل حضرموت وأبين والمهرة وسقطرى على بحر العرب في الجنوب ومن ثم المخا والحديدة وحتى ميناءي الصليف وميدي على البحر الأحمر غربا». وأضاف أن بعد تحقيق ذلك «يجب التدخل البري في الشمال الشرقي عبر محافظتي الجوف ومأرب والزحف نحو محافظة صعدة، وبالتالي سيتكدس المتمردون في منطقة إقليم آزال وسيصبحون محاصرين، خصوصا بعد أن تنظم المناطق الوسطى إلى المناطق الرافضة لميليشيات الحوثيين وقوات صالح». ويعتقد معظم الخبراء في اليمن أن التدخل البري بات قريبا وسوف يبدأ من عدن وعبر قوات مصرية، دون شك».
من ناحية ثانية، ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين محليين، أن رجال قبائل مسلحين انتشروا في شوارع المكلا، أمس، مسيطرين على المدينة الواقعة في شرق البلاد والتي اجتاحها متشددو «القاعدة» لفترة قصيرة. ودخل مقاتلو القبائل المكلا أمس متعهدين بإعادة الأمن بعد أن اقتحم المتشددون السجون يوم الخميس وحرروا زعيما محليا لـ«القاعدة» ونهبوا البنوك وسيطروا على مبانٍ حكومية محلية على حد قول الأهالي.
وتشير الفوضى في المكلا إلى انهيار السلطة المركزية في اليمن وقالت مصادر قبلية، إلى أن رجال القبائل خاضوا معارك خارج المكلا مباشرة ضد قوات مسلحة قبل فجر أمس، مما أدى إلى مقتل اثنين من الجنود. وأضافوا أن أحد رجال القبائل قتل أيضا.
وأصدرت جماعة تسمى «اللجنة الشعبية للأمن والدفاع» بيانا أمس يدعو الأهالي والموظفين للدفاع عن المستشفيات والمباني العامة لمنع تكرار نهبها مثلما حدث الخميس الماضي.
وكان بين الذين حرروا من سجن المكلا الخميس الماضي خالد باطرفي، وهو عضو بارز في تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» كان قد اعتقل قبل أربعة أعوام.
ونفذت الولايات المتحدة ضربات سرية بطائرات من دون طيار استهدفت أعضاء تنظيم القاعدة حتى مارس (آذار) الماضي حينما انسحب الموظفون الأميركيون من البلاد بعد تقدم قوات الحوثي إلى قاعدة شمال عدن كانوا يعملون منها.
وقد يشكل الفراغ الأمني الحالي فرصة للقاعدة كي ترسخ وجودها في محافظة حضرموت الكبيرة في شرق اليمن على الرغم من أن مقاتليها انسحبوا من المكلا فيما يبدو من دون مقاومة حقيقية.
وفي مكان آخر في حضرموت أفاد أهالي بلدة القطن بوقوع انفجارات وإطلاق نار حينما هاجم من يشتبه بأنهم مقاتلون من «القاعدة» قاعدة تابعة للجيش تضم قوات متحالفة مع الحوثيين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.