مثقفون مصريون وهنود: الاهتمام بالتراث الثقافي ضرورة ملحة في عصر العولمة

ندوة «كلمات على الماء» ضمن مهرجان «الهند على ضفاف النيل»

المشاركون في الندوة من اليسار إلى اليمين: الكاتب الهندي سيدهارث بهاتيا، ومصممة الأزياء ليلى تيابجي، والمخرج سانجوي روي،  ود. محمد عفيفي، ود. أشرف رضا، والفنان محمد عبلة، ود. خالد عزب ({الشرق الأوسط})
المشاركون في الندوة من اليسار إلى اليمين: الكاتب الهندي سيدهارث بهاتيا، ومصممة الأزياء ليلى تيابجي، والمخرج سانجوي روي، ود. محمد عفيفي، ود. أشرف رضا، والفنان محمد عبلة، ود. خالد عزب ({الشرق الأوسط})
TT

مثقفون مصريون وهنود: الاهتمام بالتراث الثقافي ضرورة ملحة في عصر العولمة

المشاركون في الندوة من اليسار إلى اليمين: الكاتب الهندي سيدهارث بهاتيا، ومصممة الأزياء ليلى تيابجي، والمخرج سانجوي روي،  ود. محمد عفيفي، ود. أشرف رضا، والفنان محمد عبلة، ود. خالد عزب ({الشرق الأوسط})
المشاركون في الندوة من اليسار إلى اليمين: الكاتب الهندي سيدهارث بهاتيا، ومصممة الأزياء ليلى تيابجي، والمخرج سانجوي روي، ود. محمد عفيفي، ود. أشرف رضا، والفنان محمد عبلة، ود. خالد عزب ({الشرق الأوسط})

التراث الثقافي للدول ركن أساسي من أركان الهوية الحضارية لأي بلد، والتي تتوارثها الأجيال وتحفظ مكانها في التاريخ الإنساني. من هذا المنطلق، نظمت سفارة الهند بالقاهرة ندوة بعنوان «كلمات على الماء» دارت حول أهمية الحفاظ على التراث الثقافي في مصر والهند وسبل حمايته، وذلك ضمن فعاليات النسخة الثالثة من مهرجان «الهند على ضفاف النيل» الذي يعرض للجوانب الكلاسيكية والمعاصرة للثقافة الهندية في محاولة للتقريب ما بين الشعبين المصري والهندي.
وتحدث سفير الهند بالقاهرة، نافديب سوري، في كلمته في مستهل الندوة عن أهمية الإرث الثقافي للشعوب، قائلا: «إن مصر والهند تمتلكان أعرق الحضارات القديمة في العالم، حيث تشتهر الحضارتان بإنجازاتهما الكبيرة وإبداعهما في الكثير من المجالات على مر آلاف السنين». وجاء في الكلمة: «إن الحفاظ على التراث الثقافي الثري والعمل على الارتقاء به من المسؤوليات الهامة التي تقع على عاتق الجيل الحالي والأجيال المتعاقبة أيضا. وسوف يساهم هذا الحوار بين الخبراء والمفكرين من الجانبين في خلق أرضية مشتركة بينهما لتبادل المعلومات وأفضل الممارسات في هذا المجال».
أما د. محمد عفيفي، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، فقال في كلمته: «من ليس له ماض ليس له حاضر.. والتراث يعني كل مجالات الأدب والفنون والعمارة، وتمتاز مصر والهند بحضارات عريقة وتراث غني وتربطهما الكثير من أوجه التشابه الحضاري والثقافي».
وأشار إلى أن «مصر وقعت على اتفاقية اليونيسكو عام 2005 للحفاظ على التراث غير المادي، وأن العام الحالي شهد إنشاء وحده مركزية لصون التراث غير المادي»، مؤكدا «وجود مشروعات وشراكات بين الهند ومصر في مجال حفظ التراث وتقديمه للعالم بشكل لائق خلال الفترة المقبلة».
وأكد المخرج الهندي سانجوري روي، مؤسس شركة «تيم وورك فيلمز»، الراعية للمهرجان الهندي في مصر، على أهمية انفتاح الشعوب على العالم وأهمية التبادل الثقافي بين الشعوب عبر المهرجانات والفعاليات الثقافية، فالحفاظ على التراث لا يتم بالانغلاق والانعزال عن العالم، بل يتم بالانفتاح وتطويع التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة في تأكيد أهمية التراث الثقافي للشعوب، في ظل عصر العولمة وانصهار الثقافات.
واتفق معه الفنان التشكيلي محمد عبلة، صاحب الكثير من المبادرات الثقافية المصرية، في أهمية التسويق للتراث والصناعات المصرية خاصة اليدوية منها، مشيرا إلى أن مصر تملك من التراث غير المادي ما يجعلها تفتخر به، وضرب مثلا بفن التحطيب. وأشار د. خالد عزب، رئيس قطاع الخدمات بمكتبة الإسكندرية، والمسؤول عن عدد من مشروعات توثيق التراث المصري، إلى «أهمية المأكولات المصرية كجزء من التراث الثقافي»، كما فعلت ونجحت الهند في ذلك.
بينما سلطت مصممة الأزياء الهندية ليلي تيابجي، ورئيسة جمعية «داستكار» للحرف والحرفيين، الضوء على أحد الجوانب الهامة في التراث الثقافي للدول؛ ألا وهو: الحرف التقليدية والصناعات الحرفية. وأوضحت أنه عبر التاريخ الإنساني، صنعت التجمعات البشرية المختلفة لأنفسها لغاتها الخاصة وأكلاتها ودياناتها وتاريخها ومهرجاناتها وتقاليدها وحرفها وأساطيرها. وهذه المظاهر معرضة لخطر الاندثار في العصر الحديث.
وقالت: «يؤدي الحفاظ على التراث الثقافي إلى استمرار الهوية الثقافية للبلاد ويحول دون تلاشي تلك المظاهر. لقد أصبحت مسألة حماية التراث الثقافي والحفاظ على الموارد الثقافية وإدارتها بشكل جيد في غاية الأهمية في هذا العالم الذي يتغير بشكل سريع. يجب الحفاظ على هوية البلاد وطبيعتها الجوهرية في مواجهة العولمة». وأشارت إلى أن الحرف التقليدية لها ثقل كبير في الهند، حيث تمثل الجزء الأكبر من الثقافة الهندية منذ قديم الأزل. ولفتت إلى أنها تمثل ثاني أكبر قطاع بالهند في توفير فرص عمل لجميع الفئات العمرية.
من جانبه، وأكد د. أشرف رضا، عضو نقابة الفنون المصرية، على أهمية القصور والمباني التاريخية أو الطراز المعماري المتميز في الترويج للتراث الثقافي المصري، متحدثا عن دور الدولة في تحويل تلك الأماكن التاريخية إلى نقاط للإشعاع الثقافي والحضاري، مناشدا الحكومة المصرية إخلاء القصور التاريخية من المصالح الحكومية، لكي تستعيد رونقها التاريخي، ودورها في أن تصبح مصدرا للدخل القومي.
يذكر أن ندوة «كلمات على الماء» فعالية سنوية ضمن مهرجان «الهند على ضفاف النيل» وتخصص كل عام لأحد الجوانب الثقافية في الهند مصر، وكانت في الدورتين السابقتين للمهرجان قد ناقشت «قضية الترجمة»، و«الأدب الهندي والمصري.. حوار بين كتاب من مصر والهند». ويخصص المهرجان فعاليات فنية وأدبية وموسيقية على مدار 3 أسابيع من كل عام، وافتتح دورته الحالية النجم السينمائي أميتاب باتشان.



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.