«الحرية والتغيير» يتمسك بحمدوك ويعتبره «أيقونة» المدنية

«لجان المقاومة» تدعو إلى مواكب مليونية في الخرطوم... والسلطات العسكرية تواصل الاعتقالات

جانب من الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني في 30 أكتوبر (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني في 30 أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

«الحرية والتغيير» يتمسك بحمدوك ويعتبره «أيقونة» المدنية

جانب من الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني في 30 أكتوبر (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني في 30 أكتوبر (أ.ف.ب)

اصطدمت مساعي قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان لتشكيل حكومة مدنية، بتمسك تحالف «الحرية والتغيير» بعودة رئيس الوزراء المقال عبد الله حمدوك، فيما تمسك حمدوك نفسه بعدم قبول رئاسة أي حكومة من دون موافقة «الحرية والتغيير» التي تضم عدداً كبيراً من الأحزاب السياسية وتتمتع بشعبية واسعة في الشارع السوداني.
وقالت مصادر قيادية في التحالف لـ«الشرق الأوسط» إن حديث البرهان عن تشكيل حكومة مدنية يختار هو رئيسها ستكون بمثابة «مكتب سكرتارية» للقادة العسكريين. وأضافوا أن «القوى المدنية وغالبية الشعب يتمسكون برئاسة حمدوك ليس في شخصه، بل لأنه أصبح يمثل رمزاً للسلطة المدنية التي يختارها المدنيون وليس الجيش». ومنذ تولي الجيش السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) سعت وساطات عدة إقليمية ودولية، كان آخرها وفد الجامعة العربية، إلى حل للأزمة لكن جميعها لم يتوصل إلى نتيجة بسبب ما سماه البعض «مأزق حمدوك» الذي أيضاً يدعو المجتمع الدولي علانية إلى ضرورة عودته إلى رئاسة الحكومة. وأوضحت المصادر أن ممثلين عن «الحرية والتغيير» ووسطاء اجتمعوا مع حمدوك في منزله، تحت الإقامة الجبرية، مساء أول من أمس للمرة الأولى منذ إطاحة الجيش بحكومته، وتم تداول بعض أفكار جديدة للخروج من المأزق الراهن، خصوصا أن البرهان كان قد وعد بتشكيل حكومة جديدة خلال الأسبوع الأول من توليه السلطة، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
في غضون ذلك، واصل البرهان إقالة عدد من مديري ورؤساء مرافق حكومية مهمة وعدد من البنوك، بما فيها البنك المركزي، وتعيين شخصيات «إسلامية» محسوبة على حزب «المؤتمر الوطني» الذي كان يرأسه الرئيس المعزول عمر البشير، وهو ما عدته قطاعات واسعة في السودان، محاولة لإعادة نظام البشير مرة أخرى بواجهة جديدة.

- اجتماع مع حمدوك
وأجمعت قوى الحرية والتحرير السودانية على رفض أي تفاوض أو حوار أو تسوية مع من أطلقت عليهم اسم «الانقلابيين» قبل إلغاء الإجراءات التي اتخذتها قيادة الجيش واستعادة الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك الذي يعتبره المحتجون «أيقونة» للمدنية، وإلغاء حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين، وفيما يتواصل العصيان المدني ليومه الثاني على التوالي، دعت «لجان مقاومة» شعبية لمواكب مليونية جديدة السبت المقبل.
وأول من أمس، اجتمع ممثلون عن الحرية والتغيير والوسطاء بحمدوك في منزله، وذلك للمرة الأولى منذ إطاحة الجيش بحكومة الحرية والتغيير ووضع رئيس الوزراء في الاعتقال المنزلي، وتداول الاجتماع أفكارا جديدة للخروج من المأزق السياسي الذي دخلت فيه البلاد عقب سيطرة قيادة الجيش على السلطة في البلاد. ونقلت تقارير صحافية أن الحرية والتغيير «المجلس المركزي» عقد اجتماعاً أول من أمس بدعوة من حزب الأمة، حضره ممثلون عن مجموعة «الميثاق الوطني»، لكنه تمسك بموقفه مما أطلق عليه «الانقلاب العسكري»، واشترط قبل الدخول في أي تفاوض أو مبادرات إلغاء حالة الطوارئ والعودة للوثيقة الدستورية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وعودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وطاقمه لممارسة سلطاتهم الدستورية. وبجانب ذلك علمت «الشرق الأوسط» أن قوى إعلان الحرية والتغيير «المجلس المركزي – وجماعة الميثاق»، إلى جانب ممثلي مبادرات الوساطة، ونائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، اجتمعوا مطولاً برئيس الوزراء عبد الله حمدوك الموضوع قيد الاعتقال في منزله بضاحية كافوري، وذلك للمرة الأولى منذ الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في الشهر الماضي.

- مقترحات جديدة
وبحسب مصدر تحدث للصحيفة، فإن الاجتماع تناول رؤى ومقترحات جديدة، تهدف لإيجاد مخرج للأزمة، وتضمنت تلك الرؤى تكوين «مجلس سيادة» بسلطات رئاسية وليست تشريفية، مع مجلس وزراء تنفيذي من تكنوقراط يقدم تقاريره للسيادة، وأن يصبح رئيس الوزراء عبد الله حمدوك «العضو الخامس عشر» في مجلس السيادة.
بيد أن حمدوك أبلغ الحاضرين أنه عند موقفه الرافض للمشاركة في أي حكومة بعيداً عن حاضنته السياسية «الحرية والتغيير»، وأنه ملتزم بالعمل على إعادة توحيدها وفقاً لمبادرته المطروحة قبل قرارات قيادة الجيش، فيما قالت المصادر إن التفاوض تناول أيضاً رؤى تتعلق بإعادة النظر في شكل الحكم في السودان، وإجراء مقارنة بين الجمهورية البرلمانية والرئاسية وأيهما أصلح لحكم السودان.
من جهة أخرى، تواصلت الاعتقالات بين النشطاء والنقابيين في مختلف أنحاء البلاد، دون وجود إحصاءات رسمية لأعداد المعتقلين وجهات اعتقالهم، وقالت مصادر إن المعتقلين في مدينة ود مدني – وسط – دخلوا في إضراب عن الطعام احتجاجاً على سوء المعاملة من الانقلابيين، وإن صحة المحامي «ثامر صلاح الدين» تدهورت بسبب الإضراب ورفضه تناول الطعام.
وكانت تقارير صحافية قد أشارت إلى أن أعداد المعتقلين تجاوز المئات في أنحاء البلاد المختلفة، في وقت تعددت فيه الجهات التي تعتقل النشطاء والسياسيين والنقابيين، وأول من أمس نقلت التقارير أن حملات اعتقال واسعة شنت في بعض أحياء الخرطوم في بري والصحافات وأم درمان، اعتقل خلالها شباب لجان المقاومة.

- دعوة «تجمع المهنيين»
وفيما يتواصل العصيان المدني النسبي الذي دعا له تجمع المهنيين السودانيين، والاحتجاجات في الأحياء وتتريس وإعادة تتريس الطرقات، قالت تنسيقيات لجان المقاومة في ولاية الخرطوم إنها توافقت على جعل يوم السبت المقبل يوماً «ثوريا خالصاً تسير فيه مليونيات الغضب لإسقاط المجلس العسكري». وأهابت التنسيقيات بالشعب في الداخل والخارج للمشاركة في المليونية، ووعدت بنشر «مسارات ووجهة» المليونيات في وقت لاحق، وهو نهج درجت لجان المقاومة على اتباعه قبل إعلان المواكب المليونية، بيد أنها أعلنت عن شعارات الموكب الممثلة في «مليونية 13 نوفمبر، العصيان المدني الشامل، لا تفاوض لا شراكة لا شرعية للعسكر».
ووقع على البيان تنسيقيات لجان المقاومة في أم درمان، وبحري، وشرق النيل، والحاج يوسف، وهي اللجان الرئيسية في تنظيم المواكب المناوئة للإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
وشهدت الخرطوم وعدد كبير من مدن البلاد مواكب مليونية في 30 أكتوبر الماضي، نددت بإجراءات البرهان واعتبرتها انقلاباً على الحكومة المدنية، ورددت خلالها هتافات مناوئة له، وحملت خلالها صورة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك باعتباره «أيقونة» للحكم المدني، واعتبرت عودته وحكومته لممارسة سلطاتهم الشرعية، شرطاً لازماً لعودة البلاد للاستقرار مجدداً.

- إقالات جديدة
من جهة أخرى، لا تزال قيادة الجيش تواصل إصدار أوامر إقالة كبار موظفي الخدمة المدنية الذين عينتهم حكومة حمدوك، وتعيين آخرين محسوبين على نظام الإسلاميين الذي أسقط بالثورة الشعبية في أبريل (نيسان) 2019، وفي سابقة تعد الأولى من نوعها منذ تأسيس جامعة الخرطوم – أعرق الجامعات السودانية – أصدر قائد الجيش قراره بإقالة مديرة الجامعة بمرسوم «عسكري».
كما أقال البرهان بمراسيم صادرة عنه بصفته العسكرية، عددا من رؤساء البنوك والمؤسسات العامة وكبار المسؤولين في الوزارات وتعيين «إخوان» بدلاء لهم، وهو الأمر الذي يعد لدى شرائح واسعة من السودانيين، محاولة لإعادة نظام الرئيس المعزول عمر البشير مرة أخرى من البوابة الخلفية، ما يعزز مزاعم قديمة للنشطاء والمعارضين بأن المكون العسكري في الحكومة الانتقالية هو «اللجنة الأمنية» لنظام البشير، أنحت لريح الثورة للعودة مرة أخرى.



خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.