(تحليل اقتصادي) إدارة بايدن في مأزق «النفط» و«المناخ»

التحركات غير المحسوبة قد تستنزف الاحتياطي الاستراتيجي

الرئيس الأميركي جو بايدن
الرئيس الأميركي جو بايدن
TT
20

(تحليل اقتصادي) إدارة بايدن في مأزق «النفط» و«المناخ»

الرئيس الأميركي جو بايدن
الرئيس الأميركي جو بايدن

رغم مناشدات الإدارة الأميركية للدول الأعضاء في منظمة أوبك لزيادة الإنتاج لمواجهة الأسعار المتزايدة، فإن الدول رفضت حتى الآن الضغوط الأميركية لزيادة المعروض... وهناك شكوك حول ما إذا كانت الدول المنتجة لديها القدرة على زيادة الإنتاج بشكل حاد بعد سنوات من تباطؤ الاستثمار.
ودفعت هذه الشكوك إلى تكهنات أن الرئيس بايدن سيقوم بخطوات للإفراج عن الاحتياطي الأميركي الاستراتيجي من البترول من أجل تحييد وتحديد الأسعار، وحث الدول المنتجة على طرح المزيد من براميل النفط في الأسواق، وبالتالي تحقيق أقصى تأثير. وقد أيدت وزيرة الطاقة جينيفر غرانهولم التوجه إلى الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي من النفط إلا أنها تراجعت عن تصريحاتها وقالت إنه لا توجد خطة فورية للقيام بذلك.
وتملك الولايات المتحدة احتياطيا بتروليا استراتيجيا يبلغ 620 مليون برميل المخزن تحت الأرض في ولايتي تكساس ولويزيانا. وتتردد إدارة بايدن في اتخاذ قرار بالإفراج عن هذا المخزون خاصة مع توجه إدارته إلى الإقلال من الطاقة الأحفورية، والتوجه إلى الطاقة النظيفة والمتجددة لإبطاء تأثيرات التغيرات المناخية. ووضعت إدارة بايدن سياسات تهدف إلى جعل التنقيب والحفر لاستخراج النفط والغاز مقيدا بعوامل حماية البيئة لكن القلق يتزايد بشأن ارتفاع أسعار النفط المتزايدة.
وأشار بنك غولدمان ساكس إلى أن الإفراج عن احتياطي النفط الاستراتيجي لن يكون سوى مساعدة متواضعة، ولن يؤثر بشكل حاسم على أسعار النفط المتزايدة، خاصة أن المخزون الاحتياطي الأميركي يتم استخدامه فقط في حالات الطوارئ مثل الحروب والأعاصير. وتواجه إدارة بايدن معضلة كبيرة مع ارتفاع تكلفة البنزين والغاز الطبيعي للتدفئة في المنازل مع الغضب المتزايد لدى الرأي العام واستطلاعات الرأ ي التي تشير إلى انخفاض شعبية بايدن والحزب الديمقراطي الحاكم، ويحاول بايدن إلقاء اللوم على منظمة أوبك.
ويقول الخبراء إن الإدارة الأميركية لديها خيارات قليلة لتغيير مسار السوق في وقت يرتفع فيه الطلب وتترد شركات النفط في إنتاج المزيد. وقد تؤدي أي تحركات غير محسوبة بدقة من إدارة بايدن في ملف الطاقة إلى استنزاف احتياطيات النفط الاستراتيجية بما يؤدي إلى ارتفاع قياسي في تكلفة التدفئة المنزلية في فصل الشتاء.
وبينما تقول إدارة بايدن إن لديها مجموعة من الأدوات لاستخدامها في مكافحة ارتفاع أسعار النفط، فهي في حقيقة الأمر لديها أدوات تنظيمية استخدمتها بالفعل، مثل رفع القواعد التنظيمية على النفط والغاز، وتسريع الموافقات على خطوط الأنابيب، وخفض ضرائب البنزين... لكنها في النهاية تعد «إسعافات أولية قصيرة الأجل» في الأسواق التي تعاني من نقص المعروض.
وتعد أسعار الطاقة المرتفعة مشكلة متنامية للرئيس بايدن خاصة منتجات البنزين، فقد وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها خلال السبع سنوات الماضية وتعالت شكاوى الأميركيين من تداعيات الوباء الاقتصادية وخسارة الوظائف، وزاد ارتفاع أسعار غالون البنزين من وتيرة الغضب لدى الأميركيين خاصة بعد ارتفاع سعر الغالون إلى أكثر من أربعة دولارات، وتحذيرات بنك أوف أميركا بإمكانية ارتفاع سعر برميل النفط إلى 120 دولارا.
كما شهدت أسعار الغاز الطبيعي ارتفاعا إلى أكثر من الضعف خلال العام الجاري مما أثقل كاهل المرافق والمصانع وأجبرها على التحول إلى البدائل الرخيصة مثل الفحم والزيت والمازوت.
ويؤدي ارتفاع سعر النفط إلى ارتفاع تكلفة المعيشة المرتفعة بالفعل للأميركيين، ويزيد الضغوط التضخمية على الشركات التي تتصارع مع ظروف الوباء ونقص العمالة وكوارث تباطؤ سلاسل التوريد. وزادت مخاوف ارتفاع معدلات التضخم من وجهات النظر المتشائمة حول الاقتصاد الكلي. ورصدت استطلاعات رأي أن ما يقرب من ثلثي الأميركيين وصفوا رؤيتهم للاقتصاد الأميركي بأنه فقير ويعاني التراجع، واحتل الاقتصاد المرتبة الأولى في اهتمامات الأميركيين في الاستطلاعات باعتباره أهم قضية، متجاوزا التعليم والضرائب و(كوفيد - 19).
واستغل الجمهوريون هذه القضية قائلين إن الرئيس بايدن يجب أن يعزز المنتجين الأميركيين بدلا من مناشدة دول أوبك زيادة الإنتاج. وفي رسالة وقعها 23 سيناتورا جمهوريا في مجلس الشيوخ إلى الرئيس بايدن طالبوا بإعادة فتح خط أنابيب كيستون الذي أوقفه الرئيس بايدن عند مجيئه للسلطة، من منطلق الحفاظ على البيئة. وقال الجمهوريون إن إعادة فتح هذا الخط والإفراج عن المخزون الاحتياطي من النفط الأميركي (الذي لا يزال أقل من مليون برميل؛ أي أقل من ذروته اليومية) من شأنه أن يحدث فارقا كبيرا في أسعار النفط.
ويشير الخبراء إلى أن الطلب مرتفع والمعروض متأخر، وأصبحت الولايات المتحدة تنتج أقل كثيرا مما كانت تنتجه قبل تفشي وباء (كوفيد) على الرغم من أن الأسعار في الوقت الحالي أعلى بكثير من السابق. وتتعرض شركات النفط الأميركية لضغوط هائلة من وول ستريت وأسواق المال لإظهار الانضباط في أسعار النفط، بينما تحجم شركات النفط عن زيادة الإنتاج لأن توقعات الطلب لا تزال غير مؤكدة نظرا للمخاوف المناخية.
وتكمن المشكلة في أن النفط هو سلعة يتم تداولها عالميا، ويتم تحديد أسعار الغاز في الولايات المتحدة بواسطة خام برنت، وإذا فقد العالم فجأة إمكانية الوصول إلى النفط الأميركي، فمن المرجح أن ترتفع أسعار خام برنت بسبب ضعف الإمدادات العالمية.
وتتطلب مصافي النفط الأميركي الحصول على النفط الأجنبي لإنتاج البنزين ووقود الطائرات والديزل، ولا يمكنهم الاعتماد على النفط الأميركي وحده. وهذا هو السبب في أن بنك غولدمان ساكس أخبر عملاءه أن حظر تصدير النفط من المرجح أن يؤدي إلى نتائج عكسية، وسيكون له تأثير صعودي محتمل على أسعار التجزئة للوقود.
ويرى الخبراء أن حظر صادرات النفط سيكون له نتائج سلبية أيضا، لأن التحول المفاجئ في السياسة من شأنه أن يخيف المستثمرين، ويقلل من الاستثمارات الموجهة في النفط الأحفوري المحلي في الولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

ترمب يتوقع مونديال 2026 «أكثر إثارة»

الاقتصاد ترمب ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو في البيت الأبيض 7 مارس 2025 (أ.ف.ب)

ترمب يتوقع مونديال 2026 «أكثر إثارة»

عدَّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن التوترات التجارية مع الجارتين المكسيك وكندا ستعزز استضافة كأس العالم 2026 في كرة القدم، في حين أعلن من البيت الأبيض إنشاء

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متسوقون في لوس أنجليس بكاليفورنيا يبحثون عن الأخشاب وسط تصاعد التوتر التجاري بعد تحذير الرئيس الأميركي دونالد ترمب من احتمال فرض تعريفات جمركية على الأخشاب الكندية المورِّد الأكبر للولايات المتحدة (إ.ب.أ)

أبعاد رسوم ترمب الاقتصادية... ما بين حماية الصناعة المحلية وأداة ضغط للتوازن التجاري

أحدثت الرسوم الجمركية، التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، نقاشاً واسعاً حول جدواها الاقتصادية، وتأثيرها في الأسواق المحلية والدولية.

مساعد الزياني (دبي)
خاص الرئيس دونالد ترمب يستمع إلى إيلون ماسك وهو يتحدث في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (أ.ب)

خاص هل يكون انحدار «تسلا» مدفوعاً بانحيازات إيلون ماسك السياسية؟

كان لتحالف إيلون ماسك مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وانغماسه عميقاً في السياسات الداخلية والخارجية، نتائج قد تكون مقلقة اقتصادياً بالنسبة للشركة ولماسك.

إيلي يوسف (واشنطن)
الاقتصاد سكوت بيسنت يتحدث في فعالية نادي الاقتصاد في نيويورك 6 مارس 2025 (رويترز)

وزير الخزانة الأميركي: الاقتصاد قد يواجه فترة صعبة بسبب تراجع الإنفاق الحكومي

أقرّ وزير الخزانة سكوت بيسنت، يوم الجمعة، بوجود بعض علامات الضعف في الاقتصاد الأميركي، مشيراً إلى أنه من المحتمل أن يشهد الاقتصاد فترة من التباطؤ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة توظيف عند صندوق الدفع في مطعم «برغر بوي» في لويفيل بكنتاكي (رويترز)

انتعاش نمو الوظائف الأميركية في فبراير رغم ارتفاع البطالة إلى 4.1 %

انتعش نمو الوظائف في الولايات المتحدة في شهر فبراير (شباط)، في حين ارتفع معدل البطالة إلى 4.1 في المائة. ومع ذلك، تزايدت حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

التضخم في الصين يتحول إلى سلبي للمرة الأولى منذ 13 شهراً

الناس يسيرون في شارع سياحي مزدحم ببكين (إ.ب.أ)
الناس يسيرون في شارع سياحي مزدحم ببكين (إ.ب.أ)
TT
20

التضخم في الصين يتحول إلى سلبي للمرة الأولى منذ 13 شهراً

الناس يسيرون في شارع سياحي مزدحم ببكين (إ.ب.أ)
الناس يسيرون في شارع سياحي مزدحم ببكين (إ.ب.أ)

انخفض معدل التضخم الاستهلاكي في الصين إلى ما دون الصفر للمرة الأولى منذ 13 شهراً، بسبب التوقيت المبكر لعطلة السنة القمرية الجديدة، ولكنها تذكير بالضغوط الانكماشية المستمرة في الاقتصاد.

وقال المكتب الوطني للإحصاء يوم الأحد، إن مؤشر أسعار المستهلك انخفض بنسبة 0.7 في المائة عن العام السابق، مقارنة بزيادة بنسبة 0.5 في المائة في الشهر السابق. وكان متوسط ​​توقعات خبراء الاقتصاد الذين استطلعت آراءهم «بلومبرغ» هو انخفاض بنسبة 0.4 في المائة.

وعلى أساس شهري، انخفضت الأسعار بنسبة 0.2 في المائة عن شهر يناير (كانون الثاني).

وفي الوقت الذي يتصارع فيه كثير من الدول الأخرى مع التضخم، يواجه صانعو السياسة في الصين انخفاض الأسعار، واحتمال تطورها إلى دوامة انكماشية من شأنها أن تسحب الاقتصاد إلى الأسفل. وقد شددت الحكومة على الحاجة إلى زيادة الطلب المحلي والإنفاق الاستهلاكي في تقرير سنوي الأسبوع الماضي، إلى مجلسها التشريعي الاحتفالي، المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، لكنها أحجمت عن الكشف عن أي خطوات جديدة مثيرة لتعزيز الاقتصاد.

وجاء العام القمري الجديد، وهو الوقت الذي يرتفع فيه الإنفاق على السفر وتناول الطعام في الخارج والترفيه، في أواخر يناير هذا العام بدلاً من فبراير (شباط)، حيث إنه يعتمد على دورات القمر. وقد ساعد الإنفاق خلال العطلات في ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.5 في المائة في يناير، ولكنه انخفض بعد ذلك في الشهر الماضي مقارنة بالمستوى المرتفع الذي سجله في عام 2024.

وقال دونغ ليغوان، وهو خبير إحصائي في مكتب الإحصاء الحكومي، في تحليل مكتوب، إنه مع أخذ تأثير العطلة في الحسبان، ارتفع المؤشر بنسبة 0.1 في المائة الشهر الماضي.

ولا يزال هذا أقل بكثير من المستوى المثالي.

وتضمن التقرير السنوي للحكومة الأسبوع الماضي، هدفاً للتضخم بنسبة 2 في المائة لهذا العام، ولكن من المرجح أن يكون أقل بكثير من هذا الهدف. وكان مؤشر أسعار المستهلك ثابتاً في عام 2024، حيث ارتفع بنسبة 0.2 في المائة.

وقد تضيف الحرب التجارية المزدهرة مع الولايات المتحدة إلى الرياح الاقتصادية المعاكسة للصين.

المشاركون يحملون لافتات أثناء انتظارهم المندوبين الذين يحضرون الجلسة العامة الثالثة للمؤتمر السياسي للشعب الصيني (رويترز)
المشاركون يحملون لافتات أثناء انتظارهم المندوبين الذين يحضرون الجلسة العامة الثالثة للمؤتمر السياسي للشعب الصيني (رويترز)

وقال دونغ إنه إلى جانب السنة القمرية الجديدة في وقت مبكر، أسهم عاملان آخران في انخفاض الأسعار في فبراير: أدى تحسن الطقس إلى تعزيز إنتاج المزارع، مما أدى إلى انخفاض أسعار الخضراوات الطازجة، كما كثفت شركات صناعة السيارات من العروض الترويجية في محاولة لزيادة المبيعات، مما أدى إلى انخفاض أسعار السيارات الجديدة.

وقال مكتب الإحصاء إن مؤشر أسعار المنتجين، الذي يقيس أسعار الجملة للسلع، انخفض بنسبة 2.2 في المائة في فبراير. وقد انخفضت أسعار المنتجين بشكل أكثر حدة من أسعار المستهلكين، مما فرض ضغوطاً على الشركات لخفض العمالة والتكاليف الأخرى.