اختتام الدورة الـ 31 لمعرض تونس الدولي للكتاب

إقبال ضعيف واستبعاد مبكر لـ«كتب الكراهية»

جانب من معرض تونس الدولي للكتاب
جانب من معرض تونس الدولي للكتاب
TT

اختتام الدورة الـ 31 لمعرض تونس الدولي للكتاب

جانب من معرض تونس الدولي للكتاب
جانب من معرض تونس الدولي للكتاب

شهدت الدورة 31 لمعرض تونس الدولي للكتاب إقبالا ضعيفا من قبل الجمهور، عزاه البعض إلى تراجع القراءة في البلد والمجتمعات العربية عموما، بينما عزاه بعض آخر إلى غلاء سعر الكتاب، وضعف التنظيم والترويج للمعرض.
وضم المعرض في دورته الجديدة 296 عارضا من 20 دولة، شاركوا بـ113 ألف عنوان. وخلافا للسنوات التي أعقبت الثورة التونسية، عرف المعرض استبعاد «الكتب الصفراء» التي تحث على الكراهية وتنشر العنف والتطرف.
وخلال هذه الدورة وزعت إدارة معرض الكتاب عدة جوائز، ففي باب النشر تقدم لهذه الجائزة سبعة ناشرين، فيما تقدم 60 مرشحا لجوائز الإبداع في الشعر والنشر والآداب والترجمة. وقال محمد محجوب، مدير المعرض، لـ«الشرق الأوسط» إن جوائز معرض تونس للكتاب «نضالية بالأساس، لأنها تأتي في ظل ظروف تواجه فيها الثقافة والكتاب بشكل عام غزوا شرسا على قيم الحداثة».
وفازت رواية التونسي شكري المبخوت «الطلياني» بجائزة الإبداع الأدبي، في حين آلت جائزة الدراسات في الآداب والعلوم مناصفة إلى المفكر التونسي يوسف الصديق عن كتابه «الآخر والآخرون» و«اللغة والجسد» للأزهر الزناد. وتحصل التونسي ناجي العونلي على جائزة الترجمة عن كتاب «دروس في الاستطيقا»، وهو مؤلف للفيلسوف هيغل. أما جائزة النشر فذهبت إلى دار «محمد علي» للنشر، وهي دار نشر تونسية تهتم بالكتب السياسية والنقابية في المقام الأول.
وكانت هيئة معرض تونس الدولي للكتاب قد نظمت مؤتمرا علميا تناول موضوع «الثقافة وأسئلة المستقبل»، وانتهى المشاركون إلى عدة تساؤلات من بينها مواجهة الثقافة لخطر الاستهلاك العادي، وهو ما يضر بالخيال الإبداعي ويعوق مسائل التجديد في الفكر والمعارف. وقد طرح هذا المؤتمر عدة إشكاليات، من بينها «التلقي في الميديا الجديدة» و«المستقبل الثقافي في الفضاء الافتراضي وخصوصية الثقافة في المستقبل» و«قراءة المستقبل وعلاقتها بالشعوذة»، بالإضافة إلى «علاقة الصورة بالثقافة البصرية». وعن المنشورات الأكثر رواجا في معرض تونس الدولي للكتاب، أشار الناشر المصري أحمد ناجي إلى ضعف الإقبال على الرغم من توافر عدة عناوين مهمة في مجالات الفلسفة والدين والعلوم. وقال إن هبوط سعر الدينار التونسي مقابل الدينار الأميركي على ما يبدو قد أثر بشكل كبير على مستوى الشراء.
وما لاحظته «الشرق الأوسط» من خلال جولة بين أروقة المعرض أن الجماهير المحبة للقراءة تفضل اقتناء الكتب المنشورة باللغة الإنجليزية والكتب الأميركية المترجمة إلى الفرنسية، إذ إن أسعارها ظلت في المتناول، بالإضافة لحرص ناشريها على بيعها مقابل أثمان رمزية مقارنة بأسعار نسخها الأصلية. وفي هذه الدورة شاركت المملكة العربية السعودية بجناح ضم عدة هياكل حكومية موزعة على الجامعات وبعض الوزارات كوزارتي التعليم والشؤون الإسلامية، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وجامعة أم القرى، والجامعة الإسلامية، وجامعة الإمام محمد مسعود، ومكتبة الملك عبد العزيز، وإدارة الملك عبد العزيز، ومكتبة الملك فهد، ونادي جدة الأدبي.
أما بخصوص أهم محاور المنشورات التي يعرضها الجناح فهي متنوعة بتنوع زوايا اختصاص دور النشر والجامعات من علوم المكتبيات إلى اللغة العربية وقضاياها.
وشاركت تركيا للمرة الأولى في هذا المعرض الدولي ممثلة في وزارة الثقافة والسياحة والمركز الثقافي «أتاتورك» ومؤسسة منشورات تركيا، وذلك من منطلق حرصها على مزيد من تعريف الجمهور التونسي بالحضارة التركية وتاريخها وعلمائها. ومن المنتظر أن توزع كل المعروضات من كتب ومجلات ودراسات بعد انتهاء الدورة 31 للمعرض، على الجامعات والمؤسسات التربوية إسهاما من تركيا في إثراء مكتبات المعاهد والجامعات التونسية. وتعزو سلمى جباس مديرة مكتبة الكتاب (مكتبة ودار نشر خاصة) والمسؤولة عن جناح الدار في المعرض، سبب ضعف الإقبال في الدورة الحالية لمعرض الكتاب إلى أن «الإشهار للمعرض لم يكن بالشكل الكافي، فالتونسي تعود على أن تأتيه المعلومة إلى البيت من خلال القنوات التلفزيونية والإذاعية». وبشأن مشاركة دار النشر في هذا المعرض، قالت إنها جاءت بعد غياب طويل حيث كانت الكتب الصفراء مهيمنة على الدورات التي تلت الثورة في تونس، مما جعل الكتاب العلمي والثقافي أو الأدبي يتأخر في سلم اهتمامات الزائرين للمعرض.
واحتوى جناح مكتبة الكتاب لهذه الدورة على ثلاثة آلاف عنوان بين كتب عربية وفرنسية وإنجليزية في كل الاختصاصات، وهي على حد قولها تغطي كل مجالات الحياة من علوم صحيحة وعلوم اجتماعية وسياسة وفن وثقافة وأدب وفنون، وصولا إلى كتب الطبخ.



لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

علياء خاشوق
علياء خاشوق
TT

لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

علياء خاشوق
علياء خاشوق

«يسقط الطاغية (الثلج) الآن في مونتريال، والأشجار وقوفاً كالأشجار».

كانت هذه جملتي المفضلة التي أكررها في أغلب منشوراتي على «فيسبوك»، طيلة ثلاثة عشر عاماً منذ بداية الثورة السورية. كنت أدرّب نفسي، أو لنقل، أستعد لكتابة الجملة المشتهاة في اللحظة المشتهاة:

«يسقط الطاغية بشار الأسد الآن في دمشق، والسوريون وقوفاً كالأشجار».

ويا للهول، أتت اللحظة الفاصلة (اللحظة المعجزة)، تحررت سوريا من هذا العبء الثقيل. سقط النظام السوري المجرم، وأصبحت سوريا، ونحن السوريين معها، بخفة ريشة تتطاير في الهواء. نمسك الحلم (حلمنا) بأيدينا، ونخشى أن يتخلى عنا مرّة أخرى. لا لن يفعل، لن ندعه يفعل، لن نعطيه هذه الفرصة.

ولذا، عُدنا إلى تبني مفهوم التفاؤل، بعد أن غاب عنا عمراً طويلاً أمضيناه نلوك المرارة تلو المرارة، مجزرة تلو المجزرة. نموت بالآلاف، أشلاءً تحت وطأة البراميل المتفجرة. نغرق في بحار البلدان المجاورة ونحن نبحث عن أرض آمنة. تنجرح أصواتنا ونحن نطالب بمعتقلينا في سجون النظام. نخبر الله والعالم أجمع عما يحل بنا ثم نخبو في آخر اليوم، كل يوم، نتكور على أنفسنا مهزومين، نلوك الوجع، ويموت التفاؤل فينا مع كل غياب شمس، أكثر من سابقه.

ثم يأتي يوم الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، يأتي على هيئة بابا نويل، مرتدياً العلم السوري الأخضر. يهبط بعربته في أرض الشام. يفتح جعبته ويوزع الهدايا على كل سوري، صغيراً كان أم كبيراً.

بابا نويل يمسك بنا (نحن) الخِفاف كالريشة التي صرناها ويقترح علينا مصالحات. مصالحات مع المرارة، الهزيمة، الانتظار، اللاأمل، مع موتنا وأشلائنا، مع غرقنا، مع أصواتنا المجروحة ومع زمننا المقبل، الزمن السوري المقبل. جاء بابا نويل هذا (8 ديسمبر)، وتحت إبطه عقد لصفقة كبيرة تدعى «التفاؤل».

قال له السوريون: «أيها السيد المحترم بابا نويل، إنها صفقة رابحة ونحن اشترينا. كل ما نتمناه ألا تكون بضاعتك مغشوشة».

وقّعنا، بسرعة فرح الأطفال، عقد التفاؤل هذا ثم رقصنا وغنّينا وحوّلنا ساحات المدن (كل المدن التي تبعثرنا فيها منفيين ومهجرين)، حوّلناها إلى منصات لاحتفال حاشد واحد، نحمل فيه علمنا الأخضر وندور في شوارع العالم، معلنين حريتنا الغالية الثمن، وسوريتنا وطناً مسترداً من أيدي الطاغية.

يا للهول، يا للحظة المعجزة!

يا للهول، يا للبضاعة المغشوشة أيها البابا نويل المحترم! تفاؤلنا مخلوط بكمية هائلة من الحذر ومعقود على خوف، خوف من زمننا السوري المقبل.

الخوف؟ الحذر؟

ربما لأننا أبناء إمبراطورية الخوف... سوريا.

تقول صديقة كندية: الثلج هو وطني.

ترد صديقتي السورية: الخوف هو وطني، أنا أخاف من أن يمر يوم لا أخاف فيه.

يقف الآن زمننا السوري المقبل بمواجهتنا في مرآتنا. يسألنا عن نفسه فينا، يمد لنا يده، «فماذا أنتم فاعلون؟».

نطبطب على كتف التفاؤل، نحابي الحذر، نتجرأ على الخوف، ونعلن للعالم كله بصوت واحد: «طوبى لمن يشهد قيامة شعبه».

تبدأ المبادرات والدعوات لسوريا الدولة المدنية، سوريا دولة القانون، تمتلئ صدور السوريين بطاقة إيجابية للبناء وإعادة الإعمار، للمصالحات بين زمننا الماضي بكل ما فيه، وزمننا المقبل بكل تحدياته.

تعود إلينا سوريا محطمة، مسروقة، مريضة، مكسورة النفس، تشبه أولادها الذين خرجوا أخيراً من سجون النظام، يحملون تعذيبهم على أكتافهم، ويتركون ذاكرتهم وراءهم بعيداً بعيداً في معتقلاتهم.

كل الصور والأخبار التي يراها العالم اليوم، والذي وقف لمدة خمسة عقود ونيف، متفرجاً على آلام طريق الجلجلة السورية، كلها تعقد الألسن، تفتح أبواباً ونوافذ للحذر من مآلات التغيير، وترفع مسؤولية السوري إلى أعلى مستوياتها تجاه هذا الوطن الذي نسترده الآن حراً من الطغيان الأسدي.

يتصدر المشهد مجموعة ثوار إسلامويين، قطفوا اللحظة (المعجزة)، ويصدرون الوعود الإيجابية بسوريا جديدة لكل أهلها على اختلاف مشاربهم.

ينتظر العالم بأسره كيف سيتعامل هؤلاء الإسلامويون مع بابا نويل سوريا؟

السوريون هم الوحيدون مَن لن ينتظر بعد ذلك. لقد بدأوا بكتابة تاريخهم الجديد، ولن يسمحوا بعد الآن لأي هيئة أو جماعة أن تسرق الحلم.

نعم أيها التفاؤل، إنك صفقة رابحة، حتى ولو كانت مغشوشة.

* سينمائية سورية